هزم : كسر الشيء ورد بعضه على بعض ، وتقول العرب : هزمت على زيد : عطفت عليه .
هزمتُ عليكِ اليوم يا ابنة مالك***
داود : اسم أعجمي منع الصرف للعلمية والعجمة ، وهو هنا : أبو سليمان ، على نبينا وعليهما السلام ، وهو داود بن إيسا ، بكسر الهمزة ، ويقال داود بن زكريا بن ينوى ، من سبط يهود بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم ، على نبينا وعليهم السلام .
الدفع : الصرف : دفع يدفع دفعاً ، ودافع مدافعة ودفاعاً .
{ فهزموهم باذن الله } أي : فغلبوهم بتمكين الله .
{ وقتل داود جالوت } طوَّل المفسرون في قصة كيفية قتل داود لجالوت ، ولم ينص الله على شيء من الكيفية ، وقد اختصر ذلك السجاوندي اختصاراً يدل على المقصود ، فقال : كان أصغر بنيه ، يعني بني إيشا ، والد داود ، الثلاثة عشر .
وكان مخلفاً في الغنم ، وأوحى إلى نبيهم أن قَاتِلَ جالوت من استوت عليه من ولد إيشا درعٌ عند طالوت ، فلم تستو إلاَّ على داود ، وقيل : لما برز جالوت نادى طالوت : من قتل جالوت أشاطره ملكي وأزوجه بنتي ، فبرز داود ورماه بحجر في قذافة فنفذ من بين عينيه إلى قفاه وأصاب عسكره ، فقتل جماعة وانهزموا ، ثم ندم طالوت من شرطه بعد الوفاء ، وهم بقتل داود ، ومات تائباً قاله الضحاك .
وقال وهب : ندم قبل الوفاء ومات عاصياً ، وقيل : أصاب داود موضع أنف جالوت ، وقيل : تفتت الحجر حتى أصاب كل من في العسكر شيء منه ، كالقبضة التي رمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين .
وقال الزمخشري : كان أبو داود في عسكر طالوت مع ستة من بنيه ، وكان داود سابعهم وهو صغير يرعى الغنم ، فأوحى إلى شمويل أن داود بن إيشا يقتل جالوت ، فطلبه من أبيه ، فجاء وقد مرّ في طريقه بثلاثة أحجار دعاه كل واحد منها أن يحمله ، وقالت له : إنك تقتل بنا جالوت ، فحملها في مخلاته ، ورمى بها جالوت فقتله ، وزوجه طالوت بنته ، وروي أنه حسده وأراد قتله ، ثم تاب . انتهى .
وروي : أن داود كان من أرمى الناس بالمقلاع ، وروي : أن الاحجار التأمت في المخلاة فصارت حجراً واحداً .
{ وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء } روي أن طالوت تخلى لداود عن الملك ، فصار الملك .
وروي : أن بني إسرائيل غلبت طالوت على ذلك بسبب قتل داود جالوت ، وروي أن طالوت أخاف داود فهرب منه ، فكان في جبل إلى أن مات طالوت ، فملكته بنو إسرائيل ، قال الضحاك ، والكلبي : ملك داود بعد قتل جالوت سبع سنين ، فلم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلاَّ على داود .
واختلف أكان داود نبياً عند قتل جالوت أم لا ؟ فقيل : كان نبياً ، لأن خوارق العادات لا تكون إلاَّ من الأنبياء .
وقال الحسن : لم يكن نبياً لأنه لا يجوز أن يتولى من ليس بنبي على نبي ، والحكمة وضع الأمور مواضعها على الصواب ، وكمال ذلك إنما يحصل بالنبوّة ، ولم يكن ذلك لغيره قبله ، كان الملك في سبط والنبوّة في سبط ، فلما مات شمويل وطالوت اجتمع لداود الملك والنبّوة .
وقال مقاتل : الحكمة الزبور ، وقيل : العدل في السيرة ؟ وقيل : الحكمة العلم والعمل به .
وقال الضحاك : هي سلسلة كانت متدلية من السماء لا يمسكها ذو عاهة إلاَّ برىء ، يتحاكم إليها ، فمن كان محقاً تمكن منها حتى إن رجلاً كانت عنده درة لرجل ، فجعلها في عكازته ودفعها إليه أن احفظها حتى أمس السلسلة ، فتمكن منها لأنه ردها ، فرفعت لشؤم احتياله .
وإذا كانت الحكمة كان ذكر الملك قبلها .
{ وعلمه مما يشاء } قيل : صنعة الدروع ، وقيل : منطق الطير وكلامه للنحل والنمل ، وقيل : الزبور ، وقيل : الصوت الطيب والألحان ، قيل : ولم يعط الله أحداً من خلقه مثل صوته ، كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يأخذ بأعناقها ، وتظله الطير مصيخة له ، ويركد الماء الجاري ، وتسكن الريح ، وما صنعت المزامير والصنوج إلاَّ على صوته .
وقيل : { مما يشاء } فعل الطاعات والأمر بها ، واجتناب المعاصي .
والضمير الفاعل في : يشاء عائد على داود أي : مما يشاء داود .
{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض } قرأ نافع ، ويعقوب ، وسهل : ولولا دفاع ، وهو مصدر دفع ، نحو : كتب كتاباً أو مصدر دافع بمعنى دفع .
وقرأ الباقون : دفع ، مصدر دفع ، كضرب ضرباً .
والمدفوع بهم جنود المسلمين ، والمدفوعون المشركون ، ولفسدت الأرض بقتل المؤمنين وتخريب البلاد والمساجد ، قال معناه ابن عباس ، وجماعة من المفسرين .
أو الأبدال وهم أربعون ، كلما مات واحد أقام الله واحداً بدل آخر ، وعند القيامة يموتون كلهم : إثنان وعشرون بالشام ، وثمانية عشر بالعراق .
وروى حديث الأبدال عن علي وأبي الدرداء ، ورفعا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أو المذكورون في حديث : « لولا عباد ركَّع ، وأطفال رضع وبهائم رتع لصبَّ عليكم العذاب صبا » أو : من يصلي ومن يزكي ومن يصوم يدفع بهم عمن لا يفعل ذلك ، أو : المؤمن يدفع به عن الكافر كما يبتلى المؤمن بالكافر ، قاله قتادة ، أو : الرجل الصالح يدفع به عن ما به من أهل بيته وجيرانه البلاء ، أو : الشهود الذين يستخرج بهم الحقوق ، قاله الثوري ، أو : السلطان ، أو : الظالم يدفع يد الظالم ، أو : داود دفع به عن طالوت ولا ذلك غلبت العمالقة على بني إسرائيل ، فيكون : الناس ، عاماً والمراد الخصوص .
والذي يظهر : أن المدفوع بهم هم المؤمنون ، ولولا ذلك لفسدت الأرض ، لأن الكفر كان يطبقها ويتمادى في جميع أقطارها ، ولكنه تعالى لا يخلي زماناً من قائم يقوم بالحق ويدعو إلى الله تعالى ، إلى أن جعل ذلك في أمّة محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال الزمخشري : لولا أن الله يدفع بعض الناس ببعض ، ويكف بهم فسادهم ، لغلب المفسدون ، وفسدت الأرض ، وبطلت منافعها ، وتعطلت مصالحها من الحرث والنسل وسائر ما يعمر الأرض .
انتهى . وهو كلام حسن ، والذي قبله كلام ابن عطية .
والمصدر الذي هو : دفع ، أو : دفاع ، مضاف إلى الفاعل ، وبعضهم بدل من الناس ، وهو بدل بعض من كل ، والباء في : ببعض ، متعلق بالمصدر والباء فيه للتعدية فهو مفعول ثان للمصدر ، لأن دفع يتعدى إلى واحد ثم عدى إلى ثان بالباء ، وأصل التعدية بالباء ، وأصل التعدية بالباء أن يكون ذلك في الفعل اللازم : نحو : { لذهب بسمعهم } فإذا كان متعدياً فقياسه أن يعدى بالهمزة ، تقول : طعم زيد اللحم ، ثم تقول أطعمت زيداً اللحم ، ولا يجوز أن تقول : طعمت زيداً باللحم ، وإنما جاء ذلك قليلاً بحيث لا ينقاس ، من ذلك : دفع ، وصك ، تقول : صك الحجر الحجر ، وتقول : صككت الحجر بالحجر ، أي جعلته يصكه .
وكذلك قالوا : صككت الحجرين أحدهما بالآخر نظير : { دفع الله الناس بعضهم ببعض } فالباء للتعدية كالهمزة .
قال سيبويه ، وقد ذكر التعدية بالهمزة والتضعيف ما نصه : وعلى ذلك دفعت الناس بعضهم ببعض ، على حد قولك : ألزمت ، كأنك قلت في التمثيل : أدفعت ، كما أنك تقول : أذهبت به ، وأذهبته من عندنا ، وأخرجته ، وخرجت به معك ، ثم قال سيبويه : صككت الحجرين أحدهما بالآخر على أنه مفعول من قولك : اصطك الحجران أحدهما بالأخر ، ومثل ذلك : ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض .
ولا يبعد في قولك : دفعت بعض الناس ببعض ، أن تكون الباء للآلة ، فلا يكون المجرور بها مفعولاً به في المعنى ، بل الذي يكون مفعولاً به هو المنصوب ، وعلى قول سيبويه يكون المنصوب مفعولاً به في اللفظ فاعلاً من جهة المعنى وعلى أن تكون الباء للآلة يصح نسبة الفعل إليها على سبيل المجاز ، كما أنك تقول في : كتبت بالقلم ، كتبت القلم .
وأسند الفساد إلى الارض حقيقة : بالخراب ، وتعطيل المنافع ، أو مجازاً : والمراد أهلها .
{ ولكن الله ذو فضل على العالمين } وجه الاستدراك هنا هو أنه لما قسم الناس إلى مدفوع به ومدفوع ، وأنه بدفعه بعضهم ببعض امتنع فساد الأرض ، فيهجس في نفس من غلب وقهر عن ما يريد من الفساد في الأرض أن الله تعالى ، غير متفضل عليه ، إذ لم يبلغه مقاصده ومآربه ، فاستدرك أنه ، وإن لم يبلغ مقاصده هذا الطالب للفساد أن الله لذو فضل عليه ، ويحسن إليه .
واندرج في عموم العالمين ، وقال تعالى : { إن الله لذو فضل على الناس } وما من أحد إلاَّ ولله عليه فضل ، ولو لم يكن إلاَّ فضل الاختراع .
وهذا الذي أبديناه من فائدة الاستدراك هو على ما قرره أهل العلم باللسان من أن : لكن ، تكون بين متنافيين بوجه ما ويتعلق على العالمين بفضل ، لأن فعله يتعدى : بعلى ، فكذلك المصدر ، وربما حذفت : على ، مع الفعل ، تقول : فضلت فلاناً أي على فلان ، وجمع بين الحذف والإثبات في قول الشاعر :
واذا عدى إلى مفعول به بالتضعيف لزمت عليه ، كقوله : { فضَّل الله المجاهدين على القاعدين }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.