المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (101)

101- وتصوروا حالكم العجيبة وأنتم تضلون وتكفرون بعد الإيمان ، والقرآن يتلى عليكم ، ورسول الله بينكم ، يبين لكم ويدفع الشبه عن دينكم ، ومن يلجأ إلى ربه ويستمسك بدينه فنعم ما فعل ، فقد هداه ربه إلى طريق الفوز والفلاح .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (101)

ثم ذكر تعالى السبب الأعظم والموجب الأكبر لثبات المؤمنين على إيمانهم ، وعدم تزلزلهم عن إيقانهم ، وأن ذلك من أبعد الأشياء ، فقال : { وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله } أي : الرسول بين أظهركم يتلو عليكم آيات ربكم كل وقت ، وهي الآيات البينات التي توجب القطع بموجبها والجزم بمقتضاها وعدم الشك فيما دلت عليه بوجه من الوجوه ، خصوصا والمبين لها أفضل الخلق وأعلمهم وأفصحهم وأنصحهم وأرأفهم بالمؤمنين ، الحريص على هداية الخلق وإرشادهم بكل طريق يقدر عليه ، فصلوات الله وسلامه عليه ، فلقد نصح وبلغ البلاغ المبين ، فلم يبق في نفوس القائلين مقالا ولم يترك لجائل في طلب الخير مجالا ، ثم أخبر أن من اعتصم به فتوكل عليه وامتنع بقوته ورحمته عن كل شر ، واستعان به على كل خير { فقد هدي إلى صراط مستقيم } موصل له إلى غاية المرغوب ، لأنه جمع بين اتباع الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله وبين الاعتصام بالله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (101)

93

وما كان يفزع المسلم - حينذاك - ما يفزعه أن يرى نفسه منتكسا إلى الكفر بعد الإيمان . وراجعا إلى النار بعد نجاته منها إلى الجنة . وهذا شأن المسلم الحق في كل زمان ومن ثم يكون هذا التحذير بهذه الصورة سوطا يلهب الضمير ، ويوقظه بشدة لصوت النذير . . ومع هذا فإن السياق يتابع التحذير والتذكير . . فيا له من منكر أن يكفر الذين آمنوا بعد إيمانهم ، وآيات الله تتلى عليهم ، ورسوله فيهم . ودواعي الإيمان حاضرة ، والدعوة إلى الإيمان قائمة ، ومفرق الطريق بين الكفر والإيمان مسلط عليه هذا النور :

( وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ؟ )

أجل . إنها لكبيرة أن يكفر المؤمن في ظل هذه الظروف المعينة على الإيمان . . وإذا كان رسول الله [ ص ] قد استوفى أجله ، واختار الرفيق الأعلى ، فإن آيات الله باقية ، وهدى رسوله [ ص ] باق . . ونحن اليوم مخاطبون بهذا القرآن كما خوطب به الأولون ، وطريق العصمة بين ، ولواء العصمة مرفوع :

( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ) . .

أجل . إنه الاعتصام بالله يعصم . والله سبحانه باق . وهو - سبحانه - الحي القيوم .

ولقد كان رسول الله [ ص ] يتشدد مع أصحابه - رضوان الله عليهم - في أمر التلقي في شأن العقيدة والمنهج ، بقدر ما كان يفسح لهم في الرأي والتجربة في شؤون الحياة العملية المتروكة للتجربة والمعرفة ، كشؤون الزرع ، وخطط القتال ، وأمثالها من المسائل العملية البحتة التي لا علاقة لها بالتصور الاعتقادي ، ولا بالنظام الاجتماعي ، ولا بالارتباطات الخاصة بتنظيم حياة الإنسان . . وفرق بين هذا وذلك بين . فمنهج الحياة شيء ، والعلوم البحتة والتجريبية والتطبيقية شيء آخر . والإسلام الذي جاء ليقود الحياة بمنهج الله ، هو الإسلام الذي وجه العقل للمعرفة والانتفاع بكل إبداع مادي في نطاق منهجه للحياة . .

قال الإمام أحمد : " حدثنا عبد الرازق ، أنبأنا سفيان ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن ثابت . قال : جاء عمر إلى النبي [ ص ] فقال : يا رسول الله . إني أمرت بأخ يهودي من بني قريظة ، فكتب لي جوامع من التوراة . ألا أعرضها عليك ؟ قال : فتغير وجه رسول الله [ ص ] قال عبد الله بن ثابت : قلت له : ألا ترى ما وجه رسول الله [ ص ] ؟ فقال عمر : رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا . قال : فسري عن النبي [ ص ] وقال : " والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى - عليه السلام - ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم . إنكم حظي من الأمم ، وأنا حظكم من النبيين " .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا حماد عن الشعبي عن جابر . قال : قال رسول الله [ ص ] " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء . فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا . وإنكم إما أن تصدقوا بباطل ، وإما أنتكذبوا بحق . وإنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني " . . وفي بعض الأحاديث : " لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي " . .

هؤلاء هم أهل الكتاب . وهذا هو هدى رسول الله [ ص ] في التلقي عنهم في أي أمر يختص بالعقيدة والتصور ، أو بالشريعة والمنهج . . ولا ضير - وفق روح الإسلام وتوجيهه - من الانتفاع بجهود البشر كلهم في غير هذا من العلوم البحتة ، علما وتطبيقا . . مع ربطها بالمنهج الإيماني : من ناحية الشعور بها ، وكونها من تسخير الله للإنسان . ومن ناحية توجيهها والانتفاع بها في خير البشرية ، وتوفير الأمن لها والرخاء . وشكر الله على نعمة المعرفة ونعمة تسخير القوى والطاقات الكونية . شكره بالعبادة ، وشكره بتوجيه هذه المعرفة وهذا التسخير لخير البشرية . .

فأما التلقي عنهم في التصور الإيماني ، وفي تفسير الوجود ، وغاية الوجود الإنساني . وفي منهج الحياة وأنظمتها وشرائعها ، وفي منهج الأخلاق والسلوك أيضا . . أما التلقي في شيء من هذا كله ، فهو الذي تغير وجه رسول الله [ ص ] لأيسر شيء منه . وهو الذي حذر الله الأمة المسلمة عاقبته . وهي الكفر الصراح . .

هذا هو توجيه الله - سبحانه - وهذا هو هدى رسوله [ ص ] فأما نحن الذين نزعم أننا مسلمون ، فأرانا نتلقى في صميم فهمنا لقرآننا وحديث نبينا [ ص ] عن المستشرقين وتلامذة المستشرقين ! وأرانا نتلقى فلسفتنا وتصوراتنا للوجود والحياة من هؤلاء وهؤلاء ، ومن الفلاسفة والمفكرين : الإغريق والرومان والأوروبيين والأمريكان ! وأرانا نتلقى نظام حياتنا وشرائعنا وقوانيننا من تلك المصادر المدخولة ! وأرانا نتلقى قواعد سلوكنا وآدابنا وأخلاقنا من ذلك المستنقع الآسن ، الذي انتهت إليه الحضارة المادية المجردة من روح الدين . . أي دين . . ثم نزعم - والله - أننا مسلمون ! وهو زعم إثمه أثقل من إثم الكفر الصريح . فنحن بهذا نشهد على الإسلام بالفشل والمسخ . حيث لا يشهد عليه هذه الشهادة الآثمة من لا يزعمون - مثلنا - أنهم مسلمون !

إن الإسلام منهج . وهو نهج ذو خصائص متميزة : من ناحية التصور الاعتقادي ، ومن ناحية الشريعة المنظمة لارتباطات الحياة كلها . ومن ناحية القواعد الأخلاقية ، التي تقوم عليها هذه الارتباطات ، ولا تفارقها ، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية . وهو منهج جاء لقيادة البشرية كلها . فلا بد أن تكون هناك جماعة من الناس تحمل هذا المنهج لتقود به البشرية . ومما يتناقض مع طبيعة القيادة - كما أسلفنا - أن تتلقى هذه الجماعة التوجيهات من غير منهجها الذاتي . .

ولخير البشرية جاء هذا المنهج يوم جاء . ولخير البشرية يدعو الدعاة لتحكيم هذا المنهج اليوم وغدا . بل الأمر اليوم الزم ، والبشرية بمجموعها تعاني من النظم والمناهج التي انتهت إليها ما تعاني . وليس هناك منقذ إلا هذا المنهج الإلهي ، الذي يجب أن يحتفظ بكل خصائصه كي يؤدي دوره للبشرية وينقذها مرة أخرى .

لقد أحرزت البشرية انتصارات شتى في جهادها لتسخير القوى الكونية . وحققت في عالم الصناعة والطب ما يشبه الخوارق - بالنسبة للماضي - وما تزال في طريقها إلى انتصارات جديدة . . ولكن ما أثر هذا كله في حياتها ؟ ما أثره في حياتها النفسية ؟ هل وجدت السعادة هل وجدت الطمأنينة ؟ هل وجدت السلام ؟ كلا ! لقد وجدت الشقاء والقلق والخوف . . والأمراض العصبية والنفسية ، والشذوذ والجريمة على أوسع نطاق ! . . إنها لم تتقدم كذلك في تصور غاية الوجود الإنساني وأهداف الحياة الإنسانية . . وحين تقاس غاية الوجودالإنساني وأهداف الحياة الإنسانية في ذهن الرجل المتحضر المعاصر ، إلى التصور الإسلامي في هذا الجانب ، تبدو هذه الحضارة في غاية القزامة ! بل تبدو لعنة تحط من تصور الإنسان لنفسه ومقامه في هذا الوجود ، وتسفل به ، وتصغر من اهتماماته ومن أشواقه ! . . والخواء يأكل قلب البشرية المكدود ، والحيرة تهد روحها المتعبة . . إنها لا تجد الله . . لقد أبعدتها عنه ملابسات نكدة . والعلم الذي كان من شأنه ، لو سار تحت منهج الله ، أن يجعل من كل انتصار للبشرية في ميدانه خطوة تقربها من الله ، هو ذاته الذي تبعد به البشرية أشواطا بسبب انطماس روحها ونكستها . . إنها لا تجد النور الذي يكشف لها غاية وجودها الحقيقية فتنطلق إليها مستعينة بهذا العلم الذي منحه الله لها ووهبها الاستعداد له . ولا تجد المنهج الذي ينسق بين حركتها وحركة الكون ، وفطرتها وفطرة الكون ، وقانونها وناموس الكون . ولا تجد النظام الذي ينسق بين طاقاتها وقواها ، وآخرتها ودنياها ، وأفرادها وجماعاتها ، وواجباتها وحقوقها . . تنسيقا طبيعيا شاملا مريحا . .

وهذه البشرية هي التي يعمل ناس منها على حرمانها من منهج الله الهادي . وهم الذين يسمون التطلع إلى هذا المنهج " رجعية ! " ويحسبونه مجرد حنين إلى فترة ذاهبة من فترات التاريخ . . وهم بجهالتهم هذه أو بسوء نيتهم يحرمون البشرية التطلع إلى المنهج الوحيد الذي يمكن أن يقود خطاها إلى السلام والطمأنينة ، كما يقود خطاها إلى النمو والرقي . . ونحن الذين نؤمن بهذا المنهج نعرف إلى ماذا ندعو . إننا نرى واقع البشرية النكد ، ونشم رائحة المستنقع الآسن الذي تتمرغ فيه . ونرى . نرى هنالك على الأفق الصاعد راية النجاة تلوح للمكدودين في هجير الصحراء المحرق ، والمرتقى الوضيء النظيف يلوح للغارقين في المستنقع ؛ ونرى أن قيادة البشرية إن لم ترد إلى هذا المنهج فهي في طريقها إلى الارتكاس الشائن لكل تاريخ الإنسان ، ولكل معنى من معاني الإنسان !

وأولى الخطوات في الطريق أن يتميز هذا المنهج يتفرد ، ولا يتلقى أصحابه التوجيه من الجاهلية الطامة من حولهم . . كيما يظل المنهج نظيفا سليما . إلى أن يأذن الله بقيادته للبشرية مرة أخرى . والله أرحم بعباده أن يدعهم لأعداء البشر ، الداعين إلى الجاهلية من هنا ومن هناك ! . . وهذا ما أراد الله سبحانه أن يلقنه للجماعة المسلمة الأولى في كتابه الكريم ؛ وما حرص رسول الله [ ص ] أن يعلمها إياه في تعليمه القويم . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (101)

ثُمَّ قَالَ { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } يعني : أن الكفر بعيد منكم وحاشاكم منه ؛ فإن آيات الله تنزل على رسوله ليلا ونهارًا ، وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم ، وهذا كقوله تعالى : { وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ الحديد : 8 ] والآية بعدها . وكما جاء في الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه : " أيُّ الْمُؤمِنِينَ أعْجَبُ إلَيْكُمْ إيمَانًا ؟ " قالوا : الملائكة . قال : " وَكَيْفَ لا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ؟ ! " وذكروا الأنبياء{[5417]} قال : " وَكَيْفَ لا يُؤْمِنُونَ وَالْوَحْيُ يَنزلُ عَلَيْهِمْ ؟ " قالوا : فنحن . قال : " وَكَيْفَ لا تُؤْمِنُونَ وأنَا بَيْنَ أظْهُرِكُمْ ؟ ! " . قالوا : فأيّ الناس أعجب إيمانًا ؟ قال : " قَوْمٌ يَجِيؤُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يَجِدونَ صُحُفًا يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا " {[5418]} . وقد ذكرت سَنَد هذا الحديث والكلام عليه في أول شرح البخاري ، ولله الحمد .

ثم قال تعالى : { وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } أيّ : ومع هذا فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العُمْدة في الهداية ، والعُدَّة في مباعدة الغَواية ، والوسيلة إلى الرشاد ، وطريق السداد ، وحصول المراد .


[5417]:في جـ، أ، و: "قالوا فالأنبياء".
[5418]:رواه الطبراني في المعجم الكبير (4/22، 23) من حديث أبي جمعة الأنصاري.