الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا} (145)

قوله تعالى : " في الدرك " . قرأ الكوفيون " الدرك " بإسكان الراء ، والأولى أفصح ؛ لأنه يقال في الجمع : أدراك مثل جمل وأجمال ، قاله النحاس . وقال أبو علي : هما لغتان كالشمع والشمع ونحوه ، والجمع أدراك . وقيل : جمع الدرك أدرك ، كفلس وأفلس . والنار دركات سبعة ، أي طبقات ومنازل ، إلا أن استعمال العرب لكل ما تسافل أدراك . يقال : للبئر أدراك ، ولما تعالى درج ، فللجنة درج ، وللنار أدراك . وقد تقدم هذا{[5069]} . فالمنافق في الدرك الأسفل وهي الهاوية ؛ لغلظ كفره وكثرة غوائله وتمكنه من أذى المؤمنين . وأعلى الدركات جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية ، وقد يسمى جميعها باسم الطبقة الأولى ، أعاذنا الله من عذابها بمنه وكرمه . وعن ابن مسعود في تأويل قوله تعالى : " في الدرك الأسفل من النار " قال : توابيت من حديد مقفلة في النار تقفل عليهم . وقال ابن عمر : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة{[5070]} : المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون ، تصديق ذلك في كتاب الله تعالى ، قال الله تعالى : " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار " . وقال تعالى أصحاب المائدة : " فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين{[5071]} " [ المائدة : 115 ] . وقال في آل فرعون : " أدخلوا آل فرعون أشد العذاب{[5072]} " [ غافر : 46 ] .


[5069]:راجع ص 344 من هذا الجزء.
[5070]:من ج و ز وي.
[5071]:راجع ج 6 ص 398.
[5072]:راجع ج 15 ص 318.