المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَيۡءٖ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرٗا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبّٗا مُّتَرَاكِبٗا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانٞ دَانِيَةٞ وَجَنَّـٰتٖ مِّنۡ أَعۡنَابٖ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٍۗ ٱنظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَيَنۡعِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمۡ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (99)

99- وهو الذي أنزل من السحاب ماء أخرج به نبات كل صنف ، فأخرج من النبات شيئاً غَضَّا طريَّا ، ونخرج منه حباً كثيراً بعضه فوق بعض ، ومن طلع النخل عراجين نخرجها محملة بالثمار سهلة التناول ، وأخرجنا كذلك بالماء جنات من الأعناب والزيتون والرمان ، ومنها ما هو متماثل الثمر في الشكل وغير متماثل في الطعم والرائحة ونوع الفائدة . انظروا في تدبر واعتبار إلى ثمره حين يثمر ، وإلى نضجه كيف تم بعد أطوار مختلفة ؟ إن في ذلك لدلائل لقوم ينشدون الحق ويؤمنون به ويذعنون له{[64]} .


[64]:توضح هذه الآية الكريمة في النباتات كيفية خلق تلك الثمار وكيف نشأت وتمت في أطوارها المختلفة حتى وصلت إلى طور نضجها الكامل بما تحويه من مركبات مختلفة من السكريات والزيوت والبروتينات والمواد الكربوايدراتية والنشويات. كل هذا يتكون في وجود ضوء الشمس عن طريق المادة الخضراء مادة اليخضور التي توجد عادة في المجوع الخضري للنباتات وخاصة الأوراق، فهي المصنع الذي تتكون فيه تلك المركبات ومنها توزع على باقي أجزاء النبات بما فيها البذور والثمار علاوة على أن الآية الكريمة تقطع بأن ماء المطر هو المصدر الوحيد للماء العذب على الأرض وطاقة الشمس هي مصدر طاقات الأحياء جميعا، ولكن النباتات هي التي تستطيع اختزان طاقة الشمس بواسطة مادة اليخضور وتسلمها للإنسان والحيوان في المواد الغذائية العضوية التي كونتها، وقد كشف العلم عن حقيقة باهرة تدل على وحدة الخالق وهي أن مادة الهيموجلوبين اللازمة لتنفس الإنسان وكثير من أنواع الحيوان وثيقة الصلة بمادة اليخضور فذرات الكربون والأيدروجين والأكسوجين والنيتروجين تكتنف ذرة الحديد في جزئ الهيموجلوبين بينما هي بنفسها تكتنف ذرة الماغنسيوم في جزئ اليخضور كما أنه اتضح من البحوث الطبية أن مادة اليخضور عندما يتمثلها جسم الإنسان تندمج في خلاياه فتقويها وتساعدها على القضاء على جراثيم الأمراض فتتيح لأنسجة الجسم فرصة الدفاع ومكافحة الأمراض. وفي آخر الآية الكريمة قوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه}. وفي هذه الإشارة سبق لعلم النبات الحديث فيما وصل إليه من الاعتماد في دراسته على مشاهدة الشكل الخارجي لأعضائه كافة في أدواره المختلفة.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَيۡءٖ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرٗا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبّٗا مُّتَرَاكِبٗا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانٞ دَانِيَةٞ وَجَنَّـٰتٖ مِّنۡ أَعۡنَابٖ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٍۗ ٱنظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَيَنۡعِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمۡ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (99)

{ 99 } { وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

وهذا من أعظم مننه العظيمة ، التي يضطر إليها الخلق ، من الآدميين وغيرهم ، وهو أنه أنزل من السماء ماء متتابعا وقت حاجة الناس إليه ، فأنبت الله به كل شيء ، مما يأكل الناس والأنعام ، فرتع الخلق بفضل الله ، وانبسطوا برزقه ، وفرحوا بإحسانه ، وزال عنهم الجدب واليأس والقحط ، ففرحت القلوب ، وأسفرت الوجوه ، وحصل للعباد من رحمة الرحمن الرحيم ، ما به يتمتعون وبه يرتعون ، مما يوجب لهم ، أن يبذلوا جهدهم في شكر من أسدى النعم ، وعبادته والإنابة إليه ، والمحبة له .

ولما ذكر عموم ما ينبت بالماء ، من أنواع الأشجار والنبات ، ذكر الزرع والنخل ، لكثرة نفعهما وكونهما قوتا لأكثر الناس فقال : { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ } أي : من ذلك النبات الخضر ، { حَبًّا مُتَرَاكِبًا } بعضه فوق بعض ، من بر ، وشعير ، وذرة ، وأرز ، وغير ذلك ، من أصناف الزروع ، وفي وصفه بأنه متراكب ، إشارة إلى أن حبوبه متعددة ، وجميعها تستمد من مادة واحدة ، وهي لا تختلط ، بل هي متفرقة الحبوب ، مجتمعة الأصول ، وإشارة أيضا إلى كثرتها ، وشمول ريعها وغلتها ، ليبقى أصل البذر ، ويبقى بقية كثيرة للأكل والادخار .

{ وَمِنَ النَّخْلِ } أخرج الله { مِنْ طَلْعِهَا } وهو الكفرى ، والوعاء قبل ظهور القنو منه ، فيخرج من ذلك الوعاء { قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } أي : قريبة سهلة التناول ، متدلية على من أرادها ، بحيث لا يعسر التناول من النخل وإن طالت ، فإنه يوجد فيها كرب ومراقي ، يسهل صعودها .

{ و } أخرج تعالى بالماء { جنات مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ } فهذه من الأشجار الكثيرة النفع ، العظيمة الوقع ، فلذلك خصصها الله بالذكر بعد أن عم جميع الأشجار والنوابت .

وقوله { مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } يحتمل أن يرجع إلى الرمان والزيتون ، أي : مشتبها في شجره وورقه ، غير متشابه في ثمره .

ويحتمل أن يرجع ذلك ، إلى سائر الأشجار والفواكه ، وأن بعضها مشتبه ، يشبه بعضه بعضا ، ويتقارب في بعض أوصافه ، وبعضها لا مشابهة بينه وبين غيره ، والكل ينتفع به العباد ، ويتفكهون ، ويقتاتون ، ويعتبرون ، ولهذا أمر تعالى بالاعتبار به ، فقال : { انْظُرُوا } نظر فكر واعتبار { إِلَى ثَمَرِهِ } أي : الأشجار كلها ، خصوصا : النخل { إذا أثمر }

{ وَيَنْعِهِ } أي : انظروا إليه ، وقت إطلاعه ، ووقت نضجه وإيناعه ، فإن في ذلك عبرا وآيات ، يستدل بها على رحمة الله ، وسعة إحسانه وجوده ، وكمال اقتداره وعنايته بعباده .

ولكن ليس كل أحد يعتبر ويتفكر وليس كل من تفكر ، أدرك المعنى المقصود ، ولهذا قيد تعالى الانتفاع بالآيات بالمؤمنين فقال : { إِنَّ فِي ذَلِكَم لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فإن المؤمنين يحملهم ما معهم من الإيمان ، على العمل بمقتضياته ولوازمه ، التي منها التفكر في آيات الله ، والاستنتاج منها ما يراد منها ، وما تدل عليه ، عقلا ، وفطرة ، وشرعا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَيۡءٖ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرٗا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبّٗا مُّتَرَاكِبٗا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانٞ دَانِيَةٞ وَجَنَّـٰتٖ مِّنۡ أَعۡنَابٖ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٍۗ ٱنظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَيَنۡعِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمۡ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (99)

95

ثم يمضي السياق إلى مشاهد الحياة المتفتحة في جنيات الأرض . تراها الأعين ، وتستجليها الحواس ، وتتدبرها القلوب . وترى فيها بدائع صنع الله . . والسياق يعرضها - كما هي في صفحة الكون - ويلفت إليها النظر في شتى أطوارها ، وشتى أشكالها ، وشتى أنواعها ؛ ويلمس الوجدان بما فيها من حياة نامية ، ودلالة على القدرة التي تبدع الحياة ؛ كما يوجه القلب إلى استجلاء جمالها والاستمتاع بهذا الجمال :

( وهو الذي أنزل من السماء ماء ، فأخرجنا به نبات كل شيء . فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا . ومن النخل من طلعها قنوان دانية . وجنات من أعناب والزيتون والرمان ، مشتبها وغير متشابه . انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه . إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ) . .

والماء كثيرا ما يذكر في القرآن في صدد ذكر الحياة والإنبات .

( وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء ) . .

ودور الماء الظاهر في إنبات كل شيء دور واضح يعلمه البدائي والمتحضر ، ويعرفه الجاهل والعالم . . ولكن دور الماء في الحقيقة أخطر وأبعد مدى من هذا الظاهر الذي يخاطب به القرآن الناس عامة . فقد شارك الماء ابتداء - بتقدير الله - في جعل تربة الأرض السطحية صالحة للإنبات [ إذا صحت النظريات التي تفترض أن سطح الأرض كان في فترة ملتهبا ، ثم صلبا لا توجد فيه التربة التي تنبت الزرع ، ثم تم ذلك بتعاون الماء والعوامل الجوية على تحويلها إلى تربة لينة ] ثم ظل الماء يشارك في إخصاب هذه التربة ، وذلك بإسقاط [ النتروجين - الأزوت ] من الجو كلما أبرق فاستخلصت الشرارة الكهربائية ، التي تقع في الجو ، النتروجين الصالح للذوبان في الماء ويسقط مع المطر ، ليعيد الخصوبة إلى الأرض . . وهو السماد الذي قلد الإنسان القوانين الكونية في صنعه ، فأصبح يصنعه الآن بنفس الطريقة ! وهو المادة التي يخلو وجه الأرض من النبات لو نفدت من التربة !

( فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا . ومن النخل من طلعها قنوان دانية . وجنات من أعناب . والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه ) . .

وكل نبت يبدأ أخضر . واللفظ ( خضر ) أرق ضلا ، وأعمق ألفة من لفظ " أخضر " . . هذا النبت الخضر ( يخرج منه حبا متراكبًا ) . . كالسنابل وأمثالها . ( ومن النخل من طلعها قنوان دانية ) . . وقنوان جمع قنو وهو الفرع الصغير . وفي النخلة هو العذق الذي يحمل الثمر . ولفظة ( قنوان ) ووصفها( دانية ) يشتركان في إلقاء ظل لطيف أليف . وظل المشهد كله ظل وديع حبيب . . ( وجنات من أعناب ) . . ( والزيتون والرمان ) . هذا النبات كله بفصائله وسلالاته – ( مشتبها وغير متشابه )- ( انظروا إلى ثمرة إذا أثمر وينعه ) . . انظروا بالحس البصير ، والقلب اليقظ . . انظروا إليه في ازدهاره ، وازدهائه ، عند كمال نضجه . انظروا إليه واستمتعوا بجماله . . لا يقول هنا ، كلوا من ثمره إذا أثمر ، ولكن يقول : ( انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه ) لأن المجال هنا مجال جمال ومتاع ، كما أنه مجال تدبر في آيات الله ، وبدائع صنعته في مجالي الحياة .

( إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ) . .

فالإيمان هو الذي يفتح القلب ، وينير البصيرة ، وينبه أجهزة الاستقبال والاستجابة في الفطرة ، ويصل الكائن الإنساني بالوجود ، ويدعو الوجدان إلى الإيمان بالله خالق الجميع . . وإلا فإن هناك قلوبا مغلقة ، وبصائر مطموسة ، وفطرا منتكسة ، تمر بهذا الإبداع كله ، وبهذه الآيات كلها ، فلا تحس بها ولا تستجيب . . ( إنما يستجيب الذين يسمعون ) ، وإنما يدرك هذه الآيات الذين يؤمنون !