التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (53)

قوله : { هل ينظرون إلا تأويله } استفهام وعيد . و { ينظرون } من النظر وهو الانتظار ؛ أي هل ينتظر هؤلاء المنكرون الجاحدون الكفرة { إلا تأوليه } أي عاقبته . وهو تأويل ما يؤول إليه تكذيبهم مما توعدهم به القرآن من سوء الحساب والعذاب .

قوله : { يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت الرسل ربنا بالحق } أي يوم القيامة يظهر عاقبة ما أخبروا به من العذاب ومصيرهم إلى النار ، فأدركوا أن ما جاءتهم به الرسل حق ، واعترفوا حينئذ بذنبهم العظيم وخطيئتهم الكبرى ، وأيقنوا أنهم كانوا سادرين في الضلال ؛ فهم الآن صائرون لا محالة إلى الشقوة والتعس .

قوله : { فهل لنا من شفعاء فيشعوا لنا } فيشفعوا ، منصوب بتقدير أن بعد فاء السببية{[1419]} الشفيع هو السائل لصاحبه إسقاط العقاب عن المشفع فيه والعفو عن خطيئته . وهو من تعريف الطبرسي{[1420]} يسأل الخاسرون التعساء يوم القيامة عن شفعاء يشفعوا لهم بدر العذاب عنهم وبتجنبهم مما عاينوه من العذاب المحيط المحدق . وهو استفهام اليائسين الخاسرين الذين أيقنوا أنهم أحيط بهم وأنهم صائرون إلى النار لا محالة . وهذا هو شأن اليائس المكروب الذي تملكه الحيرة ، وغشيه اليأس المطبق ، لا جرم أن يتشبث بما يظن أو يتمنى أنه منجاة له من النار . لكنه تشبث الحالمين الحياري الذين تقطعت بهم الآمال والسبل وعملوا أنه ليس حينئذ من شفيع ولا مجير إلا التداعي في النار والحرور .

قوله : { أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل } فنعمل منصوب على جواب التمني بالفاء بتقدير{[1421]} أن يتمنون كذلك أن يردوا إلى الدنيا لاستئناف العمل الصالح فيعملوا غير ما كانوا يعملونه إبان غفلتهم وعصيانهم ولا يعدو ذلك دائرة التمنيات الحائرة الشواطح يطلقها الخاسرون الهلكى لما طغى عليهم اليأس وعضتهم الندامة عضا لا يجديهم ولا يغنيهم من العذاب الواقع شيئا . ولذلك قال : { قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون } خسروا أنفسهم ، بإهلاكها وإسقاطها في العذاب الأليم الدائم . وذلكم هم الخسران الكبير . وفوق خسرانهم هذا { صل عنهم ما كانوا يفترون } أي بطل ما كانوا يلفقون من الأكاذيب والافتراءات على الله . أو غاب عنهم ما كانوا يتخذونهم شركاء مع الله فيعبونهم معه أو من دونه . وهذا شأن المشركين الضالين في كل زمان ؛ إذ يتخذون مع الله أربابا من دونه سواء كانت الأرباب من الجوامد الصم كالأصنام ، أو البهائم التي لا تعي ولا تنطق كمن يقدس البقر ويتخذها مع الله شركاء ، أو كان المعبود من البشر كالرؤساء الطواغيت أو الساسة والملوك الجبابرة المتسلطين الذين يستعبدون الناس استعبادا ويستخفونهم لطاعتهم استخفافا .

والرعاع وعامة الناس –وهم أكثر البشرية- يخفون في همة بالغة ونشاط ليس له نظير ، لطاعة هؤلاء الجبابرة العتاة في كل ما يأمرونهم به . ولا يتردد المستخفون الرعاع يبادرون الطاعة لأسيادهم ، ولو كلفهم ذلك الخروج عن منهج الله ، وعصيان الله فيما أمرهم به . وذلك ضروب من ضروب الإشراك بالله يهوي فيه الضالون الخائرون{[1422]} .


[1419]:البيان الابن الأنباري جـ 1 ص 364.
[1420]:التبيان للطبرسي جـ 4 ص 402.
[1421]:البيان لابن الأنباري جـ 1 ص 364.
[1422]:تفسير البغوي جـ 2ص 164 وتفسير البحر المحيط جـ 4 ص 306.