تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (251)

فلما التقى الجمعان وطالوت في قلة وجالوت في كثرة ، عمد داود ، عليه السلام ، فقام بحيال جالوت ، لا يقوم ذلك المكان إلا من يريد قتال جالوت ، فجعل الناس يسخرون من داود حين قام بحيال جالوت ، وكان جالوت من قوم عاد عليه بيضة فيها ثلاثمائة رطل ، فقال جالوت : من أين هذا الفتى ؟ ارجع ويحك ، فإني أراك ضعيفا ، ولا أرى لك قوة ، ولا أرى معك سلاحا ، ارجع فإني أرحمك ، فقال داود ، عليه السلام : أنا أقتلك بإذن الله عز وجل ، فقال جالوت : بأي شيء تقتلني ؟ وقد قمت مقام الأشقياء ، ولا أرى معك سلاحا إلا عصاك هذه ، هلم فاضربني بها ما شئت ، وهي عصاه التي كان يرد بها غنمه ، قال داود : أقتلك بإذن الله بما شاء الله .

فتقدم جالوت ليأخذه بيده مقتدرا عليه في نفسه ، وقد صارت الحجارة الثلاثة حجرا واحدا ، فلما دنا جالوت من داود ، أخرج الحجر من مخلاته ، وألقت الريح البيضة عن رأسه ، فرماه فوقع الحجر في دماغه حتى خرج من أسفله ، وانهزم الكفار ، وطالوت ومن معه وقوف ينظرون ، فذلك قوله سبحانه : { فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت } بحذافة فيها حجر واحد ، وقتل معه ثلاثون ألفا ، وطلب داود نصف مال طالوت ونصف ملكه ، فحسده طالوت على صنيعه وأخرجه ، فذهب داود حتى نزل قرية من قرى بني إسرائيل وندم طالوت على صنيعه ، فقال في نفسه : عمدت إلى خير أهل الأرض بعثه الله عز وجل لقتل جالوت فطردته ، ولم أف له ، وكان داود ، عليه السلام ، أحب إلى بني إسرائيل من طالوت .

فانطلق في طلب داود ، فطرق امرأة ليلا من قدماء بني إسرائيل تعلم اسم الله الأعظم ، وهي تبكي على داود فضرب بابها ، فقالت : من هذا ؟ قال : أنا طالوت ، فقالت : أنت أشقى الناس وأشرهم ، هل تعلم ما صنعت ؟ طردت داود النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أمره من الله عز وجل ، وكانت لك آية فيه من أمر الدرع وصفة أشماويل وظهوره على جالوت ، وقتل الله عز وجل به أهل الأوثان فانهزموا ، ثم غدرت بداود وطردته ، هلكت يا شقي ، فقال لها : إنما أتيتك لأسألك ما توبتي ؟ قالت : توبتك أن تأتي مدينة بلقاء ، فتقاتل أهلها وحدك ، فإن افتتحتها ، فهي توبتك ، فانطلق طالوت ، فقاتل أهل بلقاء وحده ، فقتل وعمدت بنو إسرائيل إلى داود ، عليه السلام ، فردوه وملكوه ، ولم يجتمع بنو إسرائيل لملك قط غير داود عليه السلام ، فكانوا اثنى عشر سبطا ، لكل سبط ملك بينهم ، فذلك قوله تبارك وتعالى : { فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت } .

{ وآتاه الله الملك } ، يعني ملكه اثنا عشر سبطا ، { والحكمة } يعني الزبور ، { وعلمه مما يشاء } ، علمه صنعة الدروع ، وكلام الدواب والطير ، وتسبيح الجبال ، { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } ، يقول الله سبحانه : لولا دفع الله المشركين بالمسلمين ، لغلب المشركون على الأرض ، فقتلوا المسلمين ، وخرجوا المساجد والبيع والكنائس والصوامع ، فذلك قوله سبحانه : { لفسدت الأرض } ، يقول : لهلكت الأرض نظيرها : { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها } ( النمل : 34 ) ، يعني أهلكوها ، { ولكن الله ذو فضل على العالمين } في الدفع عنهم .