فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

{ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ } الخطاب لكل من يصلح له أو للنبي صلى الله عليه وسلم ، والأمة الملة ، والرؤية بصرية أو علمية ، وفيه بعد ومعنى قوله : { جَاثِيَةً } مستوفزة والمستوفز الذي لا يصيب الأرض منه إلا ركبتاه ، وأطراف أنامله قال الضحاك : وذلك عند الحساب ، وقيل معنى جاثية مجتمعة ، قال ابن عباس ، وقال الفراء : المعنى وترى أهل كل دين مجتمعين ، وقال عكرمة متميزة عن غيرها ، وقال مؤرج : معناه بلغة قريش خاضعة ، وقال الحسن باركة على الركب والجثو الجلوس على الركب تقول : جثا يجثو ويجثي جثوا وجثيا إذا جلس على ركبتيه ، والأول أولى ، ولا ينافيه ورود هذا اللفظ لمعنى آخر في لسان العرب ، وقد ورد إطلاق الجثوة على الجماعة من كل شيء في لغة العرب .

وعن عبد الله بن بأبأه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كأني أراكم بالكوم دون جهنم جاثين ) ، ثم قرأ سفيان هذه الآية ، أخرجه البيهقي في البعث ، وعبد الله ابن أحمد في زوائد الزهد ، وابن أبي حاتم وسعيد بن منصور .

وعن ابن عمر في الآية قال : ( كل أمة مع نبيها حتى يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم على كوم قد علا الخلائق ، فذلك المقام المحمود ) ، وظاهر الآية أن هذه الصفة تكون لكل أمة من الأمم من غير فرق بين أهل الأديان المتبعين للرسل وغيرهم من أهل الشرك ، وقال يحيى بن سلام : هو خاص بالكفار ، والأول أولى ويؤيده قوله :

{ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا } وقوله فيما سيأتي ، فأما الذين آمنوا الخ ، ومعنى إلى كتابها إلى الكتاب المنزل عليها ؛ وقيل إلى صحيفة أعمالها وقيل : إلى حسابها ، وقيل اللوح المحفوظ ؛ والأول أولى . قرأ الجمهور كل أمة بالرفع على الابتداء ، وخبره تدعى ، وقرئ بالنصب على البدل من كل أمة .

{ الْيَوْمَ } أي يقال لهم اليوم { تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من خير وشر .