المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (251)

251- فهزموا عدوهم بإذن الله تعالى وقتل داود - وهو أحد جنود طالوت - جالوت قائد الكفار ، وأعطاه الله الحكم بعد طالوت والنبوة والعلم النافع وعلمه مما يشاء ، وسنة الله أن ينصر الذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون ، ولولا أن الله يسلط جنوده على المفسدين لمحو فسادهم ، ويسلط الأشرار بعضهم على بعض ، ما عمرت الأرض ، ولكن الله دائم الإحسان والفضل على عباده .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (251)

فاستجاب الله لهم ذلك الدعاء لإتيانهم بالأسباب الموجبة لذلك ، ونصرهم عليهم { فهزموهم بإذن الله وقتل داود } عليه السلام ، وكان مع جنود طالوت ، { جالوت } أي : باشر قتل ملك الكفار بيده لشجاعته وقوته وصبره { وآتاه الله } أي : آتى الله داود { الملك والحكمة } أي : منَّ عليه بتملكه على بني إسرائيل مع الحكمة ، وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم ، ولهذا قال { وعلمه مما يشاء } من العلوم الشرعية والعلوم السياسية ، فجمع الله له الملك والنبوة ، وقد كان من قبله من الأنبياء يكون الملك لغيرهم ، فلما نصرهم الله تعالى اطمأنوا في ديارهم وعبدوا الله آمنين مطمئنين لخذلان أعدائهم وتمكينهم من الأرض ، وهذا كله من آثار الجهاد في سبيله ، فلو لم يكن لم يحصل ذلك فلهذا قال تعالى : { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض } أي : لولا أنه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها وإقامتهم شعائر الكفر ومنعهم من عبادة الله تعالى ، وإظهار دينه { ولكن الله ذو فضل على العالمين } حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم والمدافعة عنهم ومكنهم من الأرض بأسباب يعلمونها ، وأسباب لا يعلمونها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (251)

فماذا كانت نتيجة هذا الدعاء الخاشع الخالص ؟ كانت نتيجته النصر المؤزر الذي حكاه القرآن في قوله : { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ الله } .

وأصل الهزم في اللغة الكسر .

ومنه سقاء منهزم أي انثنى بعضه على بعض مع الجفاف . ويقال للسحاب هزيم ، لأنه يتشقق بالمطر . والفاء هنا فصيحة أو سببه أي أنهم بسبب دعائهم المخلص ، وإيمانهم القوى ، واستجابتهم لما أمرهم الله به ، استطاعوا أن يكسروا أعداءهم ويهزموهم ، وقوله ، { بِإِذْنِ الله } أي بتوفيقه وتيسيره وتأييده . والباء إما للاستعانة والسببية وإما للمصاحبة . ثم قال - تعالى - : { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ } أي : وقتل داود بن إيشا - وكان في جيش طالوت - جالوت الذي كان يقود جيش الكفر ، وبقتله مزق أتباعه شر ممزق ، ورزق الله طالوت ومن معه النصر والغلبة .

ثم بين - سبحانه - ما منحه لداود من نعم فقال : { وَآتَاهُ الله الملك والحكمة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } والحكمة المراد بها هنا النبوة ، ولم يجتمع الملك والنبوة لأحد قبله في بني إسرائيل ، وورثه فيهما ابنه سليمان - عليه السلام - .

أي : وأعطى الله - تعالى - عبده داود ملك بني إسرائيل وأعطاه النبوة التي هي أشرف من الملك زيادة في ترقيته في درجات الشرف والكمال ، وعلمه - سبحانه - مما يشاء من فنون العلم ، ومن أمور الدين والدنيا كمعرفته لغة الطيور ، وكلام الدواب ، وصناعة آلات الحرب وغير ذلك من ألوان العلوم المختلفة التي لا تحدها إلا مشيئة الله وإرادته .

وفي قوله - تعالى - : { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } بعد الإِخبار بأنه - سبحانه - آتى داود الحكمة ، إشعار بأن الإِنسان لا يستغني عن التعلم سواء أكان نبيا أم لم يكن ، لأن داود - عليه السلام - مع حصولة على النبوة لم يستغن عن تعليم الله إياه ، وقد أمر الله - تعالى - نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يلتمس المزيد من العلم فقال : { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر فضله على عباده فقال : { وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض } .

أي : ولولا أن الله - تعالى - يدفع أهل الباطل بأهل الحق ، لفسدت الأرض ، وعمها الخراب لأن أهل الفساد إذا تركوا من غير أن يقاوموا استطارت شرورهم ، وتغلبوا على أهل الصلاح والاستقامة ، وتعطلت مصالح الناس ، وانتشر الفساد في الأرض .

فلولا في الجملة الكريمة حرف امتناع لوجود . أي : امتنع فساد الأرض لأجل وجود دفع الناس بعضهم ببعض .

فالجملة الكريمة تأمر في كل زمان ومكان أن يقفوا في وجوه الأشرار ، وأن يقاوموهم بكل وسيلة من شأنها أن تحول بينهم وبين الفساد والطغيان .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { ولكن الله ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين } .

أي : ولكن الله - تعالى - صاحب فضل عظيم ، وإنعام كبير على الناس أجمعين ، لأنه وضع لهم هذا التنظيم الحكيم الذي أوجب فيه على المصلحين أن يدافعوا المفسدين ، وأن يقاوموهم بالطريقة التي تمنع فسادهم حتى ولو أدى ذلك إلى رفع السلاح في وجوههم ، لأن السكوت عن فساد المفسدين سيؤدي إلى العقاب الذي يعمهم ويصيب معهم المصلحين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (251)

243

وكانت النتيجة هي التي ترقبوها واستيقنوها : ( فهزموهم بإذن الله ) . . ويؤكد النص هذه الحقيقة : ( بإذن الله ) . . ليعلمها المؤمنون أو ليزدادوا بها علما . وليتضح التصور الكامل لحقيقة ما يجري في هذا الكون ، ولطبيعة القوة التي تجريه . . إن المؤمنين ستار القدرة ؛ يفعل الله بهم ما يريد ، وينفذ بهم ما يختار . . بإذنه . . ليس لهم من الأمر شيء ، ولا حول لهم ولا قوة ، ولكن الله يختارهم لتنفيذ مشيئته ، فيكون منهم ما يريده بإذنه . . وهي حقيقة خليقة بأن تملأ قلب المؤمن بالسلام والطمأنينة واليقين . . إنه عبد الله . اختاره الله لدوره . وهذه منة من الله وفضل . وهو يؤدي هذا الدور المختار ، ويحقق قدر الله النافذ . ثم يكرمه الله - بعد كرامة الاختيار - بفضل الثواب . . ولولا فضل الله ما فعل ، ولولا فضل الله ما أثيب . . ثم إنه مستيقن من نبل الغاية وطهارة القصد ونظافة الطريق . . فليس له في شيء من هذا كله أرب ذاتي ، إنما هو منفذ لمشيئة الله الخيرة قائم بما يريد . استحق هذا كله بالنية الطيبة والعزم على الطاعة والتوجه إلى الله في خلوص .

ويبرز السياق دور داود :

( وقتل داود جالوت ) . .

وداود كان فتى صغيرا من بني إسرائيل . وجالوت كان ملكا قويا وقائدا مخوفا . . ولكن الله شاء أن يرى القوم وقتذاك أن الأمور لا تجري بظواهرها ، إنما تجري بحقائقها . وحقائقها يعلمها هو . ومقاديرها في يده وحده . فليس عليهم إلا أن ينهضوا هم بواجبهم ، ويفوا الله بعهدهم . ثم يكون ما يريده الله بالشكل الذي يريده . وقد أراد أن يجعل مصرع هذا الجبار الغشوم على يد هذا الفتى الصغير ، ليرى الناس أن الجبابرة الذين يرهبونهم ضعاف ضعاف يغلبهم الفتية الصغار حين يشاء الله أن يقتلهم . . وكانت هنالك حكمة أخرى مغيبة يريدها الله . فلقد قدر أن يكون داود هو الذي يتسلم الملك بعد طالوت ، ويرثه إبنه سليمان ، فيكون عهده هو العهد الذهبي لبني إسرائيل في تاريخهم الطويل ؛ جزاء انتفاضة العقيدة في نفوسهم بعد الضلال والانتكاس والشرود :

( وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ) . .

وكان داود ملكا نبيا ، وعلمه الله صناعة الزرد وعدة الحرب مما يفصله القرآن في مواضعه في سور أخرى . . أما في هذا الموضع فإن السياق يتجه إلى هدف آخر من وراء القصة جميعا . . وحين ينتهي إلى هذه الخاتمة ، ويعلن النصر الأخير للعقيدة الواثقة لا للقوة المادية ، وللإرادة المستعلية لا للكثرة العددية . . حينئذ يعلن عن الغاية العليا من اصطراع تلك القوى . . إنها ليست المغانم والأسلاب ، وليست الأمجاد والهالات . . إنما هو الصلاح في الأرض ، وإنما هو التمكين للخير بالكفاح مع الشر :

( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض . ولكن الله ذو فضل على العالمين )

وهنا تتوارى الأشخاص والأحداث لتبرز من خلال النص القصير حكمة الله العليا في الأرض من اصطراع القوى وتنافس الطاقات وانطلاق السعي في تيار الحياة المتدفق الصاخب الموار . وهنا تتكشف على مد البصر ساحة الحياة المترامية الأطراف تموج بالناس ، في تدافع وتسابق وزحام إلى الغايات . . ومن ورائها جميعا تلك اليد الحكيمة المدبرة تمسك بالخيوط جميعا ، وتقود الموكب المتزاحم المتصارع المتسابق ، إلى الخير والصلاح والنماء ، في نهاية المطاف . .

لقد كانت الحياة كلها تأسن وتتعفن لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض . ولولا أن في طبيعة الناس التي فطرهم الله عليها أن تتعارض مصالحهم واتجاهاتهم الظاهرية القريبة ، لتنطلق الطاقات كلها تتزاحم وتتغالب وتتدافع ، فتنفض عنها الكسل والخمول ، وتستجيش ما فيها من مكنونات مذخورة ، وتظل أبدا يقظة عاملة ، مستنبطة لذخائر الأرض مستخدمة قواها وأسرارها الدفينة . . وفي النهاية يكون الصلاح والخير والنماء . . يكون بقيام الجماعة الخيرة المهتدية المتجردة . تعرف الحق الذي بينه الله لها . وتعرف طريقها إليه واضحا . وتعرف أنها مكلفة بدفع الباطل وإقرار الحق في الأرض . وتعرف أن لا نجاة لها من عذاب الله إلا أن تنهض بهذا الدور النبيل ، وإلا أن تحتمل في سبيله ما تحتمل في الأرض طاعة لله وابتغاء لرضاه . .

وهنا يمضي الله أمره ، وينفذ قدره ، ويجعل كلمة الحق والخير والصلاح هي العليا ، ويجعل حصيلة الصراع والتنافس والتدافع في يد القوة الخيرة البانية ، التي استجاش الصراع أنبل ما فيها وأكرمه . وأبلغها أقصى درجات الكمال المقدر لها في الحياة .

ومن هنا كانت الفئة القليلة المؤمنة الواثقة بالله تغلب في النهاية وتنتصر . ذلك أنها تمثل إرادة الله العليا في دفع الفساد عن الأرض ، وتمكين الصلاح في الحياة . إنها تنتصر لأنها تمثل غاية عليا تستحق الانتصار .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (251)

{ فهزموهم بإذن الله } فكسروهم بنصره ، أو مصاحبين لنصره إياهم إجابة لدعائهم . { وقتل داود جالوت } قيل كان إيشا في عسكر طالوت معه ستة من بنيه ، وكان داود سابعهم وكان صغيرا يرعى الغنم ، فأوحى الله إلى نبيهم أنه الذي يقتل جالوت فطلبه من أبيه فجاء وقد كلمه في الطريق ثلاثة أحجار وقالت له : إنك بنا تقتل جالوت ، فحملها في مخلاته ورماه بها فقتله ثم زوجه طالوت بنته . { وآتاه الله الملك } أي ملك بني إسرائيل ولم يجتمعوا قبل داود على ملك . { والحكمة } أي النبوة . { وعلمه مما يشاء } كالسرد وكلام الدواب والطير . { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين } ولولا أنه سبحانه وتعالى يدفع بعض الناس ببعض وينصر المسلمين على الكفار ويكف بهم فسادهم ، لغلبوا وأفسدوا في الأرض ، أو لفسدت الأرض بشؤمهم . وقرأ نافع هنا وفي الحج " دفاع الله " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (251)

والهزم أصله أن يضرب الشيء فيدخل بعضه في بعض ، وكذلك الجيش الذي يرد يركب ردعه( {[1]} ) ، ثم قيل في معنى الغلبة : هزم ، وكان جالوت أمير العمالقة وملكهم ، وكان فيما روي في ثلاثمائة ألف فارس .

وروي في قصة داود وقتله جالوت ، أن أصحاب طالوت كان فيهم إخوة داود وهم بنو إيشى ، وكان داود صغيراً يرعى غنماً لأبيه ، فلما حضرت الحرب قال في نفسه : لأذهبن لرؤية هذه الحرب ، فلما نهض مر في طريقه بحجر فناداه : يا داود ، خذني فبي تقتل جالوت ، ثم ناداه حجر آخر ، ثم آخر ، ثم آخر فأخذها وجعلها في مخلاته وسار ، فلما حضر الناس ، خرج جالوت يطلب مبارزاً فكع الناس عنه حتى قال طالوت : من يبرز له ويقتله فأنا أزوجه بنتي وأحكمه في مالي ، فجاء داود ، فقال : أنا أبرز له وأقتله ، فقال له طالوت : فاركب فرسي ، وخذ سلاحي ، ففعل ، وخرج في أحسن شكة فلما مشى قليلاً رجع . فقال الناس : جبن الفتى ، فقال داود : إن الله إن لم يقتله لي ويعني عليه لم ينفعني هذا الفرس ولا هذا السلاح ، ولكني أحب أن أقاتله على عادتي .

قال : وكان داود من أرمى الناس بالمقلاع ، فنزل وأخذ مخلاته فتقلدها وأخذ مقلاعه ، وخرج إلى جالوت وهو شاك في سلاحه( {[2]} ) ، فقال له جالوت : أنت يا فتى تخرج إليّ ، قال : نعم ، قال : هكذا كما يخرج إلى الكلب ، قال : نعم وأنت أهون . قال : لأطعمن اليوم لحمك الطير والسباع ، ثم تدانيا فأدار داود مقلاعه ، وأدخل يده إلى الحجارة فروي أنها التأمت فصارت حجراً واحداً فأخذه فوضعه في المقلاع وسمى الله وأداره ورماه فأصاب به رأس جالوت فقتله ، وحز رأسه وجعله في مخلاته واختلط الناس وحمل أصحاب طالوت وكانت الهزيمة ، ثم إن داود جاء يطلب شرطه من طالوت ، فقال له : إن بنات الملوك لهن غرائب من المهر ، ولا بد لك من قتل مائتين من هؤلاء الجراجمة( {[3]} ) الذين يؤذون الناس ، وتجيئني بغلفهم وطمع طالوت أن يعرض داود للقتل بهذه النزعة فقتل داود منهم مائتين ، وجاء بذلك وطلب امرأته فدفعها إليه طالوت ، وعظم أمر داود ، فيروى أن طالوت تخلى له عن الملك وصار هو الملك ، ويروى أن بني إسرائيل غلبت طالوت على ذلك بسبب أن داود قتل جالوت ، وكان سبب الفتح ، وروي أن طالوت أخاف داود حتى هرب منه فكان في جبل إلى أن مات طالوت فذهبت بنو إسرائيل إلى داود فملكته أمرها ، وروي أن نبي الله سمويل أوحى الله إليه أن يذهب إلى إيشى ويسأله أن يعرض عليه بنيه فيدهن الذي يشار إليه بدهن القدس ويجعله ملك بني إسرائيل .

والله أعلم أي ذلك كان ، غير أنه يقطع من ألفاظ الآية على أن داود صار ملك بني إسرائيل . وقد روي في صدر هذه القصة : أن داود كان يسير في مطبخة طالوت ثم كلمه حجر فأخذه فكان ذلك سبب قتله جالوت ومملكته ، وقد أكثر الناس في قصص هذه الآية ، وذلك كله لين الأسانيد ، فلذلك انتقيت منه ما تنفك به الآية وتعلم به مناقل( {[4]} ) النازلة واختصرت سائر ذلك ، وأما الحكمة التي آتاه الله فهي النبوة والزبور وقال السدي : آتاه الله ملك طالوت ونبوة شمعون والذي علمه هي صنعة الدروع ومنطق الطير وغير ذلك من أنواع علمه صلى الله عليه وسلم .

قوله عز وجل :

{ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ }

أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لولا دفعه بالمؤمنين( {[5]} ) في صدور الكفرة على مر الدهر { لفسدت الأرض } ، لأن الكفر كان يطبقها ويتمادى في جميع أقطارها ، ولكنه تعالى لا يخلي الزمان من قائم بحق ، وداع إلى الله ومقاتل عليه ، إلى أن جعل ذلك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ، له الحمد كثيراً . قال مكي : وأكثر المفسرين على أن المعنى لولا أن الله يدفع بمن يصلي عمن لا يصلي وبمن يتقي عمن لا يتقي لأهلك الناس بذنوبهم( {[6]} ) .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وليس هذ المعنى الآية ولا هي منه في ورد ولا صدر ، والحديث الذي رواه ابن عمر صحيح( {[7]} ) ، وما ذكر مكي من احتجاج ابن عمر عليه بالآية لا يصح عندي لأن ابن عمر من الفصحاء ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير : { ولولا دفع الله } ، وفي الحج { إن الله يدفع } [ الآية : 38 ] ، وقرأ نافع «ولولا دفاع الله » ، «وإن الله يدافع » ، وقرأ الباقون { ولولا دفع الله } «وإن الله يدافع » ففرقوا بينهما ، والدفاع ، يحتمل أن يكون مصدر دفع ككتب كتاباً ولقي لقاء ، ويحتمل أن يكون مصدر دافع كقاتل قتالاً .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.
[6]:- رواه الترمذي وصححه، والإمام أحمد ولفظه: (الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني)، وهذا الحديث يرد على القولين معا.
[7]:- رواه الإمام أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، ونص الترمذي: (والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها. وإنها السبع من المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيته)، وقد يكون هذا الحديث سندا لما اعتاده الناس من قراءة الفاتحة، وقد أخرج أبو الشيخ في الثواب عن عطاء قال: إذا أردت حاجة فاقرأ فاتحة الكتاب حتى تختمها تقض إن شاء الله، نقله الجلال السيوطي. وللغزالي في الانتصار ما نصه: فاستنزل ما عند ربك وخالقك من خير، واستجلب ما تؤمله من هداية وبر، بقراءة السبع المثاني المأمور بقراءتها في كل صلاة، وتكرارها في كل ركعة، وأخبر الصادق المصدوق أن ليس في التوراة ولا في الإنجيل والفرقان مثلها، قال الشيخ زروق: وفيه تنبيه بل تصريح أن يكثر منها لما فيها من الفوائد والذخائر. انتهى.