المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

42- وقال للذي توقع النجاة منهما : اذكرني عند الملك - بصفتي وقصتي - عساه ينصفني وينقذني مما أعانيه ، فشغله الشيطان وأنساه أن يذكر للملك قصة يوسف ، فمكث يوسف في السجن سنين لا تقل عن ثلاث .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

{ 42 } { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }

أي : { وَقَالَ } يوسف عليه السلام : { لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا } وهو : الذي رأى أنه يعصر خمرا : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } أي : اذكر له شأني وقصتي ، لعله يرقُّ لي ، فيخرجني مما أنا فيه ، { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } أي : فأنسى الشيطان ذلك الناجي ذكر الله تعالى ، وذكر ما يقرب إليه ، ومن جملة ذلك نسيانه ذكر يوسف الذي يستحق أن يجازى بأتم الإحسان ، وذلك ليتم الله أمره وقضاءه .

{ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } والبضع من الثلاث إلى التسع ، ولهذا قيل : إنه لبث سبع سنين ، ولما أراد الله أن يتم أمره ، ويأذن بإخراج يوسف من السجن ، قدر لذلك سببا لإخراج يوسف وارتفاع شأنه وإعلاء قدره ، وهو رؤيا الملك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

35

وأحب يوسف السجين البريء ، الذي أمر الملك بسجنه دون تحر ودون بحث ، إلا ما نقله إليه بعض حاشيته من وشاية لعلهم صوروا له فيها حادث امرأة العزيز وحادث النسوة تصويرا مقلوبا ، كما يقع عادة في مثل هذه الأوساط . . أحب يوسف أن يبلغ أمره إلى الملك ليفحص عن الأمر :

( وقال للذي ظن أنه ناج منهما : اذكرني عند ربك ) . .

اذكر حالي ووضعي وحقيقتي عند سيدك وحاكمك الذي تدين بشرعه وتخضع لحكمه ، فهو بهذا ربك . فالرب هو السيد والحاكم والقاهر والمشرع . . وفي هذا توكيد لمعنى الربوبية في المصطلح الإسلامي . ومما يلاحظ أن ملوك الرعاة لم يكونوا يدعون الربوبية قولا كالفراعنة ، ولم يكونوا ينتسبون إلى الإله أو الآلهة كالفراعنة . ولم يكن لهم من مظاهر الربوبية إلا الحاكمية وهي نص في معنى الربوبية . .

وهنا يسقط السياق أن التأويل قد تحقق ، وأن الأمر قد قضي على ما أوله يوسف . ويترك هنا فجوة ، نعرف منها أن هذا كله قد كان . ولكن الذي ظن يوسف أنه ناج فنجا فعلا لم ينفذ الوصية ، ذلك أنه نسي الدرس الذي لقنه له يوسف ، ونسي ذكر ربه في زحمة حياة القصر وملهياتها وقد عاد إليها ، فنسي يوسف وأمره كله . .

( فأنساه الشيطان ذكر ربه ) . .

( فلبث في السجن بضع سنين ) . .

والضمير الأخير في لبث عائد على يوسف . وقد شاء ربه أن يعلمه كيف يقطع الأسباب كلها ويستمسك بسببه وحده ، فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سبب يرتبط بعبد . وكان هذا من اصطفائه وإكرامه .

إن عباد الله المخلصين يتبغي أن يخلصوا له سبحانه ، وأن يدعوا له وحده قيادهم ، ويدعوا له سبحانه تنقيل خطاهم . وحين يعجزون بضعفهم البشري في أول الأمر عن اختيار هذا السلوك ، يتفضل الله سبحانه فيقهرهم عليه حتى يعرفوه ويتذوقوه ويلتزموه بعد ذلك طاعة ورضى وحبا وشوقا . . فيتم عليهم فضله بهذا كله . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

لما ظن{[15186]} يوسف ، عليه السلام ، نجاة أحِدهما - وهو الساقي - قال له يوسف خفية عن الآخر والله أعلم ، لئلا يشعره أنه المصلوب قال له : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } يقول : اذكر قصتي عند ربك{[15187]} - وهو الملك - فنسى ذلك الموصَى أن يُذَكِّر مولاه بذلك ، وكان من جملة مكايد الشيطان ، لئلا يطلع نبي الله من السجن .

هذا هو الصواب أن الضمير في قوله : { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } عائد على الناجي ، كما قال مجاهد ، ومحمد بن إسحاق وغير واحد . ويقال : إن الضمير عائد على يوسف ، عليه السلام ، رواه ابن جرير ، عن ابن عباس ، ومجاهد أيضا ، وعِكْرِمة ، وغيرهم . وأسند ابن جرير هاهنا حديثا فقال :

حدثنا ابن وَكِيع ، حدثنا عَمْرو بن محمد ، عن إبراهيم بن يزيد{[15188]} عن عمرو بن دينار ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو لم يقل - يعني : يوسف - الكلمة التي قال : ما لبث في السجن طول ما لبث . حيث يبتغي الفرج من عند غير الله " {[15189]} .

وهذا الحديث ضعيف جدا ؛ لأن سفيان بن وَكِيع ضعيف ، وإبراهيم بن يزيد - هو الخُوزي - أضعف منه أيضا . وقد رُوي عن الحسن وقتادة مرسلا عن كل منهما ، وهذه المرسَلات هاهنا لا تقبل لو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن ، والله أعلم .

وأما " البضع " ، فقال مجاهد وقتادة : هو ما بين الثلاث إلى التسع . وقال وهب بن مُنَبَّه : مكث أيوب في البلاء سبعًا ويوسف في السجن سبعًا ، وعذاب{[15190]} بختنصر سبعا .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : فلبث في السجن بضع سنين قال : ثنتا{[15191]} عشرة سنة . وقال الضحاك : أربع عشرة سنة .


[15186]:- في ت ، أ : "علم".
[15187]:- في ت ، أ : "الملك".
[15188]:- في ت : "عن يزيد".
[15189]:- تفسير الطبري (16/112).
[15190]:- في ت ، أ : "وعذب".
[15191]:- في ت ، أ : "ثنتى".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

{ وقال للذي ظن أنه ناج منهما } الظان يوسف إن ذكر ذلك عن اجتهاد وإن ذكره عن وحي فهو الناجي إلا أن يؤول الظن باليقين . { اذكُرني عند ربك } اذكر حالي عند الملك كي يخلصني . { فأنساه الشيطان ذكر ربه } فأنسى الشرابي أن يذكره لربه ، فأضاف إليه المصدر لملابسته له أو على تقدير ذكر أخبار ربه ، أو أنسي يوسف ذكر الله حتى استعان بغيره ، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام " رحم الله أخي يوسف لو لم يقل { اذكرني عند ربك } لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس " . والاستعانة بالعباد في كشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة لكنها لا تليق بمنصب الأنبياء . { فلبث في السجن بضع سنين } البضع ما بين الثلاث إلى التسع من البضع وهو القطع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

وقوله : { وقال للذي ظن أنه ناج } الآية . «الظن » هاهنا - بمعنى اليقين ، لأن ما تقدم من قوله : { قضي الأمر } يلزم ذلك ، وهو يقين فيما لم يخرج بعد إلى الوجود : وقال قتادة : «الظن » - هنا - على بابه لأن عبارة الرؤيا ظن .

قال القاضي أبو محمد : وقول يوسف عليه السلام : { قضي الأمر } دل على وحي ولا يترتب قول قتادة إلا بأن يكون معنى قوله { قضي الأمر } أي قضي كلامي وقلت ما عندي وتم ، والله أعلم بما يكون بعد .

وفي الآية تأويل آخر ، وهو : أن يكون { ظن } مسنداً إلى الذي قيل له : إنه يسقي ربه خمراً ، لأنه دخلته أبهة السرور بما بشر به وصار في رتبة من يؤمل حين ظن وغلب على معتقده أنه ناج : وذلك بخلاف ما نزل بالآخر المعرف بالصلب .

ومعنى الآية : قال يوسف لساقي الملك حين علم أنه سيعود إلى حالته الأولى مع الملك : { اذكرني } عند الملك ، فيحتمل أن يريد أن يذكره بعلمه ومكانته ، ويحتمل أن يذكره بمظلمته وما امتحن به بغير حق ، أو يذكره بهما .

والضمير في { أنساه } قيل : هو عائد على يوسف عليه السلام{[6690]} ، أي نسي في ذلك الوقت أن يشتكي إلى الله ، وجنح إلى الاعتصام بمخلوق ، فروي أن جبريل عليه السلام جاءه فعاتبه عن الله عز وجل في ذلك ، وطول سجنه عقوبة على ذلك ، وقيل : أوحي إليه : يا يوسف اتخذت من دوني وكيلاً لأطيلن حبسك ، وقيل : إن الضمير في { أنساه } عائد على الساقي - قاله ابن إسحاق - أي نسي ذكر يوسف عند ربه ، فأضاف الذكر إلى ربه إذ هو عنده ، و «الرب » على هذا التأويل - الملك{[6691]} .

و { بضع } في كلام العرب اختلف فيه ، فالأكثر على أنه من الثلاثة إلى العشرة ، قاله ابن عباس ، وعلى هذا هو فقه مذهب مالك رحمه الله في الدعاوى والأيمان ؛ وقال أبو عبيدة : «البضع » لا يبلغ العقد ولا نصف العقد ، وإنما هو من الواحد إلى الأربعة ، وقال الأخفش «البضع » من الواحد إلى العشرة ، وقال قتادة : «البضع » من الثلاثة إلى التسعة ، ويقوي هذا ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق في قصة خطره{[6692]} مع قريش في غلبة الروم لفارس

ث«أما علمت أن البضع من الثلاث إلى التسع »{[6693]} وقال مجاهد : من الثلاثة إلى السبعة ، قال الفراء : ولا يذكر البضع إلا مع العشرات ، لا يذكر مع مائة ولا مع ألف ، والذي روي في هذه الآية أن يوسف عليه السلام سجن خمس سنين ثم نزلت له قصة الفتيين وعوقب على قوله { اذكرني عند ربك } بالبقاء في السجن سبع سنين ، فكانت مدة سجنه اثنتي عشرة سنة ، وقيل : عوقب ببقاء سنتين ، وقال الحسن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لولا كلمته ما لبث في السجن طول ما لبث » ، ثم بكى الحسن وقال : نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس{[6694]} .


[6690]:النسيان غير جائز على الأنبياء في أمور الشريعة، وأما في أمور الدنيا فهو جائز إذا أخبر الله عنهم، أما نحن فلا يجوز لنا أن نصفهم به، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)، وقال: (نسي آدم فنسيت ذريته)، ذكر ذلك القرطبي.
[6691]:إطلاق الرب على السيد أو الملك معروف في اللغة، قال الأعشى: ربي كريم لا يكدر نعمة وإذا تنوشد في المهارق أنشدا ومعنى (تنوشد): نوشد ودعي، والمهارق: الصحف والواحدة مهرق، يقول: إذا سئل أعطى.
[6692]:الخطر بفتح الخاء والطاء: النصيب والرهان، وفي حديث عمر في قسمة وادي القرى: (وكان لعثمان فيه خطر، ولعبد الرحمن خطر) أي نصيب. (المعجم الوسيط).
[6693]:قصة مراهنة أبي بكر رضي الله عنه لقريش على غلبة الروم مشهورة معروفة، إذا كان المسلمون يحبون غلبة الروم على فارس لأنهم وإياهم أهل الكتاب، وكانت قريش لا تحب ذلك لأنهم وأهل فارس لا يؤمنون بكتاب ولا بالبعث، وقد جعل أبو بكر الأجل بينه وبينهم ست سنين على رواية، وثلاث سنين على رواية أخرى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اذهب فزائد في الخطر و مادد في الأجل)، وكان ذلك قبل تحريم الرهان، راجع صحيح الترمذي في تفسير أول سورة الروم.
[6694]:أخرج أحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله يوسف لولا ... الحديث). (الدر المنثور).