وقوله تعالى : ) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } الدرك بالجزم والفتح لغتان ، وهما واحد . يقال : للجنة درجات وغرفات ، وللنار دركات ، بعضها أسفل من بعض . وقيل : كلما كانت{[6726]} أسفل كان العذاب فيها أشد .
ألا ترى أنه أخبر عنهم بقوله : { وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين } ( فصلت : 29 ) فلو لم يكن أسفل منهم في الدركات أشد عذابا لم يكن لقولهم{ نجعلهما تحت أقدامنا } معنى . فدل أن كل ما كان أسفل من الدركات كان في العذاب الأشد ، والله أعلم .
وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم " ذكر عبد المطلب وهشام بن المغيرة ؛ قال : هما من أدنى أهل النار عذابا ، وهما في ضحضاح من النار خالدين فيها . وأدنى أهل النار عذابا في رجليه نعلان يغلي منه دماغه " ( البخاري : 3883و3885 ) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه ( أنه ){[6727]} قال : الأدراك{[6728]} توابيت من حديد ، تصمت عليهم في أسفل النار . وقيل : إن اللعذاب في النار واحد في الظاهر ، وهو مختلف في الحقيقة ، وأيد ذلك قوله تعالى عز وجل : { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } ( العنكبوت : 13 ) لكن بعضهم لا يشعر بعذاب غيرهم كقوله تعالى : { قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف } ( الأعراف : 38 ) سألوا ربهم أن يجعل لهم ضعفا من العذاب جزاء ما أضلوا ، فأخبر أن لكل ضعفا من الآثام{[6729]} .
ثم تخصيص المنافقين { في الدرك الأسفل } من النار دون سائر الكفرة ( يحتمل وجوها ){[6730]} ثلاثة :
أحدها : أنهم كانوا يسعون في إفساد صفعة المسلمين ، ويشككونهم في دينهم ، ويتكلفون في إخراجهم من الإيمان . وكان ذلك دأبهم وعادتهم ، فاستوجبوا بذلك العذاب جزاء في إفسادهم ، والله أعلم .
والثاني{[6731]} : أن يكون ذلك لهم لأنهم كانوا عيونا للكفرة وطلائع لهم ، يخبرون بذلك عن أخبارهم وسرائرهم ، ويطلعون على عوراتهم . فذلك سعي في أمر دينهم ودنياهم بالفساد كقوله تعالى : { ألم نستحوذ عليكم } ( النساء : 141 ) .
والثالث {[6732]} : أنهم لم يكونوا في الأحوال كلها أهل دين ، يقيمون عليه في حالي{[6733]} الرخاء والضيق ، ولكن كانوا مع السعة والرخاء حيث كان ، ولا كذلك سائر الكفرة ، بل كانوا في حال الرخاء والشدة على دين واحد يعبدون في الأصنام . أولئك مع المؤمنين في حال إذا كانت السعة معهم ، ومع الكافرين في حال إذا كانت السعة معهم ، لا يقرون على شيء واحد مترددين بين ذلك كما قال الله عز وجل : { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } الآية ( النساء : 143 ) والكفرة عبدوا من عبدوا على رجاء التقريب إلى الله عز وجل لهم بذلك ليكونوا لهم شفعاء عند الله{[6734]} .
وأهل النفاق لم يكونوا يعبدون غير بطونهم ومن معه شهواتهم . فلذلك ازداد عذابهم على عذاب غيرهم ولما جمعوا إلى الكفر بالله المخادعة والتعزير وأغراء الأعداء واستعلاءهم{[6735]} ، ولما قد أشركوا الفرق كلهم في اللذات وفي طلب الشهوات ، فعاد إليهم ما استحق كل منهم من العقوبة ، وبما بذلك شاركوا في كل المعاصي أو سبيلها إعطاء الأنفس الشهوات مع ما منهم تعزيز ضعفة المؤمنين والتلبيس عليهم ، ولا قوة إلا بالله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.