23- وأرادت التي هي كان هو يعيش في بيتها ، ويشعر بسلطانها ، أن تغريه بنفسها ، لتصرفه عن نفسه الطاهرة إلى مواقعتها ، فأخذت تذهب وتجئ أمامه ، وتعرض عليه محاسنها ومفاتنها ، وأوصدت الأبواب الكثيرة ، وأحكمت إغلاقها ، وقالت : أقبل علّى فقد هيأت لك نفسي ، قال : إني ألجأ إلى الله ليحميني من الشر ، وكيف أرتكبه معك وزوجك العزيز سيدي الذي أحسن مقامي ؟ إنه لا يفوز الذين يظلمون الناس بالغدر والخيانة فيوقعون أنفسهم في معصية الزنا .
{ 23 - 29 } { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }
هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته ، وصبره عليها أعظم أجرا ، لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة ، لوقوع الفعل ، فقدم محبة الله عليها ، وأما محنته بإخوته ، فصبره صبر اضطرار ، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها ، طائعا أو كارها ، وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرما في بيت العزيز ، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك ، أن { رَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ } أي : هو غلامها ، وتحت تدبيرها ، والمسكن واحد ، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد ، ولا إحساس بشر .
{ وَ } زادت المصيبة ، بأن { غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ } وصار المحل خاليا ، وهما آمنان من دخول أحد عليهما ، بسبب تغليق الأبواب ، وقد دعته إلى نفسها { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } أي : افعل الأمر المكروه وأقبل إليَّ ، ومع هذا فهو غريب ، لا يحتشم مثله ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه ، وهو أسير تحت يدها ، وهي سيدته ، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك ، وهو شاب عزب ، وقد توعدته ، إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن ، أو العذاب الأليم .
فصبر عن معصية الله ، مع وجود الداعي القوي فيه ، لأنه قد هم فيها هما تركه لله ، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء ، ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان ، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف ، عن هذه المعصية الكبيرة ، و { قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ } أي : أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح ، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه ، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي .
فلا يليق بي أن أقابله في أهله بأقبح مقابلة ، وهذا من أعظم الظلم ، والظالم لا يفلح ، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله ، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه ، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه ، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه ، يقتضي منه امتثال الأوامر ، واجتناب الزواجر ، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء ، لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم ، الذين أخلصهم الله واختارهم ، واختصهم لنفسه ، وأسدى عليهم من النعم ، وصرف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه .
استمع إلى السورة الكريمة وهى تحكى بأسلوبها البليغ ما فعلتهه معه امرأة العزيز من ترغيب وترهيب ، وإغراء وتهديد . . . فتقول :
{ وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ . . . }
قوله - سبحانه - { وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ . . . } رجوع إلى شرح ما جرى ليوسف في منزل العزيز بعد أن أمر امرأته بإكرام مثواه ، وما كان من حال تلك المرأة مع يوسف ، وكيف أنها نظرت إليه بعين ، تخالف العين التي نظر بها إليه زوجها .
والمراودة - كما يقول صاحب الكشاف - مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب ، كأن المعنى : خادعته عن نفسه ، أى : فعلت معه ما يفعله المخادع لصاحبه عن الشئ الذي لا يريد أن يخرجه من يده ، يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه ، وهو عبارة عن التحايل لمواقعته إياها .
والتعبير عن حالها معه بالمراودة المقتضية لتكرار المحاولة ، للإِشعار بأنها كان منها الطلب المستمر ، المصحوب بالإِغراء والترفق والتحايل على ما تشتهيه منه بشتى الوسائل والحيل . وكان منه - عليه السلام - الإِباء والامتناع عما تريده خوفا من الله - تعالى . .
وقال - سبحانه - { التي هُوَ فِي بَيْتِهَا } دون ذكر لاسمها ، سترا لها ، وابتعادا عن التشهير بها ، وهذا من الأدب السامى الذي التزمه القرآن في تعبيراته وأساليبه ، حتى يتأسى أتباعه بهذا اللون من الأدب في التعبير .
والمراد ببيتها : يبت سكناها ، والإِخبار عن المراودة بأنها كانت في بيتها . أدعى لإظهار كما نزاهته عليه السلام - فإن كونه في بيتها يغرى بالاستجابة لها ، ومع ذلك فقد أعرض عنها ، ولم يطاوعها في مرادها .
وعدى فعل المراودة بعن ، لتضمنه معنى المخادعة .
قال بعض العلماء : و " عن " هنا للمجاوزة ، أى : راودته مباعدة له عن نفسه ، أى : بأن يجعل نفسه لها ، والظاهر أن هذا التركيب من مبتكرات القرآن الكريم ، فالنفس هنا كناية عن غرض المواقعة ، قاله ابن عطية ، أى : فالنفس أريد به عفافه وتمكينها منه لما تريد ، فكأنها تراوده عن أن يسلم إليها إرادته وحكمه في نفسه .
وقوله { وَغَلَّقَتِ الأبواب } أى : أبواب بيت سكناها الذي تبيت فيه بابا فباباً ، قيل : كانت الأبواب سبعة .
والمراد أنها أغلقت جميع الأبواب الموصلة إلى المكان الذي راودته فيه إغلاقا شديدا محكما ، كما يشعر بذلك التضعيف في " غلّقت " زيادة في حمله على الاستجابة لها .
ثم أضاقت إلى كل تلك المغريات أنها قالت له : هيت لك ، أى : هأنذا مهيئة لك فأسرع في الإقبال على . . .
وهذه الدعوة السافرة منها له ، تدل على أنه تلك المرأة كانت قد بلغت النهاية في الكشف عن رغبتها ، وأنها قد خرجت من المألوف من بنات جنسها ، فقد جرت العادة أن تكون المرأة مطلوبة لا طالبة . . .
و " هيت " اسم فعل أمر بمعنى أقبل وأسرع ، فهى كلمة حض وحث على الفعل ، واللام في " لك " لزيادة بيان المقصود بالخطاب ، كما في قولهم : سقيا لك وشكراً لك .
وهى متعلقة بمحذوف فكأنما تقول : إرادتى كائنة لك .
قال الجمل ما ملخصه : " ورد هذه الكلمة قراءات : " هَيتِ " كليت ، و " هِيتَ " كفيل و " هَيتُ " كحيث ، و " هِيئتُ " بكسر الهاء وضم التاء ، و " هِئتَ " بكسر الهاء وفتح التاء .
ثم قال : فالقراءات السبعية خمسة ، وهذه كلها لغات في هذه الكلمة ، وهى في كلها اسم فعل بمعنى هلم أى أقبل وتعال .
وقوله - سبحانه - { قَالَ مَعَاذَ الله إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون }
بيان لما ردّ به يوس عليها ، بعد أن تجاوزت في إثارته كل حد .
و " معاذ " مصدر أضيف إلى لفظ الجلالة ، وهو منصوب بفعل محذوف أى : قال يوسف في الرد عليها : أعوذ بالله معاذا مما تطلبينه منى ، وأعتصم به اعتصاما مما تحاولينه معى ، فإن ما تطلبينه وتلحين في طلبه يتنافى مع الدين والمروءة والشرف . . ولا يفعله إلا من خبث منبته ، وساء طبعه ، وأظلم قلبه .
وقوله : { إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ } تعليل لنفوره مما دعته إليه ، واستعاذ بالله منه .
والضمير في " إنه " يصح أن يعود إلى الله - تعالى - فيكون لفظ ربى بمعنى خالقى . والتقدير : قال يوسف في الرد عليها : معاذ الله أن أفعل الفحشاء والمنكر ، بعد أن أكرمنى الله - تعالى - بما أكرمنى به من النجاة من الجب ، ومن تهيئة الأسباب التي جعلتنى أعيش معززا مكرما ، وإذا كان - سبحانه - قد حبانى كل هذه النعم فيكف ارتكب ما يغضبه ؟
وجوز بعضهم عودة الضمير في " إنه " إلى زوجها ، فيكون لفظ ربى بمعنى سيدى ومالكى ، والتقدير : معاذ الله أن أقابل من اشترانى بماله ، وأحسن منزلى ، وأمرك بإكرامى - بالخيانة له في عرضه .
وفى هذه الجملة الكريمة تذكير لها بألطف أسلوب بحقوق الله - تعالى - وبحقوق زوجها ، وتنبيه لها إلى وجوب الإقلاع عما تريده منه من مواقعتها ، لأنه يؤدى إلى غضب الله وغضب زوجها عليها .
وجملة { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون } تعليل آخر لصدها عما تريده منه .
والفلاح : الظفر وإدراك المأمول .
أى : إن كل من ارتكب ما نهى الله - تعالى - عنه ، تكون عاقبته الخيبة والخسران وعدم الفلاح في الدنيا والآخرة فكيف تريدين منى أن أكون كذلك ؟
هذا ، والمتأمل في هذه الآية الكريمة يرى أن القرآن الكريم قد قابل دواعى الغواية الثلاث التي جاهرت بها امرأة العزيز والمتمثلة في المراودة ، وتغليق الأبواب ، وقولها ، هيت لك : بدواعى العفاف الثلاث التي رد بها عليها يوسف ، والمتمثلة في قوله - كما حكى القرآن عنه - { مَعَاذَ الله إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون } .
وذلك ليثبت أن الاعتصام بالعفاف والشرف والأمانة ، كان سلاح - يوسف - عليه السلام - في تلك المعركة العنيفة بين نداء العقل ونداء الشهوة . . .
وعندئذ تجيئه المحنة الثانية في حياته ، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى . تجيئه وقد أوتي صحة الحكم وأوتي العلم - رحمة من الله - ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه .
والآن نشهد ذللك المشهد العاصف الخطير المثير كما يرسمه التعبير :
( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ، وغلقت الأبواب وقالت : هيت لك ! قال : معاذ الله . إنه ربي أحسن مثواي . إنه لا يفلح الظالمون - ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه . كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء . إنه من عبادنا المخلصين - واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر ، وألفيا سيدها لدى الباب . قالت : ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ؟ إلا أن يسجن أو عذاب أليم . قال : هي راودتني عن نفسي . وشهد شاهد من أهلها . إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ؛ وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين . فلما رأى قميصه قد من دبر قال : إنه من كيدكن . إن كيدكن عظيم . يوسف أعرض عن هذا ، واستغفري لذنبك ، إنك كنت من الخاطئين ) . .
إن السياق لم يذكر كم كانت سنها وكم كانت سنه ؛ فلننظر في هذا الأمر من باب التقدير .
لقد كان يوسف غلاما عندما التقطته السيارة وباعته في مصر . أي إنه كان حوالي الرابعة عشرة تنقص ولا تزيد . فهذه هي السن التي يطلق فيها لفظ الغلام ، وبعدها يسمى فتى فشابا فرجلا . . . وهي السن التي يجوز فيها أن يقول يعقوب : ( وأخاف أن يأكله الذئب ) . . وفي هذا الوقت كانت هي زوجة ، وكانت وزوجها لم يرزقا أولادا كما يبدو من قوله : ( أو نتخذه ولدا ) . . فهذا الخاطر . . خاطر التبني . . لا يرد على النفس عادة إلا حين لا يكون هناك ولد ؛ ويكون هناك يأس أو شبه يأس من الولد . فلا بد أن تكون قد مضت على زواجهما فترة ، يعلمان فيها أن لا ولد لهما . وعل كل حال فالمتوقع عن رئيس وزراء مصر ألا تقل سنه عن أربعين سنة ، وأن تكون سن زوجه حينئذ حوالي الثلاثين .
ونتوقع كذلك أن تكون سنها أربعين سنة عندما يكون يوسف في الخامسة والعشرين أو حواليها . وهيالسن التي نرجح أن الحادثة وقعت فيها . . نرجحه لأن تصرف المرأة في الحادثة وما بعدها يشير إلى أنها كانت مكتملة جريئة ، مالكة لكيدها ، متهالكة كذلك على فتاها . ونرجحه من كلمة النسوة فيما بعد . . ( امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ) . . وإن كانت كلمة فتى تقال بمعنى عبد ، ولكنها لا تقال إلا ولها حقيقة من مدلولها من سن يوسف . وهو ما ترجحه شواهد الحال .
نبحث هذا البحث ، لنصل منه إلى نتيجة معينة . لنقول : إن التجربة التي مر بها يوسف - أو المحنة - لم تكن فقط في مواجهة المراودة في هذا المشهد الذي يصوره السياق . إنما كانت في حياة يوسف فترة مراهقته كلها في جو هذا القصر ، مع هذه المرأة بين سن الثلاثين وسن الأربعين ، مع جو القصور ، وجو البيئة التي يصورها قول الزوج أمام الحالة التي وجد فيها امرأته مع يوسف :
( يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ) .
والتي يتحدث فيها النسوة عن امرأة العزيز ، فيكون جوابها عليهن ، مأدبة يخرج عليهن يوسف فيها ، فيفتتن به ، ويصرحن ، فتصرح المرأة :
( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين )
فهذه البيئة التي تسمح بهذا وذلك بيئة خاصة . هي بيئة الطبقة المترفة دائما . ويوسف كان فيها مولى وتربى فيها في سن الفتنة . . فهذه هي المحنة الطويلة التي مر بها يوسف ، وصمد لها ، ونجا منها ومن تأثيراتها ومغرياتها وميوعتها ووسائلها الخبيثة . ولسنه وسن المرأة التي يعيش معها تحت سقف واحد كل هذه المدة قيمة في تقدير مدى الفتنة وخطورة المحنة والصمود لها هذا الأمد الطويل . أما هذه المرة فلو كانت وحدها وكانت مفاجأة بلا تمهيد من إغراء طويل ، لما كان عسيرا أن يصمد لها يوسف ، وبخاصة أنه هو مطلوب فيها لا طالب . وتهالك المرأة قد يصد من نفس الرجل . وهي كانت متهالكة .
( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ، وغلقت الأبواب ، وقالت : هيت لك ! ) . .
وإذن فقد كانت المراودة في هذه المرة مكشوفة ، وكانت الدعوة فيها سافرة إلى الفعل الأخير . . وحركة تغليق الأبواب لا تكون إلا في اللحظة الأخيرة ، وقد وصلت المرأة إلى اللحظة الحاسمة التي تهتاج فيها دفعة الجسد الغليظة ، ونداء الجسد الأخير :
هذه الدعوة السافرة الجاهرة الغليظة لا تكون أول دعوة من المرأة . إنما تكون هي الدعوة الأخيرة . وقد لا تكون أبدا إذا لم تضطر إليها المرأة اضطرارا . والفتى يعيش معها وقوته وفتوته تتكامل ، وأنوثتها هي كذلك تكمل وتنضج ، فلا بد كانت هناك إغراءات شتى خفيفة لطيفة ، قبل هذه المفاجأة الغليظة العنيفة .
( قال : معاذ الله . إنه ربي أحسن مثواي . إنه لا يفلح الظالمون ) . .
وأكرمني بأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن .
( إنه لا يفلح الظالمون ) . . الذين يتجاوزون حدود الله ، فيرتكبون ما تدعينني اللحظة إليه .
يخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها بمصر ، وقد أوصاها زوجها به وبإكرامه [ { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا ] عَنْ نَفْسِهِ } أي : حاولته على{[15107]} نفسه ، {[15108]} ودعته إليها ، وذلك أنها أحبته حبًا شديدًا لجماله وحسنه وبهائه ، فحملها ذلك على أن تجملت له ، وغلقت عليه الأبواب ، ودعته إلى نفسها ، { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } فامتنع من ذلك أشد الامتناع ، و { قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي [ أَحْسَنَ مَثْوَايَ ] } {[15109]} وكانوا يطلقون " الرب " {[15110]} على السيد والكبير ، أي : إن بعلك ربي أحسن{[15111]} مثواي أي : منزلي وأحسن إلي ، فلا أقابله بالفاحشة في أهله ، { إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } قال ذلك مجاهد ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهم .
وقد اختلف القراء في قراءة : { هَيْتَ لَكَ } فقرأه كثيرون بفتح الهاء ، وإسكان الياء ، وفتح التاء . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : معناه : أنها تدعوه إلى نفسها . وقال علي بن أبي طلحة ، والعوفي ، عن ابن عباس : { هَيْتَ لَكَ } تقول : هلم لك . وكذا قال زِرّ بن حبيش ، وعِكْرِمة ، والحسن وقتادة .
قال عمرو بن عبُيَد ، عن الحسن : وهي كلمة بالسريانية ، أي : عليك .
وقال السدي : { هَيْتَ لَكَ } أي : هلم لك ، وهي بالقبطية .
قال مجاهد : هي لغة عربية{[15112]} تدعوه بها .
وقال البخاري : وقال عكرمة : { هَيْتَ لَكَ } هَلُم لك بالحَوْرَانية .
وهكذا ذكره معلقًا ، وقد أسنده الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثني أحمد بن سُهَيْل الواسطي ، حدثنا قُرَّة بن عيسى ، حدثنا النضر بن عربي الجَزَري{[15113]} ، عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله : { هَيْتَ لَكَ } قال : هلم لك . قال : هي بالحورانية .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : وكان الكسائي يحكي{[15114]} هذه القراءة - يعني : { هَيْتَ لَكَ } - ويقول : هي لغة ، لأهل حَوْران ، وقعت إلى أهل الحجاز ، معناها : تعال . وقال أبو عبيد : سألت شيخًا عالمًا من أهل حوران ، فذكر أنها لغتهم يعرفها .
واستشهد الإمام ابن جرير على هذه القراءة بقول{[15115]} الشاعر لعلي بن أبى طالب ، رضي الله عنه :
أَبْلْغ أَمِيَر المؤمِنين *** أَخا العِراَقِ إذَا أَتَينَا
إنَّ العِراقَ وَأَهْلَهُ *** عُنُقٌ إليكَ فَهَيتَ هَيْتا
يقول : فتعال واقترب{[15116]} وقرأ ذلك آخرون : " هِئتُ لك " بكسر الهاء والهمزة ، وضم التاء ، بمعنى : تهيأت لك ، من قول القائل : هئت للأمر أهيء هيْئَة وممن روي عنه هذه القراءة ابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو وائل ، وعكرمة ، وقتادة ، وكلهم يفسرها بمعنى : تهيأت لك .
قال ابن جرير : وكان أبو عمرو والكسائي ينكران هذه القراءة . وقرأ عبد الله بن إسحاق{[15117]} هيت " ، " بفتح الهاء وكسر التاء : وهي غريبة .
وقرأ آخرون ، منهم عامة أهل المدينة " هَيْتُ " بفتح الهاء ، وضم التاء ، وأنشد{[15118]} قول الشاعر :{[15119]}
لَيسَ قَومِي بالأبْعَدِين إِذَا مَا *** قَالَ دَاعٍ منَ العَشِيرِةَ : هَيتُ
قال عبد الرزاق : أنبأنا الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : قال ابن مسعود : قد سمعت القَرَأة فسمعتهم متقاربين ، فاقرءوا كما عُلِّمتم ، وإياكم والتنطع والاختلاف ، فإنما هو كقول أحدكم : " هلم " و " تعال " ثم قرأ عبد الله : { هَيْتَ لَكَ } فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إن ناسا يقرءونها : " هَيْتُ [ لَك ] " {[15120]} ؟ فقال عبد الله : إني أقرأها كما عُلِّمت ، أحبّ إلي{[15121]} وقال ابن جرير : حدثني ابن وَكِيع ، حدثنا ابن عُيَيْنة ، عن منصور ، عن أبي وائل قال : قال عبد الله : { هَيْتَ لَكَ } فقال له مسروق : إن ناسا يقرءونها : " هَيْتُ لَك " ؟ فقال : دعوني ، فإني أقرأ كما أقْرِئتُ ، أحب إلي{[15122]} وقال أيضًا : حدثني المثنى ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شعبة ، عن شقيق ، عن ابن مسعود قال : { هَيْتَ لَكَ } بنصب الهاء والتاء ولا بهمز .
وقال{[15123]} آخرون : " هِيْتُ لَك " ، بكسر الهاء ، وإسكان الياء ، وضم التاء .
قال أبو عُبَيدة معمر بن المثنى : " هيت " لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث ، بل يخاطب الجميع بلفظ واحد ، فيقال : هيتَ لَك ، وهيتَ لك ، وهيتَ لكما ، وهيتَ لكم ، وهيتَ لهن{[15124]}
«المراودة » الملاطفة في السوق إلى غرض ، وأكثر استعمال هذه اللفظة إنما هو في هذا المعنى الذي هو بين الرجال والنساء ؛ ويشبه أن يكون من راد يرود إذا تقدم لاختبار الأرض والمراعي ، فكان المراود يختبر أبداً بأقواله وتلطفه حال المراود من الإجابة أو الامتناع .
وفي مصحف وكذلك رويت عن الحسن{[6621]} : و { التي هو في بيتها } هي زليخا امرأة العزيز . وقوله { عن نفسه } كناية عن غرض المواقعة . وقوله : { وغلقت } تضعيف مبالغة لا تعدية ، وظاهر هذه النازلة أنها كانت قبل أن ينبأ عليه السلام .
وقرأ ابن كثير وأهل مكة : «هَيْتُ » بفتح الهاء وسكون الياء وضم التاء وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق وابن محيصن وأبو الأسود وعيسى بفتح الهاء وكسر التاء «هَيتِ » ، وقرأ ابن مسعود والحسن والبصريون «هَيْتَ » بفتح الهاء والتاء وسكون الياء ، ورويت عن ابن عباس وقتادة وأبي عمرو ، قال أبو حاتم : لا يعرف أهل البصرة غيرها وهم أقل الناس غلواً في القراءة ، قال الطبري : وقد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقرأ نافع وابن عامر «هِيْتَ » بكسر الهاء وسكون الياء وفتح التاء - وهي قراءة الأعرج وشيبة وأبي جعفر - وهذه الأربع بمعنى واحد ، واختلف باختلاف اللغات فيها{[6622]} ، ومعناه الدعاء أي تعال وأقبل على هذا الأمر ، قال الحسن : معناها هلمَّ ، ويحسن أن تتصل بها { لك } إذ حلت محل قولها : إقبالاً أو قرباً ، فجرت مجرى سقياً لك ورعياً لك ، ومن هذا قول الشاعر يخاطب علي بن أبي طالب : [ مجزوء الكامل ]
أبلغ أمير المؤمنين*** أخا العراق إذا أتينا
أن العراق وأهله*** عنق إليك فهيت هيتا{[6623]}
ومن ذلك على اللغة الأخرى قول طرفة : [ الخفيف ]
ليس قومي بالأبعدين إذا ما*** قال داع من العشيرة هيت{[6624]}
ومن ذلك أيضاً قول الشاعر : [ الرجز ]
قد رابني أن الكرى قد أسكتا*** ولو غدا يعني بنا لهيتا{[6625]}
أسكت : دخل في سكوت ، و «هيت » معناه : قال : هيت ، كما قالوا : أقف إذا قال : أف أف ، ومنه سبح وكبر ودعدع إذ قال : داع داع .
والتاء على هذه اللغات كلها مبنية فهي في حال الرفع كقبل وبعد ، وفي الكسر على الباب لالتقاء الساكنين ، وفي حال النصب ككيف ونحوها ؛ قال أبو عبيدة : و { هيت } لا تثنى ولا تجمع ، تقول العرب : { هيت لك } ، وهيت لكما ، وهيت لكم .
وقرأ هشام ابن عامر «هِئتُ » ، بكسر الهاء والهمز ، ضم التاء وهي قراءة علي بن أبي طالب ، وأبي وائل ، وأبي رجاء ويحيى ، ورويت عن أبي عمرو ، وهذا يحتمل أن يكون من هاء الرجل يهيء إذا أحسن هيئته - على مثال جاء يجيء{[6626]} - ويحتمل أن يكون بمعنى تهيأت ، كما يقال : فئت وتفيأت بمعنى واحد ، قال الله عز وجل :
{ يتفيؤا ظلاله }{[6627]} وقال : { حتى تفيء إلى أمر الله }{[6628]} .
وقرأ ابن أبي إسحاق - أيضاً - «هِيْت » بتسهيل الهمزة من هذه القراءة المتقدمة . وقرأ ابن عباس - أيضاً - «هيت لك »{[6629]} . وقرأ الحلواني عن هشام «هِئتِ » بكسر الهاء والهمز وفتح التاء قال أبو علي : ظاهر أن هذه القراءة وهم ، لأنه كان ينبغي أن تقول : هئتَ لي ، وسياق الآيات يخالف هذا{[6630]} . وحكى النحاس : أنه يقرأ «هِيْتِ » بكسر الهاء وسكون الياء وكسر التاء . و { معاذَ } نصب على المصدر ومعنى الكلام أعوذ بالله .
ثم قال : { إنه ربي } فيحتمل أن يعود الضمير في { إنه } على الله عز وجل ، ويحتمل أن يريد العزيز سيده ، أي فلا يصلح لي أن أخونه وقد أكرم مثواي وائتمنني ، قال مجاهد ، والسدي { ربي } معناه سيدي ، وقاله ابن إسحاق .
قال القاضي أبو محمد : وإذا حفظ الآدمي لإحسانه فهو عمل زاك ، وأحرى أن يحفظ ربه .
ويحتمل أن يكون الضمير للأمر والشأن ، ثم يبتدىء { ربي أحسن مثواي } .
والضمير في قوله : { إنه لا يفلح } مراد به الأمر والشأن فقط ، وحكى بعض المفسرين : أن يوسف عليه الصلاة والسلام - لما قال : معاذ الله ثم دافع الأمر باحتجاج وملاينة ، امتحنه الله تعالى بالهم بما هم به ، ولو قال لا حول ولا قوة إلا بالله ، ودافع بعنف وتغيير - لم يهم بشيء من المكروه .
وقرأ الجحدري «مثواي » وقرأها كذلك أبو طفيل وروي عن النبي عليه السلام : «فمن تبع هداي »{[6631]} .
عطف قصة على قصة ، فلا يلزم أن تكون هذه القصة حاصلة في الوجود بعد التي قبلها . وقد كان هذا الحادث قبل إيتائه النبوءة لأن إيتاء النبوءة غلب أن يكون في سن الأربعين . والأظهر أنه أوتي النبوءة والرسالة بعد دخول أهله إلى مصر وبعد وفاة أبيه . وقد تعرضت الآيات لتقرير ثبات يوسف عليه السّلام على العفاف والوفاء وكرم الخلق .
فالمراودة المقتضية تكرير المحاولة بصيغة المفاعلة ، والمفاعلة مستعملة في التكرير . وقيل : المفاعلة تقديرية بأن اعتبر العمل من جانب والممانعة من الجانب الآخر من العمل بمنزلة مقابلة العمل بمثله . والمراودة : مشتقة من راد يرود ، إذا جاء وذهب . شبه حال المحاول أحداً على فعل شيء مكرراً ذلك . بحال من يذهب ويجيء في المعاودة إلى الشيء المذهوب عنه ، فأطلق راود بمعنى حاول .
و { عن } للمجاوزة ، أي راودته مباعدة له عن نفسه ، أي بأن يجعل نفسه لها . والظاهر أن هذا التركيب من مبتكرات القرآن ، فالنفس هنا كناية عن غرض المواقعة ، قاله ابن عطية ، أي فالنفس أريد بها عفافه وتمكينها منه لما تريد ، فكأنها تراوده عن أن يسلم إليها إرادته وحكمه في نفسه .
وأما تعديته ب ( على ) فذلك إلى الشيء المطلوب حصوله . ووقع في قول أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم يراود عمه أبا طالب على الإسلام : وفي حديث الإسلاء « فقال له موسى : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه » .
والتعبير عن امرأة العزيز بطريق الموصولية في قوله : { التي هو في بيتها } لقصد ما تؤذن به الصلة من تقرير عصمة يوسف عليه السّلام لأن كونه في بيتها من شأنه أن يطوّعه لمرادها .
و { بيتها } بيت سكناها الذي تبيت فيه . فمعنى { هو في بيتها } أنه كان حينئذٍ في البيت الذي هي به ، ويجوز أن يكون المراد بالبيت : المنزل كله ، وهو قصر العزيز . ومنه قولهم : ربة البيت ، أي زوجة صاحب الدار ويكون معنى { هو في بيتها } أنه من جملة أتباع ذلك المنزل .
وغلق الأبواب : جَعْل كل باب سادّاً للفرجة التي هو بها .
وتضعيف { غلّقت } لإفادة شدة الفعل وقوته ، أي أغلقت إغلاقاً محكماً .
والأبواب : جمع باب . وتقدم في قوله تعالى : { ادخلوا عليهم الباب } [ سورة المائدة : 23 ] .
و{ هَيتَ } اسم فعل أمر بمعنى بَادرْ . قيل أصلها من اللغة الحَوْرانية ، وهي نبطية . وقيل : هي من اللغة العبرانية .
واللام في { لك } لزيادة بيان المقصود بالخطاب ، كما في قولهم : سقياً لك وشكراً لك . وأصله : هيتَك . ويظهر أنها طلبت منه أمراً كان غير بدع في قصورهم بأن تستمتع المرأة بعبدها كما يستمتع الرجل بأمته ، ولذلك لم تتقدم إليه من قبل بترغيب بل ابتدأته بالتمكين من نفسها .
وسيأتي لهذا ما يزيده بياناً عند قوله تعالى : { قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً } .
وفي { هيت } لغات . قَرأ نافع ، وابن ذكوان عن ابن عامر ، وأبو جعفر بكسر الهاء وفتح المثناة الفوقية . وقرأه ابن كثير بفتح الهاء وسكون التحتية وضم الفوقية . وقرأه الباقون بفتح الهاء وسكون التحتية وضم التاء الفوقية ، والفتحة والضمة حركتا بناء .
و { مَعاذ } مصدر أضيف إلى اسم الجلالة إضافة المصدر إلى معموله . وأصله : أعوذ عَوذاً بالله ، أي أعتصم به مما تحاولين . وسيأتي بيانه عند قوله : { قال معاذ الله أن نأخذ } [ سورة يوسف : 79 ] في هذه السورة .
و ( إنّ ) مفيدة تعليل ما أفاده { معاذ الله } من الامتناع والاعتصام منه بالله المقتضي أن الله أمر بذلك الاعتصام .
وضمير { إنه } يجوز أن يعود إلى اسم الجلالة ، ويكون { ربي } بمعنى خالقي . ويجوز أن يعود إلى معلوم من المقام وهو زوجها الذي لا يرضى بأن يمسها غيره ، فهو معلوم بدلالة العرف ، ويكون { ربي } بمعنى سيدي ومالكي .
وهذا من الكلام الموجّه توجيهاً بليغاً حكي به كلام يوسف عليه السّلام إمّا لأن يوسف عليه السّلام أتى بمثل هذا التركيب في لغة القِبط ، وإما لأنه أتى بتركيبين عُذرين لامتناعه فحكاهما القرآن بطريقة الإيجاز والتوجيه .
وأياً ما كان فالكلام تعليل لامتناعه وتعريض بها في خيانة عهدها .
وفي هذا الكلام عبرة عظيمة من العفاف والتقوى وعصمة الأنبياء قبل النبوءة من الكبائر .
وذُكِرَ وصف الرب على الاحتمالين لما يؤذن به من وجوب طاعته وشكره على نعمة الإيجاد بالنسبة إلى الله ، ونعمة التربية بالنسبة لمولاه العزيز .
وأكدَ ذلك بوصفه بجملة { أحسن مثواي } ، أي جعل آخرتي حسنى ، إذ أنقذني من الهلاك ، أو أكرم كفالتي . وتقدم آنفاً تفسير المثوى .
وجملة { إنه لا يفلح الظالمون } تعليل ثان للامتناع . والضمير المجعول اسماً ل ( إن ) ضميرُ الشأن يفيد أهمية الجملة المجعولة خبراً عنه لأنها موعظة جامعة . وأشار إلى أن إجابتها لما راودته ظلم ، لأن فيها ظلم كليهما نفسه بارتكاب معصية مما اتفقت الأديان على أنها كبيرة ، وظلم سيده الذي آمنه على بينه وآمنها على نفسها إذ اتخذها زوجاً وأحصنها .