تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (251)

الآية 251 وهو قوله تعالى : { فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت } ؛ قال بعضهم { بإذن الله } بأمر الله ، لكنه لا يتحملا لأنهم كانوا [ لا ]{[3145]} يقاتلون بالأمر ، [ ولا يهزمون بالأمر ]{[3146]} ، وقال آخرون : [ { بإذن الله } ]{[3147]}بعلم الله ، كان في علمه في الأزل أنهم يهزمونهم{[3148]} ، وقيل : { بإذن الله } بنصر الله [ وهو أقرب ، والله أعلم ]{[3149]} .

وقيل في القصة : إن داود عليه السلام كان راعيا ، وكان له سبعة إخوة ، مع طالوت خرجوا{[3150]} للقتال ، ولما أبطأ خبر إخوته على أبيهم ، أرسل داوود إليهم ينظر ما أمرهم ؟ ويأتيه بخبرهم ، قال : فأتاهم ، وهم في الصفوف ، فبرز جالوت ، فلم يخرج إليه أحد ، فقال : يا بني إسرائيل لو كنتم على حق [ لخرج بعضكم إلي ]{[3151]} ، فقال داوود إخوته : أما فيكم أحد يخرج إلى هذا الأقلف ؟ قال : فقالوا : اسكت ، قال : فذهب داوود [ إلى طالوت ، فقال : أيها الملك إني أراكم تعظمون شأن هذا العدو ]{[3152]} ، ما تصنعون بمن يقتل هذا الأقلف ؟ قال طالوت : أنكحه ابنتي ، وأجعل له نصف ملكي ، فقال داوود لطالوت : فأنا أخرج إليه ، [ فلما قال داوود ، أنا أخرج إليه ، قال له طالوت : من أنت ؟ قال : أنا داوود ابن فلان ، فعرفه{[3153]} طالوت ، ورأى أنه أجلد إخوته ، فأعطاه طالوت درعه وسيفه ، قال : فلما خرج داوود في الدرع وجرها في الأرض لأن طالوت كان أكول منه ، قال : فأخذ ]{[3154]}داوود العصا ، ثم خرج إلى جالوت ، فمر بثلاثة أحجار ، فقلن : يا داوود خذنا معك ، ففينا ميتة جالوت ، فأخذها ، ثم مضى نحوه ، وعلى جالوت بيضة ؛ وهي ثلاثمئة رطل ، فقال له جالوت : إما أن ترميني ، [ وإما أن ]{[3155]} أرميك [ فقال له داوود بل أنا أرميك ]{[3156]} فرماه بها ، فأصابه في آخرها ، فوقعت في صدره ، فنفذته ، وقتلته ، {[3157]} وقتل الحجر بعدما نفذ أناسا{[3158]} كثيرة ، وهزم الله جنوده ، وهو قوله : { فهزمهم بإذن الله وقتل داوود جالوت } والقصة طويلة ، فلا ندري كيف كانت ؟ وليس لنا إلى معرفتها حاجة .

وقوله : { وآتاه الله الملك والحكمة } فالملك يحتمل علم الحرب وسياسة القتل ؛ إذ لم يكونوا يقاتلون إلا تحت أيدي الملوك ، وهو كقوله : { وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب } [ ص : 30 ] ويحتمل الملك بما عقد له من الخلافة كقوله : { يا داوود إنا جعلناك خلفية في الأرض فاحكم بين الناس بالحق } [ ص : 26 ] . { وآتاه الله الملك والحكمة } الأمرين [ ما كان ]{[3159]} من قرب زمانه على ما عليه ابتداء [ الآية ]{[3160]} أن الملك يكون غير نبي ، فجمعنا له ، فيكون على ذلك تأويل /46-أ/ الحكمة أنها النبوة .

[ وقوله ]{[3161]} { الحكمة } قيل : هي الفقه ، وقيل : هي النبوة ، وقد تقدم ذكره .

وقوله : { وعلمه مما يشاء } ؛ قيل : صنعه الدروع كقوله : [ { وعلمناه صنعه لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم } [ الأنبياء : 80 ]{[3162]} ، [ وقوله ]{[3163]} : { وألنا له الحديد } [ سبأ : 10 ] ؛ وقيل : كلام الطير وتسبيح الجبال [ لقوله ]{[3164]} : { ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد } [ سبأ : 10 ] ؛ وذلك مما خص به داوود دون غيره من الأنبياء عليهم السلام ويحتمل : { وعلمه مما يشاء } أشياء أخرى .

وقوله : { ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض } اختلف فيه ، قال بضعهم : دفع بالكفار بعضهم ببعض شرهم عن المسلمين لما فتك{[3165]} بعضهم ببعض ، وجعل بعضهم لبعض أعداء إلى أن لم يتفرغوا عن أنفسهم للمسلمين ، وإلا كان ذلك فساد الأرض ، وقال آخرون : دفع بالرسل والأنبياء شرهم عن المسلمين ، وكفاهم بهم ، وقال غيرهم : دفع بالمؤمنين بعضهم عن بعض : دفع بالمجاهدين في سبيل الله عن القاعدين عن الجهاد ، وإلا لغلبت المشركون على الأرض ، قيل : يدفع بالمصلي عمن لا يصلي وبالمزكي عمن يزكي ، وبالحاج عمن لا يحج ، وبالصائم عمن لا يصوم .

ثم اختلف في قوله : { لفسدت الأرض } ؛ قيل : لو لم يدفع بعضهم لقتل بعضهم بعضا وأهل فريق فريقا ، وفي ذلك تفانيهم وفسادهم ، وفي ذلك فساد الأرض ، وقال آخرون : لو لم يدفع { لفسدت الأرض } وأراد بفساد أهلها لأنه لو لم يدفع لغلب المشركون على أرضي الإسلام وأهلها ؛ فإذا غلبوا فسد أهلها . وقال : { لفسدت الأرض } إذا غلب المشركون عليها هدمت المساجد والصوامع ؛ ففيه فساد الأرض ، والله اعلم .

وقوله : { ولكن الله ذو فضل على العالمين } يدفع ذلك كله عن المسلمين . وعلى قول المعتزلة : [ ليس ]{[3166]} هو بذل فضل على أحد لأن عليه أن يفعل ذلك ، وأن يدفع ذلك كله عن المسلمين على قولهم ؛ فإذا كان عليه ذلك لا يصير هو بما يدفع مفضلا ولا ممتنا ، فنعود بالله من الرسف في القول .


[3145]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[3146]:من ط ع.
[3147]:من ط ع.
[3148]:من ط ع، في الأصل: يهزمون.
[3149]:من ط ع.
[3150]:أدرج بعدها في الأصل وم: معه.
[3151]:من ط ع، في الأصل وم: لخروج إلى بعضكم.
[3152]:من ط ع.
[3153]:في ط ع:: فصرفه.
[3154]:من ط ع، في الأصل وم: قال فأعطاه طالوت درعه وسيفه، قال: فلما خرج في الدرعه جرها في الأرض لأن طالوت كان أطول منه، قال: فلما قال داوود: أنا خرج إليه وسيفه، قال: فلما قال له طالوت من أنت ؟ قال: أنا داوود بن فلان فعرفه طالوت، ورأى أنه أجلد إخوته، قال: أخذ.
[3155]:من ط ع، في الأصل: وأنا، في م: وأنا أن.
[3156]:من ط ع.
[3157]:من ط ع، في الأصل: فقلت، في م: قتله.
[3158]:في الأصل وم: أناسا، في ط ع: جنودا.
[3159]:من ط ع.
[3160]:من ط ع.
[3161]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[3162]:من ط ع.
[3163]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[3164]:من ط ع.
[3165]:في النسخ الثلاث: سفك.
[3166]:من ط ع.