التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا} (145)

وقوله : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) الدرك بسكون الراء ، وقيل بفتحها وجمعها أدراك ودركات ، وهي الطبقات أو المنازل ، واستعمال العرب للدرك فيما نزل أو تسافل هابطا ، وعكس ذلك الدرج وهو مستعمل فيما تعالى صعدا . وفي استنباط أهل العلم أن النار سبعة دركات أهونها وأعلاها جهنم وأحطها وأشدها الهاوية . والدركات السبعة هي : جهنم ، لظى ، الحطمة ، السعير ، سقر ، الجحيم ، الهاوية .

والمنافقون أسوأ حالا ومآلا من الكفار ، وذلك بالنظر لشدة إفسادهم ولما يؤول إليه خبثهم وسلوكهم المشين من مخاطر تأتي على الإسلام فتهزه من الأعماق هزا ، وتأتي على المسلمين فتذيقهم ألوانا من المكائد والدسائس فيما يعود عليهم بالهزيمة والتدمير إلا أن يحوط الله المؤمنين برعايته وعنايته ، والمنافقون صنف من الخليقة الحقيرة التي تتزين بالمظهر الخادع الحسن ، وتتكلف من حيث الأسلوب والعبارة ما ينطلي على كثير من المخاليق ؛ وذلك لفرط البهاء المصطنع الذي يجلل وجوه هؤلاء المنافقين وهم يخادعون الناس في مكر وخسة من خلال مظهر كاذب مصطنع يخفي وراءه نوايا الحقد والإجرام .

وكم يهون الأمر لو كان العدو مستبينا مكشوفا . فإننا إذ ذاك نمسك بالحذر والحيطة لنكون متنبهين يقظين حتى إذا بادرنا هذا العدو المكشوف بالعدوان دفعناه في صولة جادة محسوبة بعد أن نكون قد أخذنا الحساب لذلك كله . لكن العدو الذي يتظاهر بالإسلام ويصطنع مع المسلمين أعمال العبادة وهو يخفي في نفسه الحقد والكراهية ويتمنى في دخيلته أن تدور على الإسلام والمسلمين الدوائر ، فذلكم يحذر منه القرآن بين حين وآخر أشد تحذير .

هذا الصنف الوضيع من الناس قد أعد الله لهم العذاب بما قارفوه من خديعة وتآمر . لقد أعد لهم أن يكونوا في الطبقات السفلى من النار وهي الدركات . وقد روي عن عبد الله بن مسعود في معنى الدركات أنها توابيت من حديد مقفلة وهي في أسفل النار . وكل ذلك يدل على فظاعة النفاق وأنه طريق إلى النار ، بل إلى أسوء الدركات في النار .

وقوله : ( ولن تجد لهم نصيرا ) إذا هوى المنافقون في الدركات من النار وتقاحموا هناك كما تتقاحم القردة والثيران وعانوا في العذاب أشد المعاناة ، فإنه ليس هنالك من ينقذهم أو يستجيب لعويلهم . ولن يكون لهم إذ ذاك نصير ولا مجير .