التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (251)

فاستجاب الله لهم الدعاء وامتنّ عليهم أن كتب لهم النصر ، فهزموا أعداءهم بجحافلهم الكثيرة ، وعلى رأسهم قائدهم القوي جالوت الذي انبرى له داود عليه السلام فقتله . وفي ذلك قال سبحانه : ( وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ) أي بعد أن تم لداود قتل جالوتَ جعله الله من بعد طالوت ملكا على البلاد ، وأوحى إليه ليكون نبيا ورسولا ، وبذلك فقد أوتي داود الملك والنبوة ، وعلمه الله من علمه ما يشاء .

وقوله : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) ( لولا ) أداة امتناع لوجود . ( دفع ) مبتدأ مرفوع ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة . وخبر المبتدأ محذوف تقديره موجود . و ( الناس ) مفعول به للمصدر ( دفع ) . ( بعضهم ) بدل من الناس ، والهاء في محل جر مضاف إليه .

وأما المعنى المقصود بالآية فهو موضع تفصيل للعلماء والمفسرين . فقد قيل : إن المعنى : لولا أن الله يدفع بمن يصلّي عمن لا يصلّي وبمن يتقي عمن لا يتقي لهلك الناس بذنبهم .

وقيل : لولا دفاع الله المؤمنين الأبرار عن الفجّار والكفار لفسدت الأرض ، وفسادها هلاكها ، واستند القائلون بذلك إلى ما روي عن النبي ( ص ) قوله : " إن الله ملائكة تنادي كل يوم : لولا عباد ركّع ، وأطفالٌ رضّع ، وبهائمُ رتّع لصُبّ عليكم العذاب صبَا " . وغير ذلك من أحاديث تحمل مثل هذا المعنى .

وقيل : لولا الله يدفع عن قوم بآخرين كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة داود لهلكوا ، والذي نختاره ونرجحه ما ذكر عن ابن عباس في تأويل هذه الآية إذ قال : ولولا دفع الله العدو بجنوده المسلمين لغلب المشركون فقتلوا المؤمنين وخرّبوا البلاد والمساجد .

ومما هو معلوم أن الله شرع القتال ؛ لإظهار الحق وإزهاق الباطل ، وليجعل منه وسيلة إحقاق للعدل وترعيب للظالمين والمشركين الذين يعتدون على الله في دينه وشرعه وحدوده ؛ ولذلك قال سبحانه معقبا بعد أن قرر تشريع القتال ؛ كيلا يستشري الباطل والشر وتفسد الأرض : ( ولكن الله ذو فضل على العالمين ) لله المنّة والفضل أن شرع للمؤمنين القتال ، ليرسخوا قواعد الحق والخير والعدل في الدنيا ، وليجتثّوا من هذه الأرض كل أسباب الشر والفساد ، ولكي يأتوا على المجرمين والأشرار الذين لا يجدي معهم غير سبيل القوة والعنف والتدمير .