{ 21-28 } { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ }
وهذا من تمام نعيم أهل الجنة ، أن ألحق الله [ بهم ] ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان أي : الذين لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم ، فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان ، ومن باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم ، فهؤلاء المذكورون ، يلحقهم الله بمنازل آبائهم في الجنة وإن لم يبلغوها ، جزاء لآبائهم ، وزيادة في ثوابهم ، ومع ذلك ، لا ينقص الله الآباء من أعمالهم شيئا ، ولما كان ربما توهم متوهم أن أهل النار كذلك ، يلحق الله بهم أبناءهم وذريتهم ، أخبر أنه ليس حكم الدارين حكما واحدا ، فإن النار دار العدل ، ومن عدله تعالى أن لا يعذب أحدا إلا بذنب ، ولهذا قال : { كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } أي : مرتهن بعمله ، فلا تزر وازرة وزر أخرى ، ولا يحمل على أحد ذنب أحد . هذا اعتراض من فوائده إزالة الوهم المذكور .
ويمضي التكريم خطوة فإذا ذريتهم المؤمنة تجتمع إليهم في هذا النعيم ، زيادة في الرعاية والعناية . ولو كانت أعمال الذرية أقل من مستوى مقام المتقين ، ما دامت هذه الذرية مؤمنة . وذلك دون أن ينقص شيء من أعمال الآباء ودرجاتهم . ودون إخلال بفردية التبعة وحساب كل بعمله الذي كسبه ، إنما هو فضل الله على الجميع :
( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم . وما ألتناهم من عملهم من شيء . كل امرئ بما كسب رهين ) . .
{ والذين ءَامَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بإيمان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء } .
اعتراض بين ذِكر كرامات المؤمنين ، والواو اعتراضية .
والتعبير بالموصول إظهار في مقام الإِضمار لتكون الصلة إيماء إلى أن وجه بناء الخبر الوارد بعدها ، أي أن سبب إلحاق ذرياتهم بهم في نعيم الجنة هو إيمانهم وكونُ الذريات آمنوا بسبب إيمان آبائهم لأن الآباء المؤمنين يلقِّنون أبناءهم الإِيمان .
والمعنى : والمؤمنون الذين لهم ذرياتٌ مؤمنون ألحقنا بهم ذرياتهم .
وقد قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } [ التحريم : 6 ] ، وهل يستطيع أحد أن يقي النار غيره إلا بالإِرشاد . ولعل ما في الآية من إلحاق ذرياتهم من شفاعة المؤمن الصالح لأهله وذريته .
والتنكير في قوله : { بإيمان } يحتمل أن يكون للتعظيم ، أي بإيمان عظيم ، وعظمتُه بكثرة الأعمال الصالحة ، فيكون ذلك شرطاً في إلحاقهم بآبائهم وتكون النعمة في جعلهم في مكان واحد .
ويحتمل أن يكون للنوعية ، أي بما يصدق عليه حقيقة الإِيمان .
وقرأ الجمهور { واتبعتهم } بهمزة وصل وبتشديد التاء الأولى وبتاء بعد العين هي تاء تأنيث ضمير الفعل . وقرأه أبو عمرو وحده { وأتبعناهم } بهمزة قطع وسكون التاء .
وقوله : { ذريتهم } الأول قرأه الجمهور بصيغة الإِفراد . وقرأه أبو عمرو { ذرياتهم } بصيغة جمع ذرية فهو مفعول { أتبعناهم } . وقرأه ابن عامر ويعقوب بصيغة الجمع أيضاً لكن مرفوعاً على أنه فاعل { أتبعتهم } ، فيكون الإِنعام على آبائهم بإلحاق ذرياتهم بهم وإن لم يعملوا مثل عملهم .
وقد روى جماعة منهم الطبري والبزار وابن عديّ وأبو نعيم وابن مردويه حديثاً مسنداً إلى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه ( أي في العمل كما صرح به في رواية القرطبي ) لتقرّ بهم عينُه ثم قرأ : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان } إلى قوله : { من شيء } " . وعلى الاحتمالين هو نعمة جمع الله بها للمؤمنين أنواع المسرّة بسعادتهم بمزاوجة الحور وبمؤانسة الإِخوان المؤمنين وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم ، وذلك أن في طبع الإنسان التأنس بأولاده وحبه اتصالهم به .
وقد وصف ذلك محمد بن عبد الرفيع الجعفري المُرسي الأندلسي نزيل تونس سنة 1013 ثلاث عشرة وألف في كتاب له سمّاه « الأنوار النبوية في آباء خير البرية »{[394]} قال في خاتمة الكتاب « قد أطلعني الله تعالى على دين الإِسلام بواسطة والدي وأنا ابن ستة أعوام مع أني كنت إذاك أروح إلى مكتب النصارى لأقرأ دينهم ثم أرجعُ إلى بيتي فيعلمني والدِي دينَ الإِسلام فكنت أتعلم فيهما ( كذا ) معاً وسني حين حُملت إلى مكتَبهم أربعة أعوام فأخذ والدي لوحاً من عود الجوز كأني انظر الآن إليه مملّساً من غير طَفَل ( اسم لطين يابس وهو طين لزج وليست بعربية وعربيتُه طُفَال كغراب ) ، فكتب لي فيه حروف الهجاء وهو يسألني عن حروف النصارى حرفاً حرفاً تدريباً وتقريباً فإذا سميتُ له حرفاً أعجمياً يكتب لي حرفاً عربياً حتى استوفى جميع حروف الهجاء وأوصاني أن أكتم ذلك حتى عن والدتي وعَمِّي وأخي مع أنه رحمه الله قد ألقى نفسه للهلاك لإِمكان أن أخبر بذلك عنه فيُحْرَق لا محالة وقد كان يُلقِّنني ما أقوله عند رؤيتي الأصنام ، فلما تحقق والدي أني أكتم أمور دين الإِسلام أمرني أن أتكلم بإفشائه لوالدتي وبعض الأصدقاء من أصحابه وسافرت الأسفار من جِيَّان لأجتمع بالمسلمين الأخيار إلى غرناطة وإشبيلية وطليطلة وغيرها من مدن الجزيرة الخضراء ، فتخلص لي من معرفتهم أني ميزت منهم سبعة رجال كانوا يحدثونني بأحوال غرناطة وما كان بها في الإِسلام وقد مروا كلهم على شيخ من مشائخ غرناطة يقال له الفقيه الأوطوري . . . » الخ .
وإيثار فعل { ألحقنا } دون أن يقال : أدخلنا معهم ، أو جعلنا معهم لعله لما في معنى الإِلحاق من الصلاحية للفَور والتأخير ، فقد يكون ذلك الإِلحاق بعد إجراء عقاب على بعض الذرية استحقوه بسيئاتهم على ما في الأعمال من تفاوت في استحقاق العقاب والله أعلم بمراده من عباده . وفعل الإِلحاق يقتضي أن الذريات صاروا في درجات آبائهم . وفي المخالفة بين الصيغتين تفنن لدفع إعادة اللفظ .
و { ألتناهم } نقصناهم ، يقال : آلته حقه ، إذا نقصه إياه ، وهو من باب ضرب ومن باب علم .
فقرأه الجمهور بفتح لام { ألتناهم } . وقرأه ابن كثير بكسر لام { ألِتناهم } ، وتقدم عند قوله تعالى : { لا يلتكم من أعمالكم شيئاً } في سورة الحجرات ( 14 ) . والواو للحال وضمير الغيبة عائد إلى { الذين آمنوا } .
والمعنى : أن الله ألحق بهم ذرياتهم في الدرجة في الجنة فضلاً منه على الذين آمنوا دون عوض احتراساً من أن يحسبوا أن إلحاق ذرياتهم بهم بعد عطاء نصيب من حسناتهم لذرياتهم ليدخلوا به الجنة على ما هو متعارف عندهم في فك الأسير ، وحَمالة الديات ، وخلاص الغارمين ، وعلى ما هو معروف في الانتصاف من المظلوم للظالم بالأخذ من حسناته وإعطائها للمظلوم ، وهو كناية عن عدم انتقاص حظوظهم من الجزاء على الأعمال الصالحة .
و { من عملهم } متعلق ب { ما ألتناهم } و ( من ) للتبعيض ، و ( من ) التي في قوله : { من شيء } لتوكيد النفي وإفادة الإِحاطة والشمول للنكرة .
{ كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } .
جملة معترضة بين جملة { وما ألتناهم من عملهم } وبين جملة { وأمددناهم بفاكهة } [ الطور : 22 ] ، قصد منها تعليل الجملة التي قبلها وهي بما فيها من العموم صالحة للتذييل مع التعليل ، و { كل امرىء } يعمّ أهل الآخرة كلهم . وليس المراد كل امرىء من المتقين خاصة .
والمعنى : انتفى إنقاصُنا إياهم شيئاً من عملهم لأن كل أحد مقرون بما كسب ومرتهَن عنده والمتقون لمّا كَسَبوا العمل الصالح كان لازماً لهم مقترناً بهم لا يُسلبون منه شيئاً ، والمراد بما كسبوا : جزاء ما كسبوا لأنه الذي يقترن بصاحب العمل وأما نفس العمل نفسه فقد انقضى في إبانه .
وفي هذا التعليل كنايتان : إحداهما : أن أهل الكفر مقرونون بجزاء أعمالهم ، وثانيتهما : أن ذريات المؤمنين الذين ألحقوا بآبائهم في النعيم ألحقوا بالجنة كرامة لآبائهم ولولا تلك الكرامة لكانت معاملتهم على حسب أعمالهم . وبهذا كان لهذه الجملة هنا وقع أشد حسناً مما سواه مع أنها صارت من حسن التتميم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال في التقديم: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان} يعني من أدرك العمل من أولاد بني آدم المؤمنين فعمل خيرا فهم مع آبائهم في الجنة، ثم قال: {ألحقنا بهم ذريتهم} يعني الصغار الذين لم يبلغوا العمل من أولاد المؤمنين فهم معهم وأزواجهم في الدرجة لتقر أعينهم.
{وما ألتناهم من عملهم من شيء} يقول: وما نقصنا الآباء إذا كانوا مع الأبناء من عملهم شيئا...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛
فقال بعضهم: معناه: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرّياتهم بإيمان، ألحقنا بهم ذرّياتهم المؤمنين في الجنة، وإن كانوا لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم، تكرمة لآبائهم المؤمنين، وما ألتنا آباءهم المؤمنين من أجور أعمالهم من شيء... عن ابن عباس، قال: إن الله تبارك وتعالى ليرفع ذرّية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقرّ بهم عينه، ثم قرأ «وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّياتِهِم وَما أَلَتْناهمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ»...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرّيّاتهم التي بلغت الإيمان بإيمان، ألحقنا بهم ذرياتهم الصغار التي لم تبلغ الإيمان، وما ألتنا الآباء من عملهم من شيء...
وقال آخرون نحو هذا القول، غير أنهم جعلوا الهاء والميم في قوله:"أَلْحَقْنا بِهِمْ "من ذكر الذرّية، والهاء والميم في قوله: ذرّيتهم الثانية من ذكر الذين. وقالوا: معنى الكلام: والذين آمنوا واتبعتهم ذرّيتهم الصغار، وما ألتنا الكبار من عملهم من شيء...
وقال آخرون: بل معنى ذلك "وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِم ذُرّيّتَهُمْ" فأدخلناهم الجنة بعمل آبائهم، وما ألتنا الآباء من عملهم من شيء... وقال آخرون: إنما عنى بقوله: «ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ»: أعطيناهم من الثواب ما أعطينا الآباء...
وأولى هذه الأقوال بالصواب وأشبهها بما دلّ عليه ظاهر التنزيل... هو: والذين آمنوا بالله ورسوله، وأتبعناهم ذرياتهم الذين أدركوا الإيمان بإيمان، وآمنوا بالله ورسوله، ألحقنا بالذين آمنوا ذريتهم الذين أدركوا الإيمان فآمنوا، في الجنة فجعلناهم معهم في درجاتهم، وإن قصرت أعمالهم عن أعمالهم تكرمة منا لآبائهم، وما ألتناهم من أجور عملهم شيئا.
وإنما قلت: ذلك أولى التأويلات به، لأن ذلك الأغلب من معانيه، وإن كان للأقوال الآخر وجوه...
وقوله: "وما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ" يقول تعالى ذكره: وما ألتنا الآباء، يعني بقوله: "وَما ألَتْناهُمْ": وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا، فنأخذه منهم، فنجعله لأبنائهم الذين ألحقناهم بهم، ولكنا وفّيناهم أجور أعمالهم، وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم، تفضلاً منا عليهم. والألت في كلام العرب: النقص والبخس... عن سعيد بن جُبَير "وَما أَلَتْناهُمْ" قال: وما ظلمناهم.
وقوله: "كُل امْرِئ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ" يقول: كلّ نفس بما كسبت وعملت من خير وشرّ مرتهنة لا يؤاخذ أحد منهم بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}. يُكْملُ عليهم سرورهم بأَنْ يُلْحِق بهم ذُرِّياتِهم؛ فإنَّ الانفرادَ بالنعمة عَمَّنْ القلبُ مشتغِلٌ به من الأهل والولد والذرية يوجِب تَنَغص العيش...
{وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}. أي ما أنقصنا من أجورهم من شيءٍ بل وفينا ووفَرنا. وفي الابتداء نحن أَوْليْنا وزدنا على ما أعطينا. {كُلُّ امْرئ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} مُطَالَبٌ بعمله، يوفىَّ عليه أَجره بلا تأخير...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{والذين ءامَنُواْ} معطوف على {بِحُورٍ عِينٍ} أي: قرناهم بالحور وبالذين آمنوا، أي: بالرفقاء والجلساء منهم...
{واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم}... فيجمع الله لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم، ومزاوجة الحور العين، وبمؤانسة الإخوان المؤمنين، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم... {بإيمان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ} أي بسبب إيمان عظيم رفيع المحل، وهو إيمان الآباء ألحقنا بدرجاتهم ذريتهم وإن كانوا لا يستأهلونها، تفضلاً عليهم وعلى آبائهم، لنتم سرورهم ونكمل نعيمهم...
فإن قلت: ما معنى تنكير الإيمان؟ قلت: معناه الدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة. ويجوز أن يراد: إيمان الذرية الداني المحل، كأنه قال: بشيء من الإيمان لا يؤهلهم لدرجة الآباء ألحقناهم بهم... {كُلُّ امرئ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} أي مرهون، كأن نفس العبد رهن عند الله بالعمل الصالح الذي هو مطالب به، كما يرهن الرجل عبده بدين عليه، فإن عمل صالحاً فكها وخلصها.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
ولفظة {ألحقنا} تقتضي أن للملحق بعض التقصير في الأعمال.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} أي: مرتهن بعمله، فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يحمل على أحد ذنب أحد. هذا اعتراض من فوائده إزالة الوهم المذكور...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويمضي التكريم خطوة فإذا ذريتهم المؤمنة تجتمع إليهم في هذا النعيم، زيادة في الرعاية والعناية. ولو كانت أعمال الذرية أقل من مستوى مقام المتقين، ما دامت هذه الذرية مؤمنة. وذلك دون أن ينقص شيء من أعمال الآباء ودرجاتهم. ودون إخلال بفردية التبعة وحساب كل بعمله الذي كسبه، إنما هو فضل الله على الجميع..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أي أن سبب إلحاق ذرياتهم بهم في نعيم الجنة هو إيمانهم وكونُ الذريات آمنوا بسبب إيمان آبائهم لأن الآباء المؤمنين يلقِّنون أبناءهم الإِيمان. والمعنى: والمؤمنون الذين لهم ذرياتٌ مؤمنون ألحقنا بهم ذرياتهم...
ولعل ما في الآية من إلحاق ذرياتهم من شفاعة المؤمن الصالح لأهله وذريته. والتنكير في قوله: {بإيمان} يحتمل أن يكون للتعظيم، أي بإيمان عظيم، وعظمتُه بكثرة الأعمال الصالحة، فيكون ذلك شرطاً في إلحاقهم بآبائهم وتكون النعمة في جعلهم في مكان واحد...
وفعل الإِلحاق يقتضي أن الذريات صاروا في درجات آبائهم. و {كل امرئ} يعمّ أهل الآخرة كلهم. وليس المراد كل امرئ من المتقين خاصة. والمعنى: انتفى إنقاصُنا إياهم شيئاً من عملهم لأن كل أحد مقرون بما كسب ومرتهَن عنده والمتقون لمّا كَسَبوا العمل الصالح كان لازماً لهم مقترناً بهم لا يُسلبون منه شيئاً، والمراد بما كسبوا: جزاء ما كسبوا لأنه الذي يقترن بصاحب العمل وأما نفس العمل نفسه فقد انقضى في إبانه. وفي هذا التعليل كنايتان: إحداهما: أن أهل الكفر مقرونون بجزاء أعمالهم، وثانيتهما: أن ذريات المؤمنين الذين ألحقوا بآبائهم في النعيم ألحقوا بالجنة كرامة لآبائهم ولولا تلك الكرامة لكانت معاملتهم على حسب أعمالهم. وبهذا كان لهذه الجملة هنا وقع أشد حسناً مما سواه مع أنها صارت من حسن التتميم.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ} ليجتمع شمل المؤمنين العائلي، الذين أسسوا علاقاتهم العائلية على قاعدة الإيمان بالله لا على قاعدة العصبية، ما جعل الواحد منهم يدعو الآخر إلى الإسلام ويقوّي موقفه ويدعم موقعه. فالإيمان هو الذي يوحِّد بين الناس في الدنيا، ويجمعهم في مواقع رحمة الله في الآخرة...