فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (53)

قوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } بالهمز من آل ، وأهل المدينة يخفون الهمزة . والنظر الانتظار ، أي هل ينتظرون إلا ما وعدوا به في الكتاب من العقاب الذي يؤول الأمر إليه . وقيل : تأويله جزاؤه . وقيل عاقبته . والمعنى متقارب . ويوم ظرف ليقول : أي يوم يأتي تأويله ، وهو يوم القيامة { يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ } أي تركوه من قبل أن يأتي تأويله { قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق } الذي أرسلهم الله به إلينا { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء } استفهام منهم ، ومعناه التمني { فَيَشْفَعُواْ لَنَا } منصوب لكونه جواباً للاستفهام . قوله : { أَوْ نُرَدُّ } قال الفراء : المعنى أو هل نردّ { فَنَعْمَلَ غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ } وقال الزجاج : نردّ عطف على المعنى ، أي هل يشفع لنا أحد ، أو نردّ . وقرأ ابن أبي إسحاق «أو نردّ فنعمل » بنصبهما ، كقول امرئ القيس :

فقلت له لا تبك عيناً إنما *** نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا

وقرأ الحسن برفعهما . ومعنى الآية : هل لنا شفعاء يخلصونا مما نحن فيه من العذاب ، أو هل نُردُّ إلى الدنيا فنعمل صالحاً غير ما كنا نعمل من المعاصي { قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ } أي لم ينتفعوا بها ، فكانت أنفسهم بلاء عليهم ومحنة لهم ، فكأنهم خسروها كما يخسر التاجر رأس ماله . وقيل خسروا النعيم وحظ الأنفس { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي افتراؤهم أو الذي كانوا يفترونه . والمعنى أنه بطل كذبهم الذي كانوا يقولونه في الدنيا ، أو غاب عنهم ما كانوا يجعلونه شريكاً لله ، فلم ينفعهم ولا حضر معهم .

/خ54