المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

28- وترى يوم تقوم الساعة - أيها المخاطب - أهل كل دين جالسين على الركب من هول الموقف متحفزين لإجابة النداء ، كل أمة تُدعى إلى سجل أعمالها ، ويُقال لهم : اليوم تستوفون جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

ثم وصف تعالى شدة يوم القيامة وهوله ليحذره العباد ويستعد له العباد فقال : { وَتَرَى } أيها الرائي لذلك اليوم { كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } على ركبها خوفا وذعرا وانتظارا لحكم الملك الرحمن .

{ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا } أي : إلى شريعة نبيهم الذي جاءهم من عند الله ، وهل قاموا بها فيحصل لهم الثواب والنجاة ؟ أم ضيعوها فيحصل لهم الخسران ؟ فأمة موسى يدعون إلى شريعة موسى وأمة عيسى كذلك وأمة محمد كذلك ، وهكذا غيرهم كل أمة تدعى إلى شرعها الذي كلفت به ، هذا أحد الاحتمالات في الآية وهو معنى صحيح في نفسه غير مشكوك فيه ، ويحتمل أن المراد بقوله : { كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا } أي : إلى كتاب أعمالها وما سطر عليها من خير وشر وأن كل أحد يجازى بما عمله بنفسه كقوله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

ثم قال : { وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } أي : على ركبها من الشدة والعظمة ، ويقال : إن هذا [ يكون ]{[26351]} إذا جيء بجهنم فإنها تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا جثا لركبتيه ، حتى إبراهيم الخليل ، ويقول : نفسي ، نفسي ، نفسي لا أسألك اليوم إلا نفسي ، وحتى أن عيسى ليقول : لا أسألك اليوم إلا نفسي ، لا أسألك [ اليوم ] {[26352]} مريم التي ولدتني .

قال مجاهد ، وكعب الأحبار ، والحسن البصري : { كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } أي : على الركب . وقال عِكْرِمة : { جاثية } متميزة على ناحيتها ، {[26353]} وليس على الركب . والأول أولى .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن عبد الله بن باباه{[26354]} ، أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] {[26355]} قال : " كأني أراكم جاثين بالكوم دون جهنم " {[26356]} .

وقال إسماعيل بن رافع المديني{[26357]} ، عن محمد بن كعب ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، مرفوعا في حديث الصورة{[26358]} : فيتميز الناس وتجثو الأمم ، وهي التي يقول الله : { وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا } {[26359]} .

وهذا فيه جمع بين القولين : ولا منافاة ، والله أعلم .

وقوله : { كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا } يعني : كتاب أعمالها ، كقوله : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ } [ الزمر : 69 ] ؛ ولهذا قال : { الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : تجازون بأعمالكم خيرها وشرها ، كقوله تعالى : { يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ . بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } [ القيامة : 13 - 15 ] .


[26351]:- (1) زيادة من أ.
[26352]:- (2) زيادة من أ.
[26353]:- (3) في أ: "ناصيتها".
[26354]:- (4) في ت: "وقال ابن أبي حاتم بإسناده".
[26355]:- (5) زيادة من ت.
[26356]:- (6) ورواه أبو نعيم في زوائد زهد ابن المبارك برقم (360) وأبو نعيم في الحلية (7/299) من طريق سفيان بن عيينة به.
[26357]:- (7) في أ: "المدني".
[26358]:- (8) في ت، م، أ: "الصور".
[26359]:- (9) انظر تفسير حديث الصور عند الآية: 73 من سورة الأنعام.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَتَرَىَ كُلّ أُمّةٍ جَاثِيَةً كُلّ أمّةٍ تُدْعَىَ إِلَىَ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وترى يا محمد يوم تقوم الساعة أهل كل ملة ودين جاثية : يقول : مجتمعة مستوفزة على ركبها من هول ذلك اليوم . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وَتَرَى كُلّ أُمّةٍ جاثِيَةً قال على الركب مستوفِزِين .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال قال ابن زيد ، في قوله : وَتَرَى كُلّ أُمّةٍ جاثِيَةً قال : هذا يوم القيامة جاثية على ركبهم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَتَرَى كُلّ أمّةٍ جاثِيَةً يقول : على الركب عند الحساب .

وقوله : كُلّ أُمّةٍ تُدْعَى إلى كِتابِها يقول : كل أهل ملة ودين تُدعى إلى كتابها الذي أملت على حفظتها . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : كُلُ أُمّةٍ تُدْعَى إلى كِتابِها ، يعلمون أنه ستدعى أُمة قبل أُمة ، وقوم قبل قوم ، ورجل قبل رجل . ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «يُمَثّلُ لِكُلّ أُمّةٍ يَوْمَ القِيامَةِ ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ حَجَرٍ ، أوْ وَثَنٍ أوْ خَشَبَةٍ ، أوْ دَابّةٍ ، ثُمّ يُقالُ : مَنْ كانَ يَعْبُدُ شَيْئا فَلْيَتْبَعْهُ ، فَتَكُونُ ، أوْ تُجْعَلُ تِلْكَ الأوْثانُ قادَةً إلى النّارِ حتى تَقْذِفَهُمْ فِيها ، فَتَبْقَى أُمّةُ مُحَمّدٍ صَلى اللّهُ عَليهِ وَسلّمَ وأهْلُ الكِتاب ، فَيَقُولُ للْيَهُودِ : ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : كُنّا نَعْبُدُ اللّهَ وَعُزَيْرا إلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ ، فَيُقالُ لَهَا : أمّا عُزَيْرٌ فَلَيْسَ مِنْكُمْ وَلَسْتُمْ مِنْهُ ، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشّمالِ ، فَيَنْطَلِقُونَ وَلا يسْتَطِيعُونَ مُكُوثا ، ثُمّ يُدْعَى بالنّصَارَى ، فَيُقالُ لَهُمْ : ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : كُنّا نَعْبُدُ اللّهَ وَالمَسِيحَ إلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَيُقالُ : أمّا عِيسَى فلَيسَ مِنْكُمْ وَلَسْتُمْ مِنْهُ ، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشمّالِ ، فَيَنْطَلِقُونَ وَلا يسْتَطِيعُونَ مُكُوثا ، وَتَبْقَى أُمّةُ مُحَمّدٍ صَلى اللّهُ عليهِ وسلّمَ ، فَيُقالُ لَهُمْ : ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : كُنّا نَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ ، وإنّمَا فارَقْنا هَؤُلاءِ فِي الدّنيْا مَخافَةَ يَوْمِنا هَذَا ، فَيُؤْذَنُ للْمُؤْمِنِينَ فِي السّجُودِ ، فَيَسْجُدُ المُؤْمِنُونَ ، وَبينَ كُلّ مُؤْمِنٍ مُنافِقٌ ، فَيْقْسُو ظَهْرُ المُنافِقِ عَنِ السّجُودِ ، وَيجْعَلُ اللّهُ سُجُودَ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ تَوْبِيخا وَصَغارا وَحَسْرَةً وَنَدَامَةً » .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الزهريّ ، عن عطاء بن يزيدالليثي ، عن أبي هريرة ، قال : «قَالَ الناسُ : يا رسُولَ اللّهِ هَلْ نَرَى ربّنَا يومَ القيامَةِ ؟ قال : «هَلْ تُضَامّونَ فِي الشّمْسِ لَيْسَ دُونَها سَحَابٌ ، قالُوا : لاَ يَا رسُولَ اللّهِ ، قال : «هَلْ تُضَارّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ ؟ » قالوا : لا يا رسُول الله ، قَالَ : فإنّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كَذَلكَ . يَجْمَعُ اللّهُ النّاسَ فَيَقُولُ : مَنْ كانَ يَعْبُدُ شَيْئا فَلْيَتْبَعْهُ ، فَيَتْبَعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ القَمَرَ القَمَرَ ، وَمَنْ كانَ يَعْبُدُ الشّمْسَ الشّمْسَ ، وَيَتْبَع مَنْ كانَ يَعْبُدُ الطّوَاغِيتَ الطّوَاغِيتَ ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمّةُ فِيها مُنافِقُوها ، فيَأتِيهِمْ رَبّهُمْ فِي صورَةٍ ، وَيُضْرَبُ جِسْرٌ على جَهَنّمَ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «فَأكُونُ أوّلَ مَنْ يُجِيزَ ، وَدَعْوَةُ الرّسُلِ يَوْمَئِذٍ : اللّهُمّ سَلّمْ ، اللّهُمّ سَلّمْ وَبها كَلالِيبُ كَشَوْكِ السّعْدانِ هَلْ رَأيْتُمْ شَوْكَ السّعْدانِ ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال : فإنّها مِثْلُ شَوْكِ السّعْدانِ غَيرَ أنّهُ لا يَعْلَمُ أحَدٌ قَدْرَ عِظَمِها إلاّ اللّهُ ويُخْطَفُ النّاسُ بأعمالِهِمْ ، فَمِنْهُمْ المُوبَقُ بعَمَلِهِ ، وَمِنْهُمُ المُخَرْدَلُ ثُمّ يَنْجُو ، ثُمّ ذَكَرَ الحدِيثَ بِطُولِه » .

وقوله : اليَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . يقول تعالى ذكره : كلّ أُمة تُدعى إلى كتابها ، يقال لها : اليوم تجزون : أي تثابون وتعطون أجور ما كنتم في الدنيا من جزاء الأعمال تعملون بالإحسان الإحسانَ ، وبالإساءة جزاءها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

{ وترى كل أمة جاثية } مجتمعة من الجثوة وهي الجماعة ، أو باركة مستوفزة على الركب . وقرئ " جاذية " أي جالسة على أطراف الأصابع لاستيفازهم . { كل أمة تدعى إلى كتابها } صحيفة أعمالها . وقرأ يعقوب { كل } على أنه بدل من الأول وتدعى صفة أو مفعول ثان . { اليوم تجزون ما كنتم تعملون } محمول على القول .