قال وكان داود عليه السلام راعياً ، وكان له سبعة إخوة مع طالوت ؛ فلما أبطأ خبر إخوته على أبيهم وكان اسمه إيشا أرسل إليهم ابنه داود ينظر إليهم ما أمرهم ويأتيه بخبرهم فلما خرج ، مرَّ على حجر فقال له الحجر : خذني فإني حجر إبراهيم قتل بي عدوه ، فأخذه وجعله في مخلاته ثم مرَّ بآخر فقال له : خذني فإني حجر موسى الذي قتل بي كذا كذا ، ثم مرَّ بثالث فقال له : خذني فأنا الذي أقتل جالوت ، فأخذه وجعله في مخلاته ؛ فأتاهم وهم بالصفوف وقد برز جالوت وقال : من يبارزني ؟ فلم يخرج إليه أحد .
ثم قال : يا بني إسرائيل لو كنتم على حق ، لخرج إلي بعضكم . فقال داود لإخوته : أما فيكم أحد يخرج إلى هذا الأقلف ؟ فقالوا له : اسكت . فذهب داود إلى ناحية من الصف ليس فيها أحد من إخوته ، فمر طالوت به وهو يحرض الناس ، فقال له داود : وما تصنعون بمن يقتل هذا الأقلف ؟ قال طالوت : أنكحه ابنتي واجعل له نصف ملكي . قال داود : فأنا أخرج إليه . فأعطاه طالوت درعه وسيفه ، فلما خرج في الدرع جرها ، لأن طالوت كان أطول الناس ، فرجع داود إلى طالوت وقال : إني لم أتعود القتال في الدرع ، فرد الدرع إليه . فقال له طالوت : فهل جربت نفسك ؟ قال : نعم وقع ذئب في غنمي فضربته بالسيف فقطعته نصفين . فقال له طالوت : إن الذئب ضعيف ، فهل جربت نفسك في غير هذا ؟ قال : نعم دخل أسد في غنمي فضربته ، ثم أخذت بلحييه فشققتها ، فقال له : هذا أشد ، ثم قال له ما اسمك ؟ قال : داود بن إيشا . فعرفه . فرأى أنه أجلد إخوته ، فأخذ قذافته وخرج . فلما رآه جالوت قال : خرجت إليّ لتقتلني بالقذافة كما تقتل الكلاب ؟ فقال له داود : وهل أنت إلا مثل الكلاب ؟ قال الكلبي : وكان على رأس جالوت بيضة ثلاثمائة رطل ، فقال له جالوت : إما أن ترميني وإما أن أرميك . فقال له داود : بل أنا أرميك . ثم أخذ واحداً من الأحجار الثلاثة فرماه ، فوقع في صدره ونفذ من صدره فقتل خلفه خلقاً كثيراً . وقال بعضهم : صارت الأحجار كلها واحداً ؛ فلما رماها تفرقت في عسكره فقتلت خلقاً كثيراً . وقال بعضهم : رمى واحداً بعد واحد ، فقتل جالوت وخلقاً كثيراً وهزمهم الله بإذنه ، فذلك قوله عز وجل : { فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ الله وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ } .
ثم إن طالوت زوج داود ابنته وأراد أن يدفع إليه نصف ملكه ، فقال له وزراؤه : إن دفعت إليه نصف ملكك ، فيصير منازعاً لك في ملكك ، ويفسد عليك الملك . فامتنع من ذلك وأراد قتل داود عليه السلام وكان في ذلك ما شاء الله حتى دفع إليه النصف ، ثم خرج طالوت إلى بعض المغازي فقتل هناك ، فتحول الملك كله إلى داود . ولم يجتمع بنو إسرائيل كلهم على ملك واحد إلا على داود . فذلك قوله عز وجل : { وآتاه الله الملك } ، يعني ملك اثني عشر سبطاً { والحكمة } ، يعني النبوة ، وأنزل عليه الزبور أربعمائة وعشرين سورة ؛ { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء } ، أي علم داود من صنع الدروع وكلام الطيور وتسبيح الجبال معه وكلام الدواب .
{ وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } ، أي يدفع البلاء عن المؤمنين بالنبيين عليهم السلام ويدفع بالمؤمنين عن الكفار ، { لَفَسَدَتِ الأرض } ، أي هلك أهلها .
ويقال : { ولولا دفع الله } جالوت بطالوت ، لهلكت بنو إسرائيل كلهم . ويقال : { ولولا دفع الله } البلايا بسبب المطيعين ، لهلك الناس كما جاء في الأثر : لولا رجال خشع وصبيان رضع وبهائم رتع ، لصببت عليكم العذاب صباً . وروي عن الحسن أنه قال : لولا الصالحون لهلك الطالحون . ويقال : لولا ما أمر الله المؤمنين بحرب الكفار ، لفسدت الأرض بغلبة الكفار . ويقال لولا ما ينتفع بعض الناس ببعض ، لأن في كل أرض بلدة يتولد فيها شيء لا يوجد ذلك في سائر البلدان ، فينتفع بها أهل سائر البلدان ؛ وينتفع بعضهم ببعض ، فيكون في ذلك صلاح أهل الأرض .
قرأ نافع هاهنا { وَلَوْلاَ دِفَاع الله } وفي الحج : { إِنَّ الله يُدَافِعُ } وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بغير ألف في كلا الموضعين ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر : { وَلَوْلاَ دَفْعُ الله } بغير ألف ، { إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين آمنوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } [ الحج : 38 ] بالألف . وتفسير القراءتين واحد وهما لغتان معروفتان .
ثم قال تعالى : { ولكن الله ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين } ، أي ذو منّ عليهم بالدفع عنهم . { تِلْكَ آيات الله } وهو ما قصّ عليه من أخبار الأمم . { نَتْلُوهَا عَلَيْكَ } ، أي ننزلها بقراءة جبريل عليك { بالحق } ، أي بالصدق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.