23- وأرادت التي هي كان هو يعيش في بيتها ، ويشعر بسلطانها ، أن تغريه بنفسها ، لتصرفه عن نفسه الطاهرة إلى مواقعتها ، فأخذت تذهب وتجئ أمامه ، وتعرض عليه محاسنها ومفاتنها ، وأوصدت الأبواب الكثيرة ، وأحكمت إغلاقها ، وقالت : أقبل علّى فقد هيأت لك نفسي ، قال : إني ألجأ إلى الله ليحميني من الشر ، وكيف أرتكبه معك وزوجك العزيز سيدي الذي أحسن مقامي ؟ إنه لا يفوز الذين يظلمون الناس بالغدر والخيانة فيوقعون أنفسهم في معصية الزنا .
{ 23 - 29 } { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }
هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته ، وصبره عليها أعظم أجرا ، لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة ، لوقوع الفعل ، فقدم محبة الله عليها ، وأما محنته بإخوته ، فصبره صبر اضطرار ، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها ، طائعا أو كارها ، وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرما في بيت العزيز ، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك ، أن { رَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ } أي : هو غلامها ، وتحت تدبيرها ، والمسكن واحد ، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد ، ولا إحساس بشر .
{ وَ } زادت المصيبة ، بأن { غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ } وصار المحل خاليا ، وهما آمنان من دخول أحد عليهما ، بسبب تغليق الأبواب ، وقد دعته إلى نفسها { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } أي : افعل الأمر المكروه وأقبل إليَّ ، ومع هذا فهو غريب ، لا يحتشم مثله ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه ، وهو أسير تحت يدها ، وهي سيدته ، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك ، وهو شاب عزب ، وقد توعدته ، إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن ، أو العذاب الأليم .
فصبر عن معصية الله ، مع وجود الداعي القوي فيه ، لأنه قد هم فيها هما تركه لله ، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء ، ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان ، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف ، عن هذه المعصية الكبيرة ، و { قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ } أي : أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح ، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه ، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي .
فلا يليق بي أن أقابله في أهله بأقبح مقابلة ، وهذا من أعظم الظلم ، والظالم لا يفلح ، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله ، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه ، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه ، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه ، يقتضي منه امتثال الأوامر ، واجتناب الزواجر ، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء ، لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم ، الذين أخلصهم الله واختارهم ، واختصهم لنفسه ، وأسدى عليهم من النعم ، وصرف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه .
يخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها بمصر ، وقد أوصاها زوجها به وبإكرامه [ { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا ] عَنْ نَفْسِهِ } أي : حاولته على{[15107]} نفسه ، {[15108]} ودعته إليها ، وذلك أنها أحبته حبًا شديدًا لجماله وحسنه وبهائه ، فحملها ذلك على أن تجملت له ، وغلقت عليه الأبواب ، ودعته إلى نفسها ، { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } فامتنع من ذلك أشد الامتناع ، و { قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي [ أَحْسَنَ مَثْوَايَ ] } {[15109]} وكانوا يطلقون " الرب " {[15110]} على السيد والكبير ، أي : إن بعلك ربي أحسن{[15111]} مثواي أي : منزلي وأحسن إلي ، فلا أقابله بالفاحشة في أهله ، { إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } قال ذلك مجاهد ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهم .
وقد اختلف القراء في قراءة : { هَيْتَ لَكَ } فقرأه كثيرون بفتح الهاء ، وإسكان الياء ، وفتح التاء . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : معناه : أنها تدعوه إلى نفسها . وقال علي بن أبي طلحة ، والعوفي ، عن ابن عباس : { هَيْتَ لَكَ } تقول : هلم لك . وكذا قال زِرّ بن حبيش ، وعِكْرِمة ، والحسن وقتادة .
قال عمرو بن عبُيَد ، عن الحسن : وهي كلمة بالسريانية ، أي : عليك .
وقال السدي : { هَيْتَ لَكَ } أي : هلم لك ، وهي بالقبطية .
قال مجاهد : هي لغة عربية{[15112]} تدعوه بها .
وقال البخاري : وقال عكرمة : { هَيْتَ لَكَ } هَلُم لك بالحَوْرَانية .
وهكذا ذكره معلقًا ، وقد أسنده الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثني أحمد بن سُهَيْل الواسطي ، حدثنا قُرَّة بن عيسى ، حدثنا النضر بن عربي الجَزَري{[15113]} ، عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله : { هَيْتَ لَكَ } قال : هلم لك . قال : هي بالحورانية .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : وكان الكسائي يحكي{[15114]} هذه القراءة - يعني : { هَيْتَ لَكَ } - ويقول : هي لغة ، لأهل حَوْران ، وقعت إلى أهل الحجاز ، معناها : تعال . وقال أبو عبيد : سألت شيخًا عالمًا من أهل حوران ، فذكر أنها لغتهم يعرفها .
واستشهد الإمام ابن جرير على هذه القراءة بقول{[15115]} الشاعر لعلي بن أبى طالب ، رضي الله عنه :
أَبْلْغ أَمِيَر المؤمِنين *** أَخا العِراَقِ إذَا أَتَينَا
إنَّ العِراقَ وَأَهْلَهُ *** عُنُقٌ إليكَ فَهَيتَ هَيْتا
يقول : فتعال واقترب{[15116]} وقرأ ذلك آخرون : " هِئتُ لك " بكسر الهاء والهمزة ، وضم التاء ، بمعنى : تهيأت لك ، من قول القائل : هئت للأمر أهيء هيْئَة وممن روي عنه هذه القراءة ابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو وائل ، وعكرمة ، وقتادة ، وكلهم يفسرها بمعنى : تهيأت لك .
قال ابن جرير : وكان أبو عمرو والكسائي ينكران هذه القراءة . وقرأ عبد الله بن إسحاق{[15117]} هيت " ، " بفتح الهاء وكسر التاء : وهي غريبة .
وقرأ آخرون ، منهم عامة أهل المدينة " هَيْتُ " بفتح الهاء ، وضم التاء ، وأنشد{[15118]} قول الشاعر :{[15119]}
لَيسَ قَومِي بالأبْعَدِين إِذَا مَا *** قَالَ دَاعٍ منَ العَشِيرِةَ : هَيتُ
قال عبد الرزاق : أنبأنا الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : قال ابن مسعود : قد سمعت القَرَأة فسمعتهم متقاربين ، فاقرءوا كما عُلِّمتم ، وإياكم والتنطع والاختلاف ، فإنما هو كقول أحدكم : " هلم " و " تعال " ثم قرأ عبد الله : { هَيْتَ لَكَ } فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إن ناسا يقرءونها : " هَيْتُ [ لَك ] " {[15120]} ؟ فقال عبد الله : إني أقرأها كما عُلِّمت ، أحبّ إلي{[15121]} وقال ابن جرير : حدثني ابن وَكِيع ، حدثنا ابن عُيَيْنة ، عن منصور ، عن أبي وائل قال : قال عبد الله : { هَيْتَ لَكَ } فقال له مسروق : إن ناسا يقرءونها : " هَيْتُ لَك " ؟ فقال : دعوني ، فإني أقرأ كما أقْرِئتُ ، أحب إلي{[15122]} وقال أيضًا : حدثني المثنى ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شعبة ، عن شقيق ، عن ابن مسعود قال : { هَيْتَ لَكَ } بنصب الهاء والتاء ولا بهمز .
وقال{[15123]} آخرون : " هِيْتُ لَك " ، بكسر الهاء ، وإسكان الياء ، وضم التاء .
قال أبو عُبَيدة معمر بن المثنى : " هيت " لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث ، بل يخاطب الجميع بلفظ واحد ، فيقال : هيتَ لَك ، وهيتَ لك ، وهيتَ لكما ، وهيتَ لكم ، وهيتَ لهن{[15124]}
القول في تأويل قوله تعالى : { وَرَاوَدَتْهُ الّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نّفْسِهِ وَغَلّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنّهُ رَبّيَ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الظّالِمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وراودت امرأة العزيز ، وهي التي كان يوسف في بيتها { يوسُفَ } عن نفسه أن يواقعها . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ولما بلغ أشدّه { راودته التي هو في بيتها عن نفسه } : امرأة العزيز .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ } ، قال : أحبته .
قال : ثني أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، قال : قالت تعالَهْ .
وقوله : { وَغَلّقَتِ الأبْوَابَ } ، يقول : وغلّقت المرأة أبواب البيوت ، عليها وعلى يوسف لما أرادت منه ، وراودته عليه ، بابا بعد باب .
وقوله : { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك : فقرأته عامة قرأة الكوفة والبصرة : { هَيْتَ لَكَ } ، بفتح ، الهاء والتاء ، بمعنى : هلمّ لك ، وادن ، وتقرّب ، كما قال الشاعر لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه :
أبْلِغْ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ *** أخا العِراقِ إذَا أتَيْتا
أنّ العِرَاقَ وأهْلَهُ *** عُنُقٌ إليكَ فهَيْتَ هَيْتا
وبنحو الذي قلنا في ذلك تأولّه من قرأه كذلك :
حدثني محمد بن عبد الله المخرمي ، قال : حدثنا أبو الجوّاب ، قال : حدثنا عمار بن زريق ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : { هَيْتَ لَكَ } ، تقول : هلمّ لك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زرّ بن حبيش ، أنه كان يقرأ هذا الحرف : { هَيْتَ لَكَ } ، نصبا ، أي : هلمّ لك .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس ، قوله : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : تقول : هلمّ لك .
حدثني أحمد بن سهيل الواسطي ، قال : حدثنا قرة بن عيسى ، قال : حدثنا النضر بن عليّ الجزري ، عن عكرمة ، مولى ابن عباس ، في قوله : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك . قال : هي بالحورانية .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، قال : كان الحسن يقول : هلمّ لك .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن : { هَيْتَ لَكَ } ، يقول بعضهم : هلمّ لك .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك . وهي بالقبطية .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن عمرو ، عن الحسن : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : كلمة بالسريانية ، أي : عليك .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا خلف بن هشام ، قال : حدثنا محبوب ، عن قتادة ، عن الحسن : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك .
قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن زر : { هَيْتَ لَكَ } ، أي : هلمّ .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا الثوري ، قال : بلغني في قوله : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك .
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا عليّ بن عاصم ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : { هَيْتَ لَكَ } ، وقال : تدعوه إلى نفسها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : لغة عربية تدعوه بها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : لغة بالعربية تدعوه بها إلى نفسها .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثل حديث محمد بن عمرو ، سواء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن : { هَيْتَ لَكَ } ، بفتح الهاء والتاء ، وقال : تقول : هلمّ لك .
حدثني الحرث ، قال أبو عبيدة : كان الكسائيّ يحكيها ، يعني : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : وقال : وهي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز ، معناها : «تعال » . قال : وقال أبو عبيد : سألت شيخا عالما من أهل حوران ، فذكر أنها لغتهم يعرفها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : تعال .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك إليّ .
وقرأ ذلك جماعة من المتقدمين : { وَقالَتْ هِئْتُ لَكَ } بكسر الهاء ، وضمّ التاء ، والهمز ، بمعنى : تهيأت لك ، من قول القائل : هِئْتُ للأمر أَهِيء هَيْئَةً . وممن رُوي ذلك عنه ابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السُلمِي ، وجماعة غيرهما .
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحجاج ، عن هارون ، عن أبان العطار ، عن قتادة : أن ابن عباس قرأها كذلك مكسورة الهاء مضمومة التاء . قال أحمد : قال أبو عبيد : لا أعلمها إلا مهموزة .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن أبان العطار ، عن عاصم ، عن أبي عبد الرحمن السلمي : { هِئْتُ لَكَ } ، أي تهيأت لك .
قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عكرمة ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان عكرمة يقول : تهيأت لك .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : { هِئْتُ لَكَ } ، قال عكرمة : تهيأت لك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عاصم بن بهدلة ، قال : كان أبو وائل يقول : { هِئْتُ لَكَ } ، أي : تهيأت لك .
وكان أبو عمرو بن العلاء والكسائي ينكران هذه القراءة .
حُدثت عن عليّ بن المُغيرة ، قال : قال أبو عبيدة معمر بن المثنى ، شهدت أبا عمرو وسأله أبو أحمد ، أو أحمد ، وكان عالما بالقرآن ، عن قول من قال : { هِئْتُ لَكَ } ، بكسر الهاء وهمز الياء ، فقال : أبو عمرو . ينسي ، أي : باطل ، جعلها ، «فعِلت » ، من : «تهيأت » ، فهذا الخندق ، فاستعرض حتى تنتهِي إلى اليمن ، هل تعرف أحدا يقول : " هئت لك " ؟
حدثني الحرث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : لم يكن الكسائي يحكي : " هِئْتُ لَكَ " عن العرب .
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة : { هِيتَ لَكَ } ، بكسر الهاء ، وتسكين الياء ، وفتح التاء .
وقرأه بعض المكيين : { هَيْتُ لَكَ } ، بفتح الهاء ، وتسكين الياء ، وضمّ التاء .
وقرأه بعض البصريين ، وهو عبد الله بن إسحاق : { هَيْتِ لَكَ } ، بفتح الهاء ، وكسر التاء . وقد أنشد بعض الرواة بيتا لطرفة بن العبد في «هَيْتُ » ، بفتح الهاء ، وضم التاء ، وذلك :
لَيْسَ قَوْمي بالأَبْعَدِينَ إذَا ما *** قالَ دَاعٍ مِنَ العَشِيرَةِ هَيْتُ
وأولى القراءة في ذلك ، قراءة من قرأه : { هَيْتَ لَكَ } ، بفتح الهاء والتاء ، وتسكين الياء ، لأنها اللغة المعروفة في العرب دون غيرها ، وأنها فيما ذكر قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال ابن مسعود : قد سمعتُ القرأة ، فسمعتهم متقاربين ، فاقرءوا كما علمتم ، وإياكم والتنطع والاختلاف ، فإنما هو كقول أحدكم : هلمّ ، وتعال . ثم قرأ عبد الله : { هَيْتَ لَكَ } ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن إن ناسا يقرءونها : { هِيتَ لَكَ } ، فقال عبد الله : إني أقرؤها كما عُلِّمْتُ ، أحبُّ إليّ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقرأ هذه الآية : { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، قال : فقالوا له : ما كنا نقرؤها إلا : { هِيتَ لَكَ } ، فقال عبد الله : إني أقرؤها كما عُلِّمْتُ ، أحبُّ إليّ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن منصور ، عن أبي وائل ، قال : قال عبد الله : { هَيْتَ لَكَ } ، فقال له مسروق : إن ناسا يقرءونها : { هِيتَ لَكَ } ، فقال : دعوني ، فإني أقرأ كما أُقْرِئْتُ ، أحبُّ إليّ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن ابن مسعود ، قال : { هَيْتَ لَكَ } ، بنصب الهاء والتاء ، وبلا همز .
وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى ، أن العرب لا تثني { هَيتَ لَكَ } ، ولا تجمع ، ولا تؤنث ، وأنها تصوّره في كلّ حال ، وإنما يتبين العدد بما بعد ، وكذلك التأنيث والتذكير ، وقال : تقول للواحد : " هيت لك " ، وللاثنين : " هيت لكما " ، وللجمع : " هيت لكم " ، وللنساء : " هيت لكن " .
وقوله : { قالَ مَعاذَ الله } ، يقول جلّ ثناؤه : قال يوسف ، إذ دعته المرأة إلى نفسها ، وقالت له : " هلمّ إليّ " : أعتصم بالله من الذي تدعوني إليه ، وأستجير به منه .
وقوله : { إنّهُ رَبّي أحْسَنَ مَثْوَايَ } ، يقول : إن صاحبك وزوجك سيدي . كما :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { مَعاذَ اللّهِ إنّهُ رَبّي } ، قال : سيدي .
قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح : { إنّهُ رَبّي } ، قال : سيدي .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { قالَ مَعاذَ اللّهَ إنّهُ رَبّي أحْسَنَ مَثْوَايَ } ، قال : سيدي ، يعني : زوج المرأة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { قالَ مَعاذَ اللّهِ إنّهُ رَبي } ، يعني : إطفير ، يقول : إنه سيدي .
وقوله : { أحْسَنَ مَثْوَايَ } ، يقول : أحسن منزلتي ، وأكرمني ، وائتمنني ، فلا أخونه . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : { أحْسَنَ مَثْوَايَ } : أمنني على بيته وأهله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { أحْسَنَ مَثْوَايَ } ، فلا أخونه في أهله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { أحْسَنَ مَثْوَايَ } ، قال : يريد يوسف : سيده زوج المرأة .
وقوله : { إنّهُ لا يُفْلِحُ الظّالُمِونَ } ، يقول : إنه لا يدرك البقاء ، ولا ينجح مَن ظلم ففعل ما ليس له فعله ، وهذا الذي تدعوني إليه من الفجور ظلم وخيانة لسيدي الذي ائتمنني على منزله . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { إنّهُ لا يُفْلِحُ الظّالُمِونَ } ، قال : هذا الذي تدعوني إليه ظلم ، ولا يفلح من عمل به .
{ وراودته التي هو في بيتها عن نفسه } طلبت منه وتمحلت أن يواقعها ، من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شيء ومنه الرائد . { وغلّقت الأبواب } قيل كانت سبعة والتشديد للتكثير أو للمبالغة في الإيثاق . { وقالت هيت لك } أي أقبل وبادر ، أو تهيأت والكلمة على الوجهين اسم فعل بني على الفتح كأين واللام للتبيين كالتي في سقيا لك . وقرأ ابن كثير بالضم وفتح الهاء تشبيها له بحيث ، ونافع وابن عامر بالفتح وكسر الهاء كعيط . وقرأ هشام كذلك إلا أنه يهمز . وقد روي عنه ضم التاء وهو لغة فيه . وقرئ { هيت } كجير و " هئت " كجئت من هاء يهيء إذا تهيأ وقرئ هيئت وعلى هذا فاللام من صلته . { قال معاذ الله } أعوذ بالله معاذا . { إنه } إن الشأن . { ربي أحسن مثواي } سيدي قطفير أحسن تعهدي إذ قال لك في { أكرمي مثواه } فما جزاؤه أن أخونه في أهله . وقيل الضمير لله تعالى أي إنه خالقي أحسن منزلتي بأن عطف على قلبه فلا أعصيه . { إنه لا يفلح الظالمون } المجازون الحسن بالسيء . وقيل الزناة فإن الزنا ظلم على الزاني والمزني بأهله .
«المراودة » الملاطفة في السوق إلى غرض ، وأكثر استعمال هذه اللفظة إنما هو في هذا المعنى الذي هو بين الرجال والنساء ؛ ويشبه أن يكون من راد يرود إذا تقدم لاختبار الأرض والمراعي ، فكان المراود يختبر أبداً بأقواله وتلطفه حال المراود من الإجابة أو الامتناع .
وفي مصحف وكذلك رويت عن الحسن{[6621]} : و { التي هو في بيتها } هي زليخا امرأة العزيز . وقوله { عن نفسه } كناية عن غرض المواقعة . وقوله : { وغلقت } تضعيف مبالغة لا تعدية ، وظاهر هذه النازلة أنها كانت قبل أن ينبأ عليه السلام .
وقرأ ابن كثير وأهل مكة : «هَيْتُ » بفتح الهاء وسكون الياء وضم التاء وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق وابن محيصن وأبو الأسود وعيسى بفتح الهاء وكسر التاء «هَيتِ » ، وقرأ ابن مسعود والحسن والبصريون «هَيْتَ » بفتح الهاء والتاء وسكون الياء ، ورويت عن ابن عباس وقتادة وأبي عمرو ، قال أبو حاتم : لا يعرف أهل البصرة غيرها وهم أقل الناس غلواً في القراءة ، قال الطبري : وقد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقرأ نافع وابن عامر «هِيْتَ » بكسر الهاء وسكون الياء وفتح التاء - وهي قراءة الأعرج وشيبة وأبي جعفر - وهذه الأربع بمعنى واحد ، واختلف باختلاف اللغات فيها{[6622]} ، ومعناه الدعاء أي تعال وأقبل على هذا الأمر ، قال الحسن : معناها هلمَّ ، ويحسن أن تتصل بها { لك } إذ حلت محل قولها : إقبالاً أو قرباً ، فجرت مجرى سقياً لك ورعياً لك ، ومن هذا قول الشاعر يخاطب علي بن أبي طالب : [ مجزوء الكامل ]
أبلغ أمير المؤمنين*** أخا العراق إذا أتينا
أن العراق وأهله*** عنق إليك فهيت هيتا{[6623]}
ومن ذلك على اللغة الأخرى قول طرفة : [ الخفيف ]
ليس قومي بالأبعدين إذا ما*** قال داع من العشيرة هيت{[6624]}
ومن ذلك أيضاً قول الشاعر : [ الرجز ]
قد رابني أن الكرى قد أسكتا*** ولو غدا يعني بنا لهيتا{[6625]}
أسكت : دخل في سكوت ، و «هيت » معناه : قال : هيت ، كما قالوا : أقف إذا قال : أف أف ، ومنه سبح وكبر ودعدع إذ قال : داع داع .
والتاء على هذه اللغات كلها مبنية فهي في حال الرفع كقبل وبعد ، وفي الكسر على الباب لالتقاء الساكنين ، وفي حال النصب ككيف ونحوها ؛ قال أبو عبيدة : و { هيت } لا تثنى ولا تجمع ، تقول العرب : { هيت لك } ، وهيت لكما ، وهيت لكم .
وقرأ هشام ابن عامر «هِئتُ » ، بكسر الهاء والهمز ، ضم التاء وهي قراءة علي بن أبي طالب ، وأبي وائل ، وأبي رجاء ويحيى ، ورويت عن أبي عمرو ، وهذا يحتمل أن يكون من هاء الرجل يهيء إذا أحسن هيئته - على مثال جاء يجيء{[6626]} - ويحتمل أن يكون بمعنى تهيأت ، كما يقال : فئت وتفيأت بمعنى واحد ، قال الله عز وجل :
{ يتفيؤا ظلاله }{[6627]} وقال : { حتى تفيء إلى أمر الله }{[6628]} .
وقرأ ابن أبي إسحاق - أيضاً - «هِيْت » بتسهيل الهمزة من هذه القراءة المتقدمة . وقرأ ابن عباس - أيضاً - «هيت لك »{[6629]} . وقرأ الحلواني عن هشام «هِئتِ » بكسر الهاء والهمز وفتح التاء قال أبو علي : ظاهر أن هذه القراءة وهم ، لأنه كان ينبغي أن تقول : هئتَ لي ، وسياق الآيات يخالف هذا{[6630]} . وحكى النحاس : أنه يقرأ «هِيْتِ » بكسر الهاء وسكون الياء وكسر التاء . و { معاذَ } نصب على المصدر ومعنى الكلام أعوذ بالله .
ثم قال : { إنه ربي } فيحتمل أن يعود الضمير في { إنه } على الله عز وجل ، ويحتمل أن يريد العزيز سيده ، أي فلا يصلح لي أن أخونه وقد أكرم مثواي وائتمنني ، قال مجاهد ، والسدي { ربي } معناه سيدي ، وقاله ابن إسحاق .
قال القاضي أبو محمد : وإذا حفظ الآدمي لإحسانه فهو عمل زاك ، وأحرى أن يحفظ ربه .
ويحتمل أن يكون الضمير للأمر والشأن ، ثم يبتدىء { ربي أحسن مثواي } .
والضمير في قوله : { إنه لا يفلح } مراد به الأمر والشأن فقط ، وحكى بعض المفسرين : أن يوسف عليه الصلاة والسلام - لما قال : معاذ الله ثم دافع الأمر باحتجاج وملاينة ، امتحنه الله تعالى بالهم بما هم به ، ولو قال لا حول ولا قوة إلا بالله ، ودافع بعنف وتغيير - لم يهم بشيء من المكروه .
وقرأ الجحدري «مثواي » وقرأها كذلك أبو طفيل وروي عن النبي عليه السلام : «فمن تبع هداي »{[6631]} .