{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }
هذا أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق تقواه ، وأن يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه ويستقيموا إلى الممات ، فإن من عاش على شيء مات عليه ، فمن كان في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته ، منيبا إليه على الدوام ، ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة ، وتقوى الله حق تقواه كما قال ابن مسعود : وهو أن يُطاع فلا يُعصى ، ويُذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، وهذه الآية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى ، وأما ما يجب على العبد منها ، فكما قال تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جدا ، يجمعها فعل ما أمر الله به وترك كل ما نهى الله عنه .
ثم أمر الله - تعالى - المؤمنين بمجامع الطاعات ومعاقد الخيرات ، فقال - تعالى - { ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } .
وقوله { حَقَّ تُقَاتِهِ } التقاة مصدر وهو من باب إضافة الصفة غلى موصوفها إذ الأصل : اتقوا الله التقاة الحق .
أى : الثابتة ، كقولك ضربت زيدا أشد الضرب تريد الضرب الشديد وقيل التقاة اسم مصدر من اتقى كالتؤدة من اتأد .
والمعنى " بالغو أيها المؤمنون فى التمسك بتقوى الله ومراقبته وخشيته حتى لا تتركوا منها شيئاً ولا تكونن على ملة سوى ملة الإسلام إذا أردككم الموت ، وإنما عليكم أن تستمروا على دينكم القويم حتى يأتيكم الأجل الذى لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون .
وقد ساق ابن كثير بعض الآثار الى وردت عن بعض السلف فى تفسير هذه الآية الكريمة فمن ذلك ما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال فى معنى الآية { اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ } : أن يطاع فلا يُعصى . وأن يُذكر فلا يُنسى ، وأن يُشكر فلا يُكفر " .
وروى عن أنس أنه قال : لا يتقى الله العبد حق تقاته حتى يُخزن لسانه .
وقوله { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } هو نهى فى لصورة عن موتهم إلا على هذه الحالة والمراد دوامهم على الإسلام وذلك أن الموت لا بد منه فكأنه قيل : داوموا على الإسلام إلى أن يدرككم الموت فتموتوا على هذه الملة السمحاء وهى ملة الإسلام ، لكى تفوزوا برضا الله وحسن ثوابه .
والجملة الكريمة فى محل نصب على الحال من ضمير الجماعة فى { اتقوا } .
والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال : أى لا تموتن على حالة من الأحوال إلى على هذه الحالة الحسنة التى هى حالة المداومة على التمسك بالإسلام وتعاليمه وآدابه .
وقال صاحب الكشاف : قوله { وَلاَ تَمُوتُنَّ } معناه ولا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت ، وذلك كأن تقول لمن تستعين به على لقاء العدو : لا تأتنى إلا وأنت على حصان ، فأنت لا تنهاه عن الإتيان ولكنك تنهاه عن خلاف الحال التى شرطت عليه فى وقت الإتيان " .
وبعد هذا التحذير من التلقي عن أهل الكتاب وطاعتهم واتباعهم ينادي الله الجماعة المسلمة ويوجهها إلى القاعدتين الأساسيتين اللتين تقوم عليهما حياتها ومنهجها . واللتين لا بد منهما لكي تستطيع أن تضطلع بالأمانة الضخمة التي ناطها الله بها ، وأخرجها للوجود من أجلها . . هاتان القاعدتان المتلازمتان هما : الإيمان . والأخوة . . الإيمان بالله وتقواه ومراقبته في كل لحظة من لحظات الحياة . والأخوة في الله ، تلك التي تجعل من الجماعة المسلمة بنية حية قوية صامدة ، قادرة على أداء دورها العظيم في الحياة البشرية ، وفي التاريخ الإنساني : دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وإقامة الحياة على أساس المعروف وتطهيرها من لوثة المنكر :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم : إذ كنتم أعداء ، فألف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخوانا . وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها . كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون . ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون . ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ، وأولئك لهم عذاب عظيم . يوم تبيض وجوه وتسود وجوه . فأما الذين اسودت وجوههم : أكفرتم بعد إيمانكم ؟ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون . وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) . .
إنهما ركيزتان تقوم عليهما الجماعة المسلمة ، وتؤدي بهما دورها الشاق العظيم . فإذا انهارت واحدة منهما لم تكن هناك جماعة مسلمة ، ولم يكن هنالك دور لها تؤديه :
ركيزة الإيمان والتقوى أولا . . التقوى التي تبلغ أن توفي بحق الله الجليل . . التقوى الدائمة اليقظة التي لا تغفل ولا تفتر لحظة من لحظات العمر حتى يبلغ الكتاب أجله :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) . .
اتقوا الله - كما يحق له أن يتقى - وهي هكذا بدون تحديد تدع القلب مجتهدا في بلوغها كما يتصورها وكما يطيقها . وكلما أوغل القلب في هذا الطريق تكشفت له آفاق ، وجدت له أشواق . وكلما اقترب بتقواه من الله ، تيقظ شوقه إلى مقام أرفع مما بلغ ، وإلى مرتبة وراء ما ارتقى . وتطلع إلى المقام الذي يستيقظ فيه قلبه فلا ينام !
( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) . .
والموت غيب لا يدري إنسان متى يدركه . فمن أراد ألا يموت إلا مسلما فسبيله أن يكون منذ اللحظة مسلما ، وأن يكون في كل لحظة مسلما . وذكر الإسلام بعد التقوى يشي بمعناه الواسع : الاستسلام . الاستسلام لله ، طاعة له ، واتباعا لمنهجه ، واحتكاما إلى كتابه . وهو المعنى الذي تقرره السورة كلها في كل موضع منها ، على نحو ما أسلفنا .
هذه هي الركيزة الأولى التي تقوم عليها الجماعة المسلمة لتحقق وجودها وتؤدي دورها . إذ أنه بدون هذه الركيزة يكون كل تجمع تجمعا جاهليا . ولا يكون هناك منهج لله تتجمع عليه أمة ، إنما تكون هناك مناهج جاهلية . ولا تكون هناك قيادة راشدة في الأرض للبشرية ، إنما تكون القيادة للجاهلية .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سِنان ، حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان وشُعْبَة ، عن زُبَيْد الياميّ ، عن مُرَّة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال : أن يُطاع فلا يُعْصَى ،
وأن يُذْكَر فلا يُنْسَى ، وأن يُشْكَر فلا يُكْفَر{[5419]} .
وهذا إسناد صحيح موقوف ، [ وقد تابع مرة عليه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود ] {[5420]} .
وقد رواه ابن مَرْدُويه من حديث يونس بن{[5421]} عبد الأعلى ، عن ابن وَهْب ، عن سفيان الثوري ، عن زُبَيْد ، عن مُرَّة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } أن يُطَاعَ فَلا يُعْصَى ، وَيُشْكَرَ فَلا يُكْفَرَ ، ويُذْكَر فَلا يُنْسَى " .
وكذا رواه الحاكم في مستدركه ، من حديث مِسْعَر ، عن زُبَيْد ، عن مُرَّة ، عن ابن مسعود ، مرفوعا فذكره . ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . كذا قال . والأظهر{[5422]} أنه موقوف{[5423]} والله أعلم .
ثم قال ابن أبي حاتم : ورُوي نحوهُ عن مُرة الهَمْداني ، والربيع بن خُثَيم ، وعمرو بن ميمون ، وإبراهيم النَّخَعي ، وطاووس ، والحسن ، وقتادة ، وأبي سِنان ، والسُّدِّي ، نحوُ ذلك .
[ وروي عن أنس أنه قال : لا يتقي العبد الله حق تقاته حتى يخزن من لسانه ]{[5424]} .
وقد ذهب سعيد بن جُبَير ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، ومقاتل بن حَيّان ، وزيد بن أسلم ، والسُّدِّي وغيرهم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ]
وقال علي بن أبي طَلْحة ، عن ابن عباس في قوله : { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال : لم تُنْسخ ، ولكن { حَقَّ تُقَاتِهِ } أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده ، ولا تأخذهم في الله لَوْمَة لائم ، ويقوموا بالقِسْط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم .
وقوله : { وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } أي : حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه ، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء بُعث عليه ، فعياذًا بالله من خلاف ذلك .
قال الإمام أحمد : حدثنا رَوْح ، حدثنا شُعْبة قال : سمعتُ سليمان ، عن مجاهد ، أنّ الناس كانوا يطوفون بالبيت ، وابنُ عباس جالس معه مِحْجَن ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } وَلَوْ أنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ لأمَرّتْ عَلَى أهْلِ الأرْضِ عِيشَتَهُمْ {[5425]}فَكَيْفَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ إلا الزَّقُّومُ " .
وهكذا رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وابن حِبَّان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، من طرق عن شعبة ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح . وقال الحاكم : على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه{[5426]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا الأعمش ، عن زيد بن وَهْب ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ، عن عبد الله بن عَمْرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّار وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ ، وَهُوَ يُؤْمِنُ{[5427]} بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، ويَأْتِي إلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أنْ يُؤتَى إلَيْهِ " {[5428]} .
وقال الإمام أحمد أيضًا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث : " لا يَمُوتَنَّ أحَدُكُمْ{[5429]} إلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ " . ورواه مسلم من طريق الأعمش ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا [ أبو ]{[5430]} يونس ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّ اللهَ قال : أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، فإنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإنْ ظَنَّ شَرا فَلَهُ " {[5431]} .
وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين{[5432]} من وجه آخر ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَقُولُ اللهُ [ عز وجل ]{[5433]} أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي " {[5434]} .
وقال الحافظ أبو بكر البزّار : حدثنا محمد بن عبد الملك القُرَشي ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت - وأحسبه - عن أنس قال : كان رجل من الأنصار مريضًا ، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يَعودُه ، فوافقه في السوق فسلَّم عليه ، فقال له : " كَيْفَ أنْتَ يَا فُلانُ ؟ " قال{[5435]} بخير يا رسول الله ، أرجو الله أخاف ذنوبي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ إلا أعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو وآمَنَهُ ممَّا يَخَافُ " .
ثم قال : لا نعلم رواه عن ثابت غير جعفر بن سليمان . وهكذا رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة من حديثه ، ثم قال الترمذي : غريب . وقد رواه بعضهم عن ثابت مرسلا{[5436]} .
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شُعبة ، عن أبي بِشْر ، عن يوسف بن مَاهك ، عن حكيم بن حِزَام قال : بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على ألا أخِرَّ إلا قائما . ورواه النسائي في سننه عن إسماعيل بن مسعود ، عن خالد بن الحارث ، عن شعبة ، به ، وترجم عليه فقال : ( باب كيف يخر للسجود ){[5437]} ثم ساقه مثله{[5438]} فقيل : معناه : على ألا أموت إلا مسلمًا ، وقيل : معناه : [ على ]{[5439]} ألا أُقتل إلا مُقبِلا غير مُدبِر ، وهو يرجع إلى الأول .
{ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : يا معشر من صدّق الله ورسوله ، { اتقوا الله } خافوا الله وراقبوه بطاعته ، واجتناب معاصيه ، { حق تقاته } حقّ خوفه ، وهو أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى . { ولا تموتنّ } أيها المؤمنون بالله ورسوله ، { إلا وأنتم مسلمون } لربكم ، مذعنون له بالطاعة ، مخلصون له الألوهية والعبادة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن زبيد ، عن مرة ، عن عبد الله : { اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ } قال : أن يُطاع فلا يُعصى ، ويُذكر فلا يُنسى ، ويُشكر فلا يُكفر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا شعبة ، عن زبيد ، عن مرة الهمداني ، عن عبد الله مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن زبيد ، عن مرة الهمداني ، عن عبد الله مثله .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا ، عن زبيد ، عن مرة بن شراحيل الهمداني ، عن عبد الله بن مسعود ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا جرير ، عن زبيد ، عن عبد الله ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا مسعر ، عن زبيد ، عن مرة ، عن عبد الله ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن المسعودي ، عن زبيد الأيامي ، عن مرّة ، عن عبد الله ، مثله .
حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن زبيد ، عن مرة ، عن عبد الله ، مثله .
حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا يحيى بن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون : { اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ } قال : أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، نحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا عمرو بن مرة ، عن الربيع بن خُثَيْم ، قال : أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكره فلا ينسى .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال : سمعت مرة الهمداني يحدّث عن الربيع بن خُثَيْم في قول الله عزّ وجلّ : { اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ } فذكر نحوه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن قيس بن سعد ، عن طاوس : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ } أن يطاع فلا يعصى .
حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا عباد ، عن الحسن ، في قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ } قال : حقّ تقاته أن يطاع فلا يعصي .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم تقدم إليهم ، يعني إلى المؤمنين من الأنصار ، فقال : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إلاّ وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ } أما حق تقاته : يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حجاج بن المنهال ، قال : حدثنا همام ، عن قتادة : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ } أن يطاع فلا يعصى ، قال : { ولا تَمُوتُنّ إلاّ وأنْتُم مِسْلِمُونَ } .
وقال آخرون : بل تأويل ذلك كما :
حدثني به المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ } قال : حقّ تقاته أن يجاهدوا في سبيل الله حقّ جهاده ، ولا يأخذهم في الله لومة لائم ، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم .
ثم اختلف أهل التأويل في هذه الاَية ، هل هي منسوخة أم لا ؟ فقال بعضهم : هي محكمة غير منسوخة . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : { اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ } إنها لم تنسخ ، ولكن حقّ تقاته أن تجاهد في الله حقّ جهاده . ثم ذكر تأويله الذي ذكرناه عنه آنفا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن نجيح ، عن قيس بن سعد ، عن طاوس : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ } فإن لم تفعلوا ولم تستطيعوا ، { فَلاَ تَمُوتُنّ إلاّ وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال طاوس ، قوله : { وَلاَ تَمُوتُنّ إلاّ وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ } يقول : إن لم تتقوه فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون .
وقال آخرون : هي منسوخة ، نسخها قوله : { فاتّقُوا اللّهَ ما استْطَعْتُمْ } . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إلاّ وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ثم أنزل التخفيف واليسر ، وعاد بعائدته ورحمته على ما يعلم من ضعف خلقه ، فقال : { فاتّقُوا الله ما اسْتَطَعْتُمْ } فجاءت هذه الاَية فيها تخفيف وعافية ويسر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال الأنماطي ، قال : حدثنا همام ، عن قتادة : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ ألاّ وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ } قال : نسختها هذه الاَية التي في التغابن { فاتّقُوا اللّهَ ما اسْتَطَعْتُمْ واسمَعُوا وأطِيعُوا } وعليها بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما استطاعوا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، قال : لما نزلت : { اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ } ثم نزل بعدها : { فاتّقُوا اللّهَ ما اسْتَطَعْتُم } فنسخت هذه الاَية التي في آل عمران .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إلاّ وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ } فلم يطق الناس هذا ، فنسخه الله عنهم ، فقال : { فاتّقُوا اللّهَ ما اسْتَطَعْتُمْ } .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَق تُقاتِهِ } قال : جاء أمر شديد ، قالوا : ومن يعرف قدر هذا أو يبلغه ؟ فلما عرف أنه قد اشتدّ ذلك عليهم ، نسخها عنهم ، وجاء بهذه الأخرى ، فقال : { فاتّقُوا اللّهَ ما اسْتَطَعْتُمْ } فنسخها .
وأما قوله : { وَلاَ تَمُوتُنّ إلاّ وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ } فإن تأويله كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن قيس بن سعد ، عن طاوس : { وَلاَ تَمُوتُنّ إلاّ وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ } قال : على الإسلام وعلى حرمة الإسلام .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } حق تقواه وما يجب منها ، وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم كقوله : { فاتقوا الله ما استطعتم } وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : هو أن يطيع فلا يعصي ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى . وقيل هو أن تنزه الطاعة عن الالتفات إليها وعن توقع المجازاة عليها . وفي هذا الأمر تأكيد للنهي عن طاعة أهل الكتاب ، وأصل تقاة وقية فقلبت واوها المضمومة تاء كما في تؤده وتخمه والياء ألفا . { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } أي ولا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت ، فإن النهي عن المقيد بحال أو غيرها قد يتوجه بالذات نحو الفعل تارة والقيد أخرى وقد يتوجه نحو المجموع دونهما وكذلك النفي .
{ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ }
الخطاب بهذه الآية يعم جميع المؤمنين ، والمقصود به وقت نزولها الأوس والخزرج الذين شجر بينهم بسعاية شاس بن قيس ما شجر ، و «تقاة » مصدر وزنة فعلة ، أصله تقية ، وقد تقدم قوله : { إلا أن تتقوا منهم تقاة }{[3378]} ، ويصح أن تكون التقاة في هذه الآية جمع فاعل وإن كان لم يتصرف منه فيكون كرماة ورام ، أو يكون جمع تقي إذ فعيل وفاعل بمنزلة ، والمعنى على هذا : اتقوا الله كما يحق أن يكون متقوه المختصون به ، ولذلك أضيفوا إلى ضمير الله تعالى ، واختلف العلماء في قوله : { حق تقاته } فقالت فرقة : نزلت الآية على عموم لفظها ، وألزمت الأمة أن تتقي الله غاية التقوى حتى لا يقع إخلال في شيء من الأشياء ، ثم إن الله نسخ ذلك عن الأمة بقوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم }{[3379]} وبقوله : { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها }{[3380]} قال ذلك قتادة والسدي والربيع بن أنس وابن زيد وغيرهم ، وقالت جماعة من أهل العلم : لا نسخ في شيء من هذا ، وهذه الآيات متفقات ، فمعنى هذه : اتقوا الله حقَّ تقاته فيما استطعتم ، وذلك أن { حق تقاته } هو بحسب أوامره ونواهيه ، وقد جعل تعالى الدين يسراً ، وهذا هو القول الصحيح ، وألا يعصي ابن آدم جملة لا في صغيرة ولا في كبيرة ، وألا يفتر في العبادة أمر متعذر في جبلة البشر ، ولو كلف الله هذا لكان تكليف ما لا يطاق ، ولم يلتزم ذلك أحد في تأويل هذه الآية ، وإنما عبروا في تفسير هذه الآية بأن قال ابن مسعود رضي الله عنه : { حق تقاته } : هو أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى{[3381]} ، وكذلك عبر الربيع بن خيثم وقتادة والحسن ، وقال ابن عباس رضي عنهما : معنى قوله ، { واتقوا الله حق تقاته } : جاهدوا في الله حق جهاده ولا نسخ في الآية ، وقال طاوس في معنى قوله تعالى : { اتقوا الله حق تقاته } : يقول تعالى ، إن لم تتقوه ولم تستطيعوا ذلك فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، وقوله تعالى : { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } معناه : دوموا على الإسلام حتى يوافيكم الموت وأنتم عليه . هكذا هو وجه الأمر في المعنى ، وجاءت العبارة على هذا النظم الرائق الوجيز ، ونظيره ما حكى سيبويه من قولهم : لا أرينك هاهنا ، وإنما المراد : لا تكن هاهنا فتكون رؤيتي لك ، و { مسلمون } في هذه الآية ، هو المعنى الجامع في التصديق والأعمال ، وهو الدين عند الله وهو الذي بني على خمس .