فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (251)

{ فهزموهم } كسروهم . { آتاه } أعطاه .

{ ذو فضل } صاحب مزيد من العطاء .

{ العالمين } أصناف الخلق كل صنف منها عالم .

{ فهزموهم بإذن الله } استعانوا بالله تعالى فأعانهم وربط على قلوبهم وثبتها فلم يرهبوا عدوهم وأيدهم عليهم ونصرهم وهي سنته التي لا تتبدل يؤيد أهل التقى ويخزي من كفر وطغى ويجعل العاقبة لجند الحق مهما تعاظم الباطل عدة وعددا وبهذا جاء محكم التنزيل . { واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون }{[775]} . قتل المؤمنون الجند الباغي وكسروهم بقضاء الله تعالى وقدره وتيسيره وتوفيقه ؛ { وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء } وأراد ربنا العزيز أن يجعل مصرع الجبار العنيد جالوت قائد الجيش الباغي في ذلك اللقاء على يدي جندي مؤمن هو داود{[776]} عليه السلام ، وزاد الله تعالى عبده داود عزا وتكريما فأعطاه الملك على قومه والنبوة{[777]} فيهم وعلمه سبحانه ما شاء أن يعلمه والغرض منه التنبيه على أن العبد لا ينتهي قط إلى حالة يستغني عن التعلم سواء كان نبيا أو لم يكن ولهذا قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم { . . . وقل ربي زدني علما }{[778]} ؛ { ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين } عمران الكون يتأتى بفعل الخير ودرء الشر ولو استشرى البغي وإهلاك الحرث والنسل لبطلت منافع الأرض وتعطلت مصالحها وفي مثل هذا المعنى جاءت الآية الكريمة { . . ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا . . }{[779]} ؛ { ولكن الله ذو فضل على العالمين } بين سبحانه أن دفعه بالمؤمنين شر الكافرين فضل منه ونعمة-{[780]} .


[775]:من سورة الأنفال الآية 126.
[776]:أكثر الناس في نقل قصص عن أنباء داود سلام الله عليه إذ عزم على قتل جالوت فمن قائل قدمه طالوت لمبارزة الطاغية ومن قائل كان يرعى غنما فذهب إلى ساحة الحرب ليعاين ما يجري فيها ومن قائل أرسله أبوه ليتعرف أحوال إخوته السبعة الذين كانوا في جند طالوت وبينما تنطق له بعض القصص الحجر تتناوله في البداية بنعوت منفرة ومنها كان رجلا قصيرا مسقاما مصفارا أصفر أزرق ولعلهم -يرحمنا الله وإياهم ويغفر لنا ولهم- قد فاتهم أن هذا مما كتب الإسرائيليون وهم من هم افتراء وإفكا على أن الآية الكريمة السابقة بينت أن من علامة اصطفاء الله لملك أن يزيده بسطة في العلم والجسم.
[777]:مما أورد كثير من المفسرين ولا ممتنع في جعل النبوة جزاء على بعض الطاعات كما قال تعالى {ولقد اخترناهم على علم على العالمين}وقال {.. الله أعلم حيث يجعل رسالته..} ولهذا ذكره بعد حديث الهزيمة والقتل وترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية وقال آخرون عن النبوة لا يجوز جعلها جزاء على الأعمال ولكنها محض عناية الله تعالى ببعض عبيده كما قال {.. الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس..} فإن قيل لم يقدم الملك على النبوة والحكمة مع أنه أدون منها؟ فالجواب أنه تعالى أراد أن يذكر كيفية ترقي داود عليه السلام في معارج السعادات والتدرج في مثل هذا المقام من الأدون إلى الأشراف هو الترتيب الطبيعي.
[778]:من سورة طه من الآية 14.
[779]:من سورة الحج من الآية 40.
[780]:ما بين العارضين من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.