السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

{ وترى } أي : في ذلك اليوم { كل أمة } أي : أهل دين { جاثية } أي : مجتمعة لا يخالطها غيرها ، وهي مع ذلك باركة على الركب رعباً واستيفازاً لما لعلها تؤمر به جلسة المخاصم بين يدي الحاكم تنتظر القضاء الحاتم والأمر الجازم اللازم لشدة ما يظهر لها من هول ذلك اليوم { كل أمة } من الجاثين { تدعى إلى كتابها } أي : الذي أنزل عليها وتعبدها الله تعالى به والذي نسخته الحفظة عليهم السلام من أعمالها ليطبق أحدهما بالآخر ، فمن وافق كتابه ما أمر به من كتاب ربه نجا ، ومن خالفه هلك ، ويقال لهم حالة الدعاء { اليوم تجزون } أي : على وفق الحكمة بأيسر أمر { ما } أي : عين الذي { كنتم } بما هو لكم كالجبلات { تعملون } أي : مصرين عليه غير راجعين عنه من خير أو شر ، فإن قيل : الجثو على الركب إنما يليق بالخائف ، والمؤمنون لا خوف عليهم يوم القيامة ؟ أجيب : بأن الجاثي الآمن يشارك المبطل في مثل هذه الحالة إلى أن يظهر كونه محقاً .