{ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } أي : إن إرادة الله غالبة ، فإنه إذا أراد أن يغويكم ، لردكم الحق ، فلو حرصت غاية مجهودي ، ونصحت لكم أتم النصح - وهو قد فعل عليه السلام - فليس ذلك بنافع لكم شيئا ، { هُوَ رَبُّكُمْ } يفعل بكم ما يشاء ، ويحكم فيكم بما يريد { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازيكم بأعمالكم .
وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي يقول : ولا ينفعكم تحذيري عقوبته ونزول سطوته بكم على كفركم به ، إنْ أرَدْتُ أنْ أنْصَحَ لَكُمْ في تحذيري إياكم ذلك لأن نصحي لا ينفعكم لأنكم لا تقبلونه . إِنْ كَان اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُم ، يقول : إن كان الله يريد أن يهلككم بعذابه . هُوَ رَبّكُمْ وَإلَيْهِ تُرْجَعونَ يقول : وإليه تردّون بعد الهلاك . حُكي عن طيّىء أنها تقول : أصبح فلان غاويا : أي مريضا . وحُكي عن غيرهم سماعا منهم : أغويت فلانا ، بمعنى أهلكته ، وغَوِي الفصيل : إذا فقد اللبن فمات . وذكر أن قول الله : فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا أي هلاكا .
عَطَف على وعظهم بحلول العذاب وتوقعه بيانَ حال مجادلته إيّاهم التي امتعضوا منها بأنها مجادلة لنفعهم وصلاحهم ، وفي ذلك تعريض بتحميقهم وتسفيه آرائهم حيث كرهوا ما هو نفع لهم .
والنصح : قول أو عمل يريد صاحبه صلاح المعمول لأجله . وأكثر ما يطلق على الأقوال النافعة المنقذة من الأضرار . ويكون بالعمل كقوله تعالى : { إذا نصحوا لله ورسوله } في سورة [ التوبة : 91 ] . وفي الحديث : « الدين النصيحة لله ولرسوله » أي الإخلاص في العمل لهما لأنّ الله لا ينبّأ بشيء لا يعلمه . وقد تقدم في قوله تعالى : { ونصحتُ لكم ولكن لا تحبون النّاصحين } في سورة [ الأعراف : 79 ] . فالمراد بالنصح هنا هو ما سمّاه قومه بالجدال ، أي هو أولى بأن يسمّى نصحاً ، لأن الجدال يكون للخير والشر كما تقدم .
وجملة الشرط في قوله : { إن كان الله يريد أن يغويكم } هي المقصود من الكلام ، فجوابها في معنى قوله : { لا ينفعكم نصحي } ولكن نظم الكلام بني على الإخبار بعدم نفع النصح اهتماماً بذلك فجعل معطوفاً على ما قبله وأتي بالشرط قيداً له .
وأمّا قوله : { إن أردت أن أنصح لكم } فهو شرط معترض بين الشرط وبين دليل جوابه لأنه ليس هو المقصود من التعليق ولكنه تعليق على تعليق ، وغير مقصود به التقييد أصلاً ، فليس هذا من الشرط في الشروط المفروضة في مسائل الفقه وأصوله في نحو قول القائل : إن أكلت ، إن شربت فأنت طالق ، لأنها مفروضة في شرط مقيّد لشرط آخر . على أن المقصود إذا اجتمع فعلا الشرطين حصل مضمون جوابهما . ومثلوه بقول الشاعر :
إن تستغيثوا بنا إن تُذْعَروا تَجدوا *** مِنّا مَعاقِل عزّ زانها كرم
فأما قوله : { إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } فكل من الشرطين مقصود التعليق به . وقد حذف جواب أحدهما لدلالة جواب الآخر عليه .
والتعليق بالشرط في قوله : { إن أردت أن أنصح لكم } مؤذن بعزمه على تجديد النصح في المستقبل لأن واجبه هو البلاغ وإن كرهوا ذلك .
وأشار بقوله : { إن كان الله يريد أن يغويكم } إلى ما هم فيه من كراهية دعوة نوح عليه السلام سببه خذلان الله إيّاهم ولولاه لنفعهم نصحه ، ولكن نوحاً عليه السلام لا يعلم مراد الله من إغوائهم ولا مدى استمرار غوايتهم فلذلك كان عليه أن ينصح لهم إلى نهاية الأمر .
وتقدم الكلام على دخول اللام على مفعول ( نصح ) عند قوله تعالى : { إذا نصحوا لله ورسوله } في [ براءة : 91 ] .
والإغواء : جعل الشخص ذا غَواية ، وهي الضلال عن الحق والرشد .
وجملة هو ربكم } ابتدائية لتعليمهم أن الله ربهم إن كانوا لا يؤمنون بوجود الله ، أو لتذكيرهم بذلك إن كانوا يؤمنون بوجوده ويشركون معه وُدّاً ، وسوَاعاً ، ويغوث ، ويعوق ، ونسراً .
والتقديم في { وإليه ترجعون } للاهتمام ولرعاية الفاصلة وليس للقصر ، لأنهم لا يؤمنون بالبعث أصلاً بله أن يزعموا أنهم يُحْضرون إلى الله وإلى غيره .
وتمثلتْ فيما قصه الله من قصة نوح عليه السلام مع قومه صورة واضحة من تفكير أهل العقول السخيفة التي ران عليها الضلال فقلبَ أفكارها إلى اعوجاج فظيع ، وهي الصورة التي تتمثل في الأمم التي لم يثقّف عقولها الإرشاد الديني فغلب عليها الانسياق وراء داعي الهوى ، وامتلكها الغرور بظن الخطأ صواباً ، ومصانعة مَن تصأصىءُ عين بصيرته بلائح من النور ، من يدعوه إلى إغماضها وعدمت الوازع النفساني فلم تعبأ إلاّ بالصور المحوسة ولم تهتمّ إلا باللذات وحب الذات ولا تزن بمعيار النقد الصحيح خلوص النفوس من دَخَل النقائص .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.