{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا }
يخبر تعالى عن مآل المنافقين أنهم في أسفل الدركات من العذاب ، وأشر الحالات من العقاب . فهم تحت سائر الكفار لأنهم شاركوهم بالكفر بالله ومعاداة رسله ، وزادوا عليهم المكر والخديعة والتمكن من كثير من أنواع العداوة للمؤمنين ، على وجه لا يشعر به ولا يحس . ورتبوا على ذلك جريان أحكام الإسلام عليهم ، واستحقاق ما لا يستحقونه ، فبذلك ونحوه استحقوا أشد العذاب ، وليس لهم منقذ من عذابه ولا ناصر يدفع عنهم بعض عقابه ، وهذا عام لكل منافق إلا مَنْ مَنَّ الله عليهم بالتوبة من السيئات . { وَأَصْلَحُوا } له الظواهر والبواطن { وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ } والتجأوا إليه في جلب منافعهم ودفع المضار عنهم . { وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ } الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان { لِلَّهِ }
فقصدوا وجه الله بأعمالهم الظاهرة والباطنة وسلِمُوا من الرياء والنفاق ، فمن اتصف بهذه الصفات { فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } أي : في الدنيا ، والبرزخ ، ويوم القيامة { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } لا يعلم كنهه إلا الله ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . وتأمل كيف خص الاعتصام والإخلاص بالذكر ، مع دخولهما في قوله : { وَأَصْلَحُوا } لأن الاعتصام والإخلاص من جملة الإصلاح ، لشدة الحاجة إليهما خصوصا في هذا المقام الحرج الذي يمكن من القلوب النفاق ، فلا يزيله إلا شدة الاعتصام بالله ، ودوام اللجأ والافتقار إليه في دفعه ، وكون الإخلاص منافيا كل المنافاة للنفاق ، فذكرهما لفضلهما وتوقفِ الأعمال الظاهرة والباطنة عليهما ، ولشدة الحاجة في هذا المقام إليهما .
وتأمل كيف لما ذكر أن هؤلاء مع المؤمنين لم يقل : وسوف يؤتيهم أجرا عظيما ، مع أن السياق فيهم . بل قال : { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } لأن هذه القاعدة الشريفة -لم يزل الله يبدئ فيها ويعيد ، إذا كان السياق في بعض الجزئيات ، وأراد أن يرتب{[249]} عليه ثوابًا أو عقابا وكان ذلك مشتركًا بينه وبين الجنس الداخل فيه ، رتب الثواب في مقابلة الحكم العام الذي تندرج تحته تلك القضية وغيرها ، ولئلا يتوهم اختصاص الحكم بالأمر الجزئي ، فهذا من أسرار القرآن البديعة ، فالتائب من المنافقين مع المؤمنين وله ثوابهم .
ثم أخبر تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ } أي : يوم القيامة ، جزاء على كفرهم الغليظ . قال الوالبي عن ابن عباس : { فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ } أي : في أسفل النار . وقال غيره : النار دركات ، كما أن الجنة درجات . " وقال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن ذَكْوان أبي صالح ، عن أبي هريرة : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ } قال : في توابيت ترتج عليهم . كذا رواه ابن جرير ، عن ابن وَكِيع ، عن يحيى بن يمان ، عن سفيان ، به . ورواه ابن أبي حاتم ، عن المنذر بن شاذان ، عن عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ } قال : الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم ، فتوقد من تحتهم ومن فوقهم .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كُهَيْل ، عن خَيْثَمَة ، عن عبد الله - يعني ابن مسعود : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ } قال : في توابيت من نار تطبق عليهم . ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد الأشج ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن سلمة ، عن خيثمة ، عن ابن مسعود : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ } قال : في توابيت من حديد مبهمة عليهم ، ومعنى قوله : ( مبهمة ) أي : مغلقة مقفلة لا يهتدى لمكان فتحها .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا علي بن يزيد{[8517]} عن القاسم بن عبد الرحمن : أن ابن مسعود سئل عن المنافقين ، فقال : يجعلون في توابيت من نار ، فتطبق عليهم في أسفل درك من النار .
{ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } أي : ينقذهم مما هم فيه ، ويخرجهم من أليم العذاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.