غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (53)

44

ثم لما بيّن إزاحة العلة بسب إنزال هذا الكتاب المفصل الموجب للهداية والرحمة بين بعده حال من كذب به فقال : { هل ينظرون إلا تأويله } والنظر هاهنا بمعنى الانتظار والتوقع ، وكيف ينتظرون مع جحدهم وإنكارهم ؟ الجواب لعل فيهم أقواماً تشككوا وتوقفوا ولهذا السبب انتظروه . وأيضاً إنهم كانوا جاحدين إلا أنهم بمنزلة المنتظرين من حيث إن تلك الأحوال تأتيهم لا محالة . قال الفراء : الضمير في تأويله للكتاب أي إلا عاقبة أمره وما يؤل إليه من بيان صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد ، أو عاقبة ما وعدوا به على ألسنة الرسل من الثواب والعقاب ، والتأويل مرجع الشيء ومصيره من قولهم آل الشيء يؤل { يوم يأتي } يريد يوم القيامة وانتصابه على أنه ظرف { يقول } ومعنى : { نسوه } تركوا العمل به والإيمان أو أنهم صاروا في الإعراض عنه بمنزلة من نسيه { قد جاءت رسل ربنا بالحق } أي متلبسين بما هو الحق ، أو الباء للتعدية والمراد اعترافهم بثبوت الحشر والنشر وأحوال القيامة وأهوالها إذا عاينوها { فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا } منصوب بإضمار «أن » بعد الفاء والتقدير : هل يثبت لنا شفيع فيشفع { أو } هل { نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل } فنوحد الله تعالى بدلاً عن الشرك ونطيعه بدلاً عن المعصية . وفيه دليل على أن أهل الآخرة لا تكليف لهم خلافاً للنجار ومن تبعه وإلا لم يسألوا الرد إلى دار التكليف ولم يتمنوه بل كانوا يتوبون في الحال . ثم حكم بأن ذلك التمني لا يفيدهم شيئاً وأن مطلوبهم لا يكون البتة فقال : { قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون } أي لا ينتفعون بالأصنام التي عبدوها في الدنيا وليس تفيدهم نصرة الأوثان التي بالغوا في نصرها .

/خ53