{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }
يخبر تعالى عما يكون يوم القيامة ، وأن الأرض تتزلزل وترجف وترتج ، حتى يسقط ما عليها من بناء وعلم{[1465]} .
فتندك جبالها ، وتسوى تلالها ، وتكون قاعًا صفصفًا لا عوج فيه ولا أمت .
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا سعيد ، حدثنا عياش بن عباس ، عن عيسى بن هلال الصَّدفي ، عن عبد الله بن عمرو قال : أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أقرئني يا رسول الله . قال{[1]} له : " اقرأ ثلاثا من ذات الر " . فقال له الرجل : كبر سني واستد{[2]} قلبي ، وغَلُظ لساني . قال : " فاقرأ من ذات{[3]} حم " ، فقال مثل مقالته الأولى . فقال : " اقرأ ثلاثا من المسبحات " ، فقال مثل مقالته . فقال الرجل : ولكن أقرئني - يا رسول الله - سورة جامعة . فأقرأه : ( إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا ) حتى إذا فرغ منها قال الرجلُ : والذي بعثك بالحق ، لا أزيد عليها أبدًا . ثم أدبر الرجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفلح الرويجل ! أفلح الرويجل ! " ثم قال : " عَلَيّ به " . فجاءه فقال له : " أمرْتُ بيوم الأضحى جعله الله عيدا لهذه الأمة " . فقال له الرجل : أرأيت إن لم أجد إلا مَنيحَة أنثى فأضحي بها ؟ قال : " لا ، ولكنك تأخذ من شعرك ، وتقلم أظفارك ، وتقص شاربك ، وتحلق عانتك ، فذاك تمام أضحيتك عند الله ، عز وجل " .
وأخرجه أبو داود والنسائي ، من حديث أبي عبد الرحمن المقرئ{[4]} به{[5]} .
وقال الترمذي : حدثنا محمد بن موسى الحَرشي البصري : حدثنا الحسن بن سلْم{[6]} بن صالح العجلي ، حدثنا ثابت البُناني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ ( إِذَا زُلْزِلَتِ ) عدلَت له بنصف القرآن " . ثم قال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن سلم{[7]} {[8]} .
وقد رواه البزار عن محمد بن موسى الحرشي ، عن الحسن بن سلم{[9]} عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) تَعدلُ ثلث القرآن ، و ( ِذَا زُلْزِلَتِ ) تَعدلُ ربع القرآن " . هذا لفظه .
وقال الترمذي أيضا : حدثنا علي بن حُجْر ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا يمان بن المغيرة العنزي ، حدثنا عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( إِذَا زُلْزِلَتِ ) تَعْدلُ نصف القرآن ، و ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) تعدل ثلث القرآن ، و ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) تعدل ربع القرآن " . ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة{[10]} .
وقال أيضا : حدثنا عقبة بن مُكَرَّم العَمّي البصري ، حدثني ابن أبي فُدَيْك ، أخبرني سلمة بن وردان ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه : " هل تزوجت يا فلان ؟ " قال : لا ، والله يا رسول الله ، ولا عندي ما أتزوج ؟ ! قال : " أليس معك ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) " ؟ " . قال : بلى . قال : " ثلث القرآن " . قال : " أليس معك ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) ؟ " . قال : بلى . قال : " ربع القرآن " . قال : " أليس معك ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ؟ " . قال : بلى . قال : " ربع القرآن " . قال : " أليس معك ( إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ ) ؟ " . قال : بلى . قال : " ربع القرآن " تزوج ، [ تزوج ]{[11]} . ثم قال : هذا حديث حسن{[12]} .
قال ابن عباس : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا } أي : تحركت من أسفلها .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنّ رَبّكَ أَوْحَىَ لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتَاتاً لّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ } .
يقول تعالى ذكره : إذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ لقيام الساعة زِلْزَالَهَا فرُجّت رجّا ، والزّلزال : مصدر إذا كسرت الزاي ، وإذا فتحت كان اسما ، وأضيف الزلزال إلى الأرض وهو صفتها ، كما يقال : لأكرمنك كرامتك ، بمعنى : لأكرمنك كرامة . وحَسُن ذلك في زلزالها ، لموافقتها رؤوس الاَيات التي بعدها .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : زُلْزِلَتِ الأرْضُ على عهد عبد الله ، فقال لها عبدُ الله : مالك ؟ أما إنها لو تكلّمت قامت الساعة .
وهي مكية ، قاله ابن عباس وغيره ، وقال قتادة ومقاتل : هي مدنية ؛ لأن آخرها نزل بسبب رجلين كانا بالمدينة{[1]} .
العامل في : { إذا } على قول جمهور النحاة - وهو الذي يقتضيه القياس - فعل مضمر يقتضيه المعنى ، وتقديره : تحشرون أو تجازون ، ونحو هذا ، ويمتنع أن يعمل فيه { زلزلت } لأن { إذا } مضافة إلى { زلزلت } ، ومعنى الشرط فيها ضعيف ، وقال بعض النحويين : يجوز أن يعمل فيها { زلزلت } ، لأن معنى الشرط لا يفارقها{[11934]} ، وقد تقدمت نظائرها في غير سورة ، و { زلزلت } معناه : حركت بعنف ، ومنه الزلزال ، وقوله تعالى : { زلزالها } أبلغ من قوله : زلزال ، دون إضافة إليها ، وذلك أن المصدر غير مضاف يقع على كل قدر من الزلزال وإن قل ، وإذا أضيفت إليها وجب أن يكون على قدر ما يستحقه ويستوجبه جرمها وعظمها ، وهكذا كما تقول : أكرمت زيداً كرامة ، فذلك يقع على كل كرامة وإن قلت بحسب زيد ، فإذا قلت : كرامته أوجبت أنك قد وفيت حقه ، وقرأ الجمهور : «زِلزالها » بكسر الزاي الأولى ، وقرأ بفتحها عاصم الجحدري ، وهو أيضاً مصدر كالوسواس وغيره .