بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (251)

قال وكان داود عليه السلام راعياً ، وكان له سبعة إخوة مع طالوت ؛ فلما أبطأ خبر إخوته على أبيهم وكان اسمه إيشا أرسل إليهم ابنه داود ينظر إليهم ما أمرهم ويأتيه بخبرهم فلما خرج ، مرَّ على حجر فقال له الحجر : خذني فإني حجر إبراهيم قتل بي عدوه ، فأخذه وجعله في مخلاته ثم مرَّ بآخر فقال له : خذني فإني حجر موسى الذي قتل بي كذا كذا ، ثم مرَّ بثالث فقال له : خذني فأنا الذي أقتل جالوت ، فأخذه وجعله في مخلاته ؛ فأتاهم وهم بالصفوف وقد برز جالوت وقال : من يبارزني ؟ فلم يخرج إليه أحد .

ثم قال : يا بني إسرائيل لو كنتم على حق ، لخرج إلي بعضكم . فقال داود لإخوته : أما فيكم أحد يخرج إلى هذا الأقلف ؟ فقالوا له : اسكت . فذهب داود إلى ناحية من الصف ليس فيها أحد من إخوته ، فمر طالوت به وهو يحرض الناس ، فقال له داود : وما تصنعون بمن يقتل هذا الأقلف ؟ قال طالوت : أنكحه ابنتي واجعل له نصف ملكي . قال داود : فأنا أخرج إليه . فأعطاه طالوت درعه وسيفه ، فلما خرج في الدرع جرها ، لأن طالوت كان أطول الناس ، فرجع داود إلى طالوت وقال : إني لم أتعود القتال في الدرع ، فرد الدرع إليه . فقال له طالوت : فهل جربت نفسك ؟ قال : نعم وقع ذئب في غنمي فضربته بالسيف فقطعته نصفين . فقال له طالوت : إن الذئب ضعيف ، فهل جربت نفسك في غير هذا ؟ قال : نعم دخل أسد في غنمي فضربته ، ثم أخذت بلحييه فشققتها ، فقال له : هذا أشد ، ثم قال له ما اسمك ؟ قال : داود بن إيشا . فعرفه . فرأى أنه أجلد إخوته ، فأخذ قذافته وخرج . فلما رآه جالوت قال : خرجت إليّ لتقتلني بالقذافة كما تقتل الكلاب ؟ فقال له داود : وهل أنت إلا مثل الكلاب ؟ قال الكلبي : وكان على رأس جالوت بيضة ثلاثمائة رطل ، فقال له جالوت : إما أن ترميني وإما أن أرميك . فقال له داود : بل أنا أرميك . ثم أخذ واحداً من الأحجار الثلاثة فرماه ، فوقع في صدره ونفذ من صدره فقتل خلفه خلقاً كثيراً . وقال بعضهم : صارت الأحجار كلها واحداً ؛ فلما رماها تفرقت في عسكره فقتلت خلقاً كثيراً . وقال بعضهم : رمى واحداً بعد واحد ، فقتل جالوت وخلقاً كثيراً وهزمهم الله بإذنه ، فذلك قوله عز وجل : { فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ الله وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ } .

ثم إن طالوت زوج داود ابنته وأراد أن يدفع إليه نصف ملكه ، فقال له وزراؤه : إن دفعت إليه نصف ملكك ، فيصير منازعاً لك في ملكك ، ويفسد عليك الملك . فامتنع من ذلك وأراد قتل داود عليه السلام وكان في ذلك ما شاء الله حتى دفع إليه النصف ، ثم خرج طالوت إلى بعض المغازي فقتل هناك ، فتحول الملك كله إلى داود . ولم يجتمع بنو إسرائيل كلهم على ملك واحد إلا على داود . فذلك قوله عز وجل : { وآتاه الله الملك } ، يعني ملك اثني عشر سبطاً { والحكمة } ، يعني النبوة ، وأنزل عليه الزبور أربعمائة وعشرين سورة ؛ { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء } ، أي علم داود من صنع الدروع وكلام الطيور وتسبيح الجبال معه وكلام الدواب .

{ وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } ، أي يدفع البلاء عن المؤمنين بالنبيين عليهم السلام ويدفع بالمؤمنين عن الكفار ، { لَفَسَدَتِ الأرض } ، أي هلك أهلها .

ويقال : { ولولا دفع الله } جالوت بطالوت ، لهلكت بنو إسرائيل كلهم . ويقال : { ولولا دفع الله } البلايا بسبب المطيعين ، لهلك الناس كما جاء في الأثر : لولا رجال خشع وصبيان رضع وبهائم رتع ، لصببت عليكم العذاب صباً . وروي عن الحسن أنه قال : لولا الصالحون لهلك الطالحون . ويقال : لولا ما أمر الله المؤمنين بحرب الكفار ، لفسدت الأرض بغلبة الكفار . ويقال لولا ما ينتفع بعض الناس ببعض ، لأن في كل أرض بلدة يتولد فيها شيء لا يوجد ذلك في سائر البلدان ، فينتفع بها أهل سائر البلدان ؛ وينتفع بعضهم ببعض ، فيكون في ذلك صلاح أهل الأرض .

قرأ نافع هاهنا { وَلَوْلاَ دِفَاع الله } وفي الحج : { إِنَّ الله يُدَافِعُ } وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بغير ألف في كلا الموضعين ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر : { وَلَوْلاَ دَفْعُ الله } بغير ألف ، { إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين آمنوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } [ الحج : 38 ] بالألف . وتفسير القراءتين واحد وهما لغتان معروفتان .

ثم قال تعالى : { ولكن الله ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين } ، أي ذو منّ عليهم بالدفع عنهم . { تِلْكَ آيات الله } وهو ما قصّ عليه من أخبار الأمم . { نَتْلُوهَا عَلَيْكَ } ، أي ننزلها بقراءة جبريل عليك { بالحق } ، أي بالصدق .