فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (251)

( فهزموهم بإذن الله ) الهزم الكسر ومنه سقاه منهزم أي انثنى بعضه على بعض مع الجفاف ، ومنه ما قيل في زمزم إنها هزمة جبريل أي هزمها برجله فخرج الماء ، والهزم ما يكسر من يابس الحطب ، وتقدير الكلام فأنزل الله عليهم النصر فهزموهم بأمر الله وإرادته .

( وقتل داود جالوت ) هو داود بن ايشاو ويقال ابن داود بن زكريا ابن بشوى من سبط يهوذا ابن يعقول جمع الله له بين النبوة والملك بعد أن كان راعيا ، وكان أصغر إخوته ، اختاره طالوت لمقابلة جالوت فقتله ، وكان يومئذ صغيرا لم يبلغ الحلم سقيما أصفر اللون يرعى الغنم ، فهذه الواقعة قبل نبوته وأن أباه كان من جملة جيش طالوت .

وعن مجاهد وغيره قال : كان طالوت أميرا على الجيش فبعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته فقال داود لطالوت : ماذا لي وأقتل جالوت فقال : لك ثلث ملكي وأنكحك ابنتي فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات ثم سمى ابراهيم واسحق ويعقوب ثم أدخل يده فقال بسم الله إلهي إله آبائي إبراهيم واسحق ويعقوب فخرج على إبراهيم فجعله في مرجمته فرمى بها جالوت فخرق ثلاثة وثلاثين بيضة عن رأسه ، وقتلت ما وراءه ثلاثين رجلا فأخذ داود جالوت حتى ألقاه بين يدي طالوت ففرح بنو إسرائيل فزوجه ابنته ، وأعطاه نصف الملك فمكث معه كذلك أربعين سنة فمات طالوت واستقل داود بالملك سبع سنين ، ثم انتقل إلى رحمة الله تعالى فسبحان من لا ينقضي ملكه ، وقد ذكر المفسرون أقاصيص كثيرة من هذا الجنس فالله أعلم .

( وآتاه الله ) أي داود ( الملك ) الكامل سبع سنين بعد موت طالوت ( والحكمة ) والمراد بالحكمة هنا النبوة ، وقيل هي تعليمه صنعة الدروع من الحديد وكان يلين في يده وينسجه كنسج الغزل ، ومنطق الطير والألحان أي فهم أصواته ، وكذا البهائم ، وقيل هي إعطاؤه السلسلة التي كانوا يتحاكمون إليها .

( وعلمه مما يشاء ) قيل إن المضارع هنا موضوع موضع الماضي وفاعل ذلك هو الله تعالى ، وقيل داود ، وظاهر هذا التركيب أن الله سبحانه علمه مما قضت به مشيئته وتعلقت به إرادته ، وقد قيل إن من ذلك ما قدمناه من تعليمه صنعة الدروع وما بعده ، قيل كان ملك طالوت إلى أن قتل مدة أربعين سنة فأتى بنو إسرائيل إلى داود فملكوه عليهم وأعطوه خزائن طالوت .

قال الكلبي والضحاك : ملك داود بعد قتل طالوت نحو سبع سنين ولم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على داود ، فجمع الله لداود بين الملك والنبوة ولم يكن كذلك من قبل ، ولم يجتمعا لأحد قبله ، بل كانت النبوة في سبط ، والملك في سبط ثم جمع الله له ذلك ولابنه سليمان بين الملك والنبوة .

( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) قرئ الدفع والدفاع وهما مصدران لدفع كذا وعلى القراءتين فالمصدر مضاف إلى الفاعل أي ولولا دفع الله الناس ، وبعضهم بدل من الناس وهم الذين يباشرون أسباب الشر والفساد ببعض آخر منهم ، وهم أهل الإيمان الذين يكفونهم عن ذلك ويردونهم عنه .

( لفسدت الأرض ) لتغلب أهل الفساد عليها وإحداثهم الشرور التي تهلك الحرث والنسل ، قال ابن عباس : يدفع الله بمن يصلي عمن لا يصلي وبمن يحج عمن لا يحج وبمن يزكي عمن لا يزكي .

وأخرج ابن عدي وابن جرير بسند ضعيف عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء ثم قرأ ابن عمر ( ولولا دفع الله الناس ) الآية في إسناده يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف جدا ورواه أحمد أيضا{[251]} .

( ولكن الله ذو فضل ) التنكير للتعظيم ( على العالمين ) أي عم فضله الناس كلهم .


[251]:ضعيف جدا رواه ابن جرير في التفسير 5/574 /5753 والعقيلي في الضعفاء/463 والواحدي في تفسيره الوسيط 1/91/2 وابن عدي100/2 .