140- إن يكن قد مسّكم بأُحُدْ قتل أو جراح عميقة في أجسامكم ، وأثَّرت في نفوسكم فلا تهنوا ولا تحزنوا ، لأنه قد أصاب خصومكم مثله يوم بدر . وإن أوقات النصر يصرفها الله بين الناس ، فيكون النصر لهؤلاء أحياناً ولأولئك أخرى ، اختباراً للمؤمنين ، وليميز الله الثابتين على الإيمان ، وليكرم قوماً بالاستشهاد في سبيله ، والله لا يحب المشركين الظالمين ولو ظفروا بنصر من غيرهم .
ثم سلَّاهم بما حصل لهم من الهزيمة ، وبيَّن الحكم العظيمة المترتبة على ذلك ، فقال : { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } فأنتم وإياهم قد تساويتم في القرح ، ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون كما قال تعالى : { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون }
ومن الحكم في ذلك أن هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، فيداول الله الأيام بين الناس ، يوم لهذه الطائفة ، ويوم للطائفة الأخرى ؛ لأن هذه الدار الدنيا منقضية فانية ، وهذا بخلاف الدار الآخرة ، فإنها خالصة للذين آمنوا .
{ وليعلم الله الذين آمنوا } : هذا أيضا من الحكم أنه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء ، ليتبين المؤمن من المنافق ؛ لأنه لو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع لدخل في الإسلام من لا يريده ، فإذا حصل في بعض الوقائع بعض أنواع الابتلاء ، تبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في الإسلام ، في الضراء والسراء ، واليسر والعسر ، ممن ليس كذلك .
{ ويتخذ منكم شهداء } : وهذا أيضا من بعض الحكم ، لأن الشهادة عند الله من أرفع المنازل ، ولا سبيل لنيلها إلا بما يحصل من وجود أسبابها ، فهذا من رحمته بعباده المؤمنين ، أن قيَّض لهم من الأسباب ما تكرهه النفوس ، لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية والنعيم المقيم ، { والله لا يحب الظالمين } : الذين ظلموا أنفسهم ، وتقاعدوا عن القتال في سبيله ، وكأن في هذا تعريضا بذم المنافقين ، وأنهم مبغضون لله ، ولهذا ثبطهم عن القتال في سبيله .
{ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين }
{ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ } أي : إن كنتم قد أصابتكم جراحٌ وقُتل منكم طائفةٌ ، فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح { وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } أي : نُديل عليكم الأعداء تارة ، وإن كانت العاقبة لكم لما لنا في ذلك من الحكم{[5774]} ؛ ولهذا قال تعالى : { وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } قال ابن عباس : في مثل هذا لنَرَى ، أي : من يَصبر على مناجزة الأعداء { وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } يعني : يُقْتَلُون في سبيله ، ويَبْذُلون مُهَجهم في مرضاته . { وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } .
{ إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } : قرأ حمزة والكسائي وابن عياش عن عاصم بضم القاف ، والباقون بالفتح وهما لغتان كالضعف والضعف . وقيل هو بالفتح الجراح وبالضم ألمها ، والمعنى إن أصابوا منكم يوم أحد فقد أصبتم منهم يوم بدر مثله ، ثم إنهم لم يضعفوا ولم يجبنوا فأنتم أولى بأن لا تضعفوا ، فإنكم ترجون من الله ما لا يرجون . وقيل كلا المسينّ كان يوم أحد فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم . { وتلك الأيام نداولها بين الناس } نصرفها بينهم تدليل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى كقوله :
فيوما علينا ويوما لنا *** ويوم نساء ويوم نسر
والمداولة كالمعاودة يقال داولت الشيء بينهم فتداولوه ، والأيام تحتمل الوصف والخبر ، و{ نداولها } يحتمل الخبر والحال ، والمراد بها : أوقات النصر والغلبة . { وليعلم الله الذين آمنوا } : عطف على علة محذوفة أي نداولها ليكون كيت وكيت ، { وليعلم الله } إيذانا بأن العلة فيه غير واحدة ، وإن ما يصيب المؤمن فيه من المصالح ما لا يعلم ، أو الفعل المعلل به محذوف تقديره : وليتميز الثابتون على الإيمان من الذين على حرف فعلنا ذلك ، والقصد في أمثاله ونقائضه ليس إلى إثبات علمه تعالى ونفيه بل إلى إثبات المعلوم ونفيه على طريق البرهان . وقيل معناه ليعلمهم علما يتعلق به الجزاء وهو العلم بالشيء موجودا . { ويتخذ منكم شهداء } : ويكرم ناسا منكم بالشهادة يريد شهداء أحد ، أو يتخذ منكم شهودا معدلين بما صودف منهم من الثبات والصبر على الشدائد . { والله لا يحب الظالمين } : الذين يضمرون خلاف ما يظهرون ، أو الكافرين وهو اعتراض ، وفيه تنبيه على أنه تعالى لا ينصر الكافرين على الحقيقة وإنما يغلبهم أحيانا استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.