{ 47-49 } { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }
يخبر تعالى عن حال يوم القيامة ، وما فيه من الأهوال المقلقة ، والشدائد المزعجة فقال : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ } أي : يزيلها عن أماكنها ، يجعلها كثيبا ، ثم يجعلها كالعهن المنفوش ، ثم تضمحل وتتلاشى ، وتكون هباء منبثا ، وتبرز الأرض فتصير قاعا صفصفا ، لا عوج فيه ولا أمتا ، ويحشر الله جميع الخلق على تلك الأرض ، فلا يغادر منهم أحدا ، بل يجمع الأولين والآخرين ، من بطون الفلوات ، وقعور البحار ، ويجمعهم بعدما تفرقوا ، ويعيدهم بعد ما تمزقوا ، خلقا جديدا ،
والظرف فى قوله : - تعالى - { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجبال } منصوب بفعل محذوف تقديره : " اذكر " .
والمراد بتسيير الجبال : اقتلاعها من أماكنها ، وصيرورتها كالعهن المنفوش .
أى : واذكر - أيها العاقل - لتعتبر وتتعظ ، أهوال يوم القيامة ، يوم نقتلع الجبال من أماكنها ، ونذهب بها حيث شئنا ، ونجعلها فى الجو كالسحاب ، كما قال - سبحانه - : { وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب } وكما قال - عز وجل - : { وَسُيِّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً } وقوله : { وَتَرَى الأرض بَارِزَةً . . } بيان لحالة ثانية من أهوال يوم القيامة .
أى : وترى - أيها المخاطب - الأرض ظاهرة للأعين دون أن يسترها شئ من جبل ، أو شجر ، أو بنيان .
يقال : برز الشئ برزوا ، أى : خرج إلى البراز - بفتح الباء - أى : الفضاء وظهر بعد الخفاء .
قال - تعالى - : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الواقعة } ثم بين - سبحانه - حالة ثالثة من أهوال يوم القيامة فقال : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } .
أى : وحشرنا الخلائق جميعا ، بأن جمعناهم فى المكان المحدد لجمعهم ، دون أن نترك منهم أحدا ، بل أخرجناهم جميعا من قبورهم لنحاسبهم على أعمالهم .
والفعل { نغادر } من المغادرة بمعنى الترك ، ومنه الغدر لأنه ترك الوفاء والأمانة وسمى الغدير من الماء غديرا ، لأن السيل ذهب وتركه .
( ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة ، وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا . وعرضوا على ربك صفا . لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ، بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا . ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ؛ ويقولون : يا ويلتنا ! مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ? ووجدوا ما عملوا حاضرا ، ولا يظلم ربك أحدا ) .
إنه مشهد تشترك فيه الطبيعة ويرتسم الهول فيه على صفحاتها وعلى صفحات القلوب . مشهد تتحرك فيه الجبال الراسخة فتسير ، فكيف بالقلوب ، وتتبدى فيه الأرض عارية ، وتبرز فيه صفحتها مكشوفة لا نجاد فيها ولا وهاد ، ولا جبال فيها ولا وديان . وكذلك تتكشف خبايا القلوب فلا تخفى منها خافية .
ومن هذه الأرض المستوية المكشوفة التي لا تخبى ء شيئا ، ولا تخفي أحدا : ( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) .
{ ويوم نسيّر الجبال } واذكر يوم نقلعها ونسيرها في الجو ، أو نذهب بها فنجعلها هباء منبثا . ويجوز عطفه على { عند ربك } أي الباقيات الصالحات خير عند الله ويوم القيامة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير بالتاء والبناء للمفعول وقرئ " تسير " من سارت . { وترى الأرض بارزة } بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها ، وقرئ " وترى " على بناء المفعول . { وحشرناهم } وجمعناهم إلى الموقف ، ومجيئه ماضيا بعد { نسير } { وترى } لتحقق الحشر أو للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير ليعاينوا ويشاهدوا ما وعد لهم ، وعلى هذا تكون الواو للحال بإضمار قد . { فلم نغادر } فلم نترك . { منهم أحدا } يقال غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر لترك الوفاء والغدير لما غادره السيل ، وقرئ بالياء .
وقوله تعالى : { ويوم نسير الجبال } الآية التقدير : واذكر يوم ، وهذا أفصح ما يتأول في هذا هنا ، وقرأ نافع والأعرج وشيبة وعاصم وابن مصرف وأبو عبد الرحمن «نسير » بنون العظمة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحسن وشبل وقتادة وعيسى : «تسيَّر » بالتاء ، وفتح الياء المشددة «الجبالُ » رفع ، وقرأ الحسن : «يُسيَّر » بياء مضمونة ، والثانية مفتوحة مشددة ، «الجبال » رفعاً ، وقرأ ابن محيصن «تَسِير » : بتاء مفتوحة وسين مكسورة ، أسند الفعل إلى «الجبال » ، وقرأ أبي بن كعب «ويوم سيرت الجبال » .
وقوله { بارزة } إما أن يريد أن الأرض ، لذهاب الجبال والظراب والشجر ، برزت وانكشفت ، وإما أن يريد : بروز أهلها ، والمحشورين من سكان بطنها { وحشرناهم } أي أقمناهم من قبورهم ، وجعلناهم لعرضة القيامة ، وقرأ الجمهور «نغادر » بنون العظمة ، وقرأ قتادة : «تغادر » على الإسناد إلى القدرة أو إلى الأرض ، وروى أبان بن يزيد عن عاصم : «يغادَر » بياء وفتح الدال «أحدُ » بالرفع ، وقرأ الضحاك «فلم نُغْدِر » بنون مضمومة وكسر الدال وسكون الغين ، والمغادرة : الترك ، ومنه غدير الماء ، وهو ما تركه السيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.