37- قال لهما - يؤكد ما علماه عنه - لا يأتيكما طعام يُساق إليكما رزقاً مقدراً لكما إلا أخبرتكما بمآله إليكما قبل أن يأتيكما ، وذكرت لكما صنعته وكيفيته ، ذلكما التأويل للرؤيا والإخبار بالمغيبات مما علمني ربي وأوحى به إليّ . لأني أخلصت له عبادتي ، ورفضت أن أشرك به شيئاً ، وابتعدت عن دين قوم لا يصدقون بالله ، ولا يؤمنون به على وجه صحيح ، وهم بالآخرة وحسابها منكرون كافرون .
ف { قَالَ } لهما مجيبا لطلبتهما : { لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا } أي : فلتطمئن قلوبكما ، فإني سأبادر إلى تعبير رؤياكما ، فلا يأتيكما غداؤكما ، أو عشاؤكما ، أول ما يجيء إليكما ، إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما .
ولعل يوسف عليه الصلاة والسلام قصد أن يدعوهما إلى الإيمان في هذه الحال التي بدت حاجتهما إليه ، ليكون أنجع لدعوته ، وأقبل لهما .
ثم قال : { ذَلِكُمَا } التعبير الذي سأعبره لكما { مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي } أي : هذا من علم الله علمنيه وأحسن إليَّ به ، وذلك { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } والترك كما يكون للداخل في شيء ثم ينتقل عنه ، يكون لمن لم يدخل فيه أصلًا .
{ قال لا يأتيكما طعام تُرزقانه إلا نبّأتكما بتأويله } أي بتأويل ما قصصتما علي ، أو بتأويل الطعام يعني بيان ماهيته وكيفيته فإنه يشبه تفسير المشكل ، كأنه أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما إلى الطريق القويم قبل أن يسعف إلى ما سألاه منه كما هو طريقة الأنبياء والنازلين منازلهم من العلماء في الهداية والإرشاد ، فقدم ما يكون معجزة له من الإخبار بالغيب ليدلهما على صدقه في الدعوة والتعبير . { قبل أن يأتيكما ذلكما } أي ذلك التأويل . { مما علّمني ربي } بالإلهام والوحي وليس من قبيل التكهن أو التنجيم . { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون } تعليل لما قبله أي علمني ذلك لأني تركت ملة أولئك .
روي عن السدي وابن إسحاق : أن يوسف عليه السلام لما علم شدة تعبير منامه رأى الخبز وأنها تؤذن بقتله ، ذهب إلى غير ذلك من الحديث ، عسى ألا يطالباه بالتعبير ، فقال لهما - معلماً بعظيم علمه للتعبير- : إنه لا يجيئكما طعام في نومكما ، تريان أنكما رزقتماه إلا أعلمتكما بتأويل ذلك الطعام ، أي بما يؤول إليه أمره في اليقظة ، قبل أن يظهر ذلك التأويل الذي أعلمكما به . فروي أنهما قالا : ومن أين لك ما تدعيه من العلم وأنت لست بكاهن ولا منجم ؟ فقال لهما : { ذلكما مما علمني ربي } ثم نهض ينحي لهما على الكفر ويحسن لهما الإيمان بالله : فروي أنه قصد في ذلك وجهين : أحدهما : تنسيتهما أمر تعبير ما سألا عنه - إذ في ذلك النذارة بقتل أحدهما - والآخر : الطماعية في إيمانهما . ليأخذ المقتول بحظه من الإيمان وتسلم له آخرته . وقال ابن جريج : أراد يوسف عليه السلام : { لا يأتيكما طعام } في اليقظة { ترزقانه إلا نبأتكما } منه بعلم وبما يؤول إليه أمركما { قبل أن يأتيكما } ذلك المآل .
قال القاضي أبو محمد : فعلى هذا إنما أعلمهم{[6684]} بأن يعلم مغيبات لا تعلق لها برؤيا . وقصد بذلك أحد الوجهين المتقدمين . وهذا على ما روي من أنه نبىء في السجن ، فإخباره كإخبار عيسى عليه السلام ، وقال ابن جريج : كانت عادة ذلك الملك إذا أراد قتل أحد ممن في سجنه بعث إليه طعاماً يجعله علامة لقتله .
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله لا يقتضيه اللفظ ولا ينهض به إسناد .
وقوله : { تركت } مع أنه لم يتشبث بها ، جائز صحيح ، وذلك أنه أخبر عن تجنبه من أول بالترك ، وساق لفظة الترك استجلاباً لهما عسى أن يتوكأ الترك الحقيقي الذي هو بعد أخذ في الشيء ، والقوم المتروكة ملتهم : الملك وأتباعه . وكرر قوله : { هم } على جهة التأكيد ، وحسن ذلك للفاصلة التي بينهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.