53- إنهم لا يؤمنون به ، ولا ينتظرون إلا المآل الذي بيَّنه الله لمن يكفر به . ويوم يأتي هذا المآل - وهو يوم القيامة - يقول الذين تركوا أوامره وبيناته وغفلوا عن وجوب الإيمان به ، معترفين بذنوبهم : قد جاءت الرسل من عند خالقنا ومربينا ، داعين إلى الحق الذي أرسلوا به ، فكفرنا به . ويسألون هل لهم شفعاء يشفعون لهم ؟ فلا يجدون ، أو هل يردُّون إلى الدنيا ليعملوا صالحاً ؟ فلا يجابون . قد خسروا عمل أنفسهم بغرورهم في الدنيا ، وغاب عنهم ما كانوا يكذبونه من ادعاء إله غير الله .
ولهذا قال : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ } أي : وقوع ما أخبر به كما قال يوسف عليه السلام حين وقعت رؤياه : { هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ }
{ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ } متندمين متأسفين على ما مضى منهم ، متشفعين في مغفرة ذنوبهم . مقرين بما أخبرت به الرسل : { قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ } إلى الدنيا { فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } وقد فات الوقت عن الرجوع إلى الدنيا . { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }
وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا ، ليعملوا غير عملهم كذب منهم ، مقصودهم به ، دفع ما حل بهم ، قال تعالى : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }
{ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ } حين فوتوها الأرباح ، وسلكوا بها سبيل الهلاك ، وليس ذلك كخسران الأموال والأثاث أو الأولاد ، إنما هذا خسران لا جبران لمصابه ، { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } في الدنيا مما تمنيهم أنفسهم به ، ويعدهم به الشيطان ، قدموا على ما لم يكن لهم في حساب ، وتبين لهم باطلهم وضلالهم ، وصدق ما جاءتهم به الرسل
أي : ما وُعِدَ من العذاب والنكال والجنة والنار . قاله مجاهد وغير واحد .
وقال مالك : ثوابه . وقال الربيع : لا يزال يجيء تأويله أمر ، حتى يتم يوم الحساب ، حتى يدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، فيتم تأويله يومئذ .
{ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ } أي : يوم القيامة ، قاله ابن عباس - { يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ } أي : تركوا العمل به ، وتناسوه في الدار الدنيا : { قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا } أي : في خلاصنا مما نحن فيه ، { أَوْ نُرَدُّ } إلى الدار الدنيا { فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } كما قال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 27 ، 28 ] كما قال هاهنا : { قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } أي : [ قد ]{[11810]} خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيه ، { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } أي : ذهب عنهم ما كانوا يعبدونهم من دون الله فلا ينصرونهم ، ولا يشفعون لهم{[11811]} ولا ينقذونهم مما هم فيه .
{ هل ينظرون } ينتظرون . { إلا تأويله } إلا ما يؤول إليه أمره من تبين صدقه بظهور ما نطق به من الوعد والوعيد . { يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل } تركوه ترك الناسي . { قد جاءت رسل ربنا بالحق } أي قد تبين أنهم جاؤوا بالحق . { فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا } اليوم . { أو نردّ } أو هل نرد إلى الدنيا . وقرئ بالنصب عطفا على { فيشفعوا } ، أو لأن { أو } بمعنى إلى أن ، فعلى الأول المسئول أحد الأمرين أو ردهم إلى الدنيا ، وعلى الثاني أن يكون لهم شفعاء إما لأحد الأمرين أو لأمر واحد وهو الرد . { فنعمل غير الذي كنا نعمل } جواب الاستفهام الثاني وقرئ بالرفع أي فنحن نعمل . { قد خسروا أنفسهم } بصرف أعمارهم في الكفر . { وضل عنهم ما كانوا يفترون } بطل عنهم فلم ينفعهم .
{ ينظرون } معناه ينتظرون ، و «التأويل » في هذا الموضع بمعنى المآل والعاقبة ، قاله قتادة ومجاهد وغيرهما ، وقال ابن عباس : { تأويله } مآله يوم القيامة ، وقال السدي : ذلك في الدنيا وقعة بدر وغيرها ويوم القيامة أيضاً ، والمراد هل ينتظر هؤلاء الكفار إلا مآل الحال في هذا الدين وما دعوا إليه وما صدروهم عنه وهم يعتقدون مآله جميلاً لهم ؟ فأخبر الله عز وجل أن مآله يوم يأتي يقع معه ندمهم ، ويقولون تأسفاً على ما فاتهم من الإيمان لقد صدقت الرسل وجاءوا بالحقن فالتأويل على هذا مأخوذ من آل يؤول ، وقال الخطابي : أولت الشيء رددته إلى أوله فاللفظة مأخوذة من الأول ، حكاه النقاش .
قال القاضي أبو محمد : وقد قيل أولت معناه طلبت أول الوجوه والمعاني و { نسوه } في الآية يحسن أن يكون النسيان من أول الآية بمعنى الترك ويقرون بالحق ويستفهمون عن وجوه الخلاص في وقت لا مستعتب لهم فيه ، وقرأت فرقة : «أو نردُّ » برفع الفعل على تقدير أو هل نرد وبنصب «فنعملَ » في جواب هذا الاستفهام الأخير ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «أو نردُّ فنعملُ » بالرفع فيهما على عطف «فنعمل » ، وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو حيوة «أو نردَّ فنعمل » ونصب نرد في هذه القراءة إما على العطف على قوله : { فيشفعوا } وإما بما حكاه الفراء من أن «أو تكون » بمعنى حتى كنحو قول امرىء القيس :
* . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . . . . . . . ***أو نموت فنعذرا
ويجيء المعنى ، أن الشفاعة تكون في أن يردوا ثم أخبر تعالى عن خسارتهم أنفسهم واضمحلال افترائهم على الله وكذبهم في جعل الأصنام آلهة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.