ثم ذكر عن هؤلاء الخائنين أنهم { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ } وهذا من ضعف الإيمان ، ونقصان اليقين ، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله ، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس ، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم ، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم .
وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم ، خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول ، من تبرئة الجاني ، ورمي البريء بالجناية ، والسعي في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم ليفعل ما بيتوه .
فقد جمعوا بين عدة جنايات ، ولم يراقبوا رب الأرض والسماوات ، المطلع على سرائرهم وضمائرهم ، ولهذا توعدهم تعالى بقوله : { وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } أي : قد أحاط بذلك علما ، ومع هذا لم يعاجلهم بالعقوبة بل استأنى بهم ، وعرض عليهم التوبة وحذرهم من الإصرار على ذنبهم الموجب للعقوبة البليغة .
ويعقب الوصف بالإثم والخيانة تصوير منفر لسلوك هؤلاء الخونة الآثمين :
( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله - وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول . . . )
وهي صورة زرية داعية إلى الاحتقار والسخرية . زرية بما فيها من ضعف والتواء ، وهم يبيتون ما يبيتون من الكيد والمؤامرة والخيانة ؛ ويستخفون بها عن الناس . والناس لا يملكون لهم نفعا ولا ضرا . بينما الذي يملك النفع والضر معهم وهم يبيتون ما يبيتون ؛ مطلع عليهم وهم يخفون نياتهم ويستخفون . وهم يزورون من القول مالا يرضاه ! فأي موقف يدعو إلى الزراية والاستهزاء أكثر من هذا الموقف ؟
( وكان الله بما يعملون محيطًا . . . )
إجمالا وإطلاقا . . فأين يذهبون بما يبيتون . والله معهم إذ يبيتون . والله بكل شيء محيط وهم تحت عينه وفي قبضته ؟
{ يستخفون من الناس } يستترون منهم حياء وخوفا . { ولا يستخفون من الله } ولا يستحيون منه وهو أحق بأن يستحيا ويخاف منه . { وهو معهم } لا يخفى عليه سرهم فلا طريق معه إلا ترك ما يستقبحه ويؤاخذ عليه . { إذ يبيتون } يدبرون ويزورون . { ما لا يرضى من القول } من رمي البريء والحلف الكاذب وشهادة الزور . { وكان الله بما يعملون محيطا } . لا يفوت عنه شيء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.