المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ} (4)

4- إن في قدرتنا أن نأتيهم بمعجزة تلجئهم إلي الإيمان ، فيخضعوا لأمره ، ويتم ما ترجوه ، ولم نأتهم بذلك لأن سنتنا تكليف الناس بالإيمان دون إلجاء ، كي لا تفوت الحكمة في الابتلاء ، وما وراءه من ثواب وعقاب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ} (4)

{ إِنْ نَشَأْ نُنزلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً } .

أي : من آيات الاقتراح ، { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ } أي : أعناق المكذبين { لَهَا خَاضِعِينَ } ولكن لا حاجة إلى ذلك ، ولا مصلحة فيه ، فإنه إذ ذاك الوقت ، يكون الإيمان غير نافع ، وإنما الإيمان النافع ، الإيمان بالغيب ، كما قال تعالى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا } الآية .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ} (4)

{ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } .

ومفعول المشيئة محذوف ، والمراد بالآية هنا المعجزة القاهرة التى تجعلهم لا يملكون انصرافا معها عن الإيمان ، والأعناق جمع عنق . وقد تطلق على وجوه الناس وزعمائهم تقول : جاءنى عنق من الناس : أى جماعة منهم أو من رؤسائهم والمقدمين فيهم .

والمعنى : لا تحزن يا محمد لعدم إيمان كفار مكة بك ، فإننا إن نشأ إيمانهم ، ننزل عليهم آية ملجئة لهم إلى الإيمان ، تجعلهم ينقادون له ، ويدخلون فيه دخولا ملزما لهم ، ولكنا لا نفعل ذلك ، لأن حكمتنا قد اقتضت أن يكون دخول الناس فى الإيمان عن طريق الاختيار والرغبة ، وليس عن طريق الإلجاء والقسر .

وصور - سبحانه - هذه الآية بتلك الصورة الحسية { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } ، للإشعار بأن هذه بالآية لو أراد - سبحانه - إنزالها لجعلتهم يخضعون خضوعا تاما لها ، حتى لكأن أعناقهم على هيئة من الخضوع والذلة لا تملك معها الارتفاع أو الحركة .

قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : كيف صح مجىء خاضعين خبرا عن الأعناق ؟ قلت : أصل الكلام : فظلوا لها خاضعين . فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع ، وترك الكلام على أصله . كقوله : ذهبت أهل اليمامة ، كأن الأهل غير مذكور . أو لما وصفت بالخضوع الذى هو للعقلاء ، قيل : خاضعين . . . . وقيل أعناق الناس : رؤساؤهم ومقدموهم شبهوا بالأعناق كما قيل لهم : هم الرءوس والنواصى والصدور . . . وقيل : جماعات الناس . . " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ} (4)

فربه يرأف به ، وينهنهه عن هذا الهم القاتل ، ويهون عليه الأمر ، ويقول له : إن إيمانهم ليس مما كلفت ؛ ولو شئنا أن نكرههم عليه لأكرهناهم ، ولأنزلنا من السماء آية قاهرة لا يملكون معها جدالا ، ولا إنصرافا عن الإيمان . ويصور خضوعهم لهذه الأية صورة حسية : ( فظلت أعناقهم لها خاضعين )ملوية محنية حتى لكأن هذه هيئة لهم لا تفارقهم ، فهم عليها مقيمون !

ولكنه - سبحانه - لم يشأ أن يجعل مع هذه الرسالة الأخيرة آية قاهرة . لقد جعل آيتها القرآن . منهاج حياة كاملة . معجزا في كل ناحية :

معجزا في بنائه التعبيري وتنسيقه الفني ، باستقامته على خصائص واحدة ، في مستوى واحد ، لا يختلف ولا يتفاوت ، ولا تتخلف خصائصه ؛ كما هي الحال في أعمال البشر . إذ يبدو الارتفاع والانخفاض والقوة والضعف في عمل الفرد الواحد ، المتغير الحالات . بينما تستقيم خصائص هذا القرآن التعبيرية على نسق واحد ، ومستوى واحد ، ثابت لا يتخلف ، يدل على مصدره الذي لا تختلف عليه الأحوال .

معجزا في بنائه الفكري ، وتناسق أجزائه وتكاملها ، فلا فلتة فيه ولا مصادفة . كل توجيهاته وتشريعاته تلتقي وتتناسق وتتكامل ؛ وتحيط بالحياة البشرية ، وتستوعبها ، وتلبيها وتدفعها ، دون أن تتعارض جزئية واحدة من ذلك المنهاج الشامل الضخم مع جزئية أخرى ؛ ودون أن تصطدم واحدة منها بالفطرة الإنسانية أو تقصر عن تلبيتها . . وكلها مشدودة إلى محور واحد ، وإلى عروة واحدة ، في اتساق لا يمكن أن تفطن إليه خبرة الإنسان المحدودة . ولا بد أن تكون هناك خبرة مطلقة ، غير مقيدة بقيود الزمان والمكان . هي التي أحاطت به هذه الإحاطة ، ونظمته هذا التنظيم .

معجزا في يسر مداخله إلى القلوب والنفوس ، ولمس مفاتيحها ، وفتح مغاليقها ، واستجاشة مواضع التأثر والاستجابة فيها ؛ وعلاجه لعقدها ومشكلاتها في بساطة ويسر عجيبين ؛ وفي تربيتها وتصريفها وفق منهجه بأيسر اللمسات ، دون تعقيد ولا التواء ولا مغالطة .

لقد شاء الله أن يجعل هذا القرآن هو معجزة هذه الرسالة - ولم يشأ أن ينزل آية قاهرة مادية تلوي الأعناق وتخضعها وتضطرها إلى التسليم - ذلك أن هذه الرسالة الأخيرة رسالة مفتوحة للأمم كلها ، وللأجيال كلها . وليست رسالة مغلقة على أهل زمان أو أهل مكان . فناسب أن تكون معجزتها مفتوحة كذلك للبعيد والقريب . لكل أمة ولكل جيل . والخوارق القاهرة لا تلوي إلا أعناق من يشاهدونها ؛ ثم تبقى بعد ذلك قصة تروى ، لا واقعا يشهد . . فأما القرآن فها هو ذا بعد أكثر من ثلاثة عشر قرنا كتاب مفتوح ومنهج مرسوم ، يستمد منه أهل هذا الزمان ما يقوم حياتهم - لو هدوا إلى اتخاذه إمامهم - ويلبي حاجاتهم كاملة ؛ ويقودهم بعدها إلى عالم أفضل ، وأفق أعلى ، ومصير أمثل . وسيجد فيه من بعدنا كثيرا مما لم نجده نحن ؛ ذلك أنه يعطي كل طالب بقدر حاجته ؛ ويبقى رصيده لا ينفد ، بل يتجدد . ولكن لم يكونوا يفطنون إلى هذه الحكمة الكبرى . فكانوا يعرضون عما يتنزل عليهم من هذا القرآن العظيم حينا بعد حين :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِن نّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مّنَ السّمَآءِ آيَةً فَظَلّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : فَظَلّتْ أعْناقُهُمْ . . . الاَية ، فقال بعضهم : معناه : فظلّ القوم الذين أنزل عليهم من السماء آية خاضعة أعناقهم لها من الذَلّة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد في قوله : فَظَلّتْ أعْناقُهُمْ لَهَا خاضِعينَ قال : فظلوا خاضعة أعناقهم لها .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله خاضِعِينَ قال : لو شاء الله لنزّل عليه آية يذلون بها ، فلا يَلْوِي أحد عنقه إلى معصية الله .

حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج أنْ لا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إنْ نَشأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السّماءِ آيَةً قال : لو شاء الله لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده بمعصية .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَظَلّتْ أعْناقُهُمْ لَهَا خاضِعِينَ قال : ملقين أعناقهم .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَظَلّتْ أعْناقُهُمْ لَهَا خاضِعِينَ قال : الخاضع : الذليل .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلت سادتهم وكبراؤهم للاَية خاضعين ، ويقول : الأعناق : هم الكبراء من الناس .

واختلف أهل العربية في وجه تذكير خاضعين ، وهو خبر عن الأعناق ، فقال بعض نحويّي البصرة : يزعمون أن قوله أعْناقُهُمْ على الجماعات ، نحو : هذا عنق من الناس كثير ، أو ذُكّركما يذكّر بعض المؤنث ، كما قال الشاعر :

تَمَزّزْتها والدّيكُ يَدْعُو صَباحَهُ *** إذا ما بنو نَعْشٍ دَنَوْا فَتَصَوّبُوا

فجماعات هذا أعناق ، أو يكون ذكره لإضافته إلى المذكر كما يؤنث لإضافته إلى المؤنث ، كما قال الأعشى :

ونَشْرَقُ بالقَوْل الّذي قَدْ أذَعْتَه *** كمَا شَرقَتْ صَدْرُ القَناةِ مِنَ الدّم

وقال العجاج :

*** لَمّا رأى مَتْنَ السّماء أبْعَدَتْ ***

وقال الفرزدق :

إذَا الْقُنْبُضَات السّود طَوّفْنَ بالضحى *** رَقَدْنَ عَلَيْهِنّ الحِجالُ المَسَجّفُ

وقال الأعشى :

وَإنّ امْرَأً أهْدَى إلَيْكِ وَدُونَهُ *** مِنَ الأرْضِ يَهْماءٌ وَبَيْدَاءُ خَيْفَقُ

لَمَحْقُوقَةٌ أن تَسْتَجِيبِي لِصَوْتِهِ *** وأنْ تَعْلَمِي أنّ المُعانَ المُوَفّقُ

قال : ويقولون : بنات نعش وبنو نعش ، ويقال : بنات عِرس ، وبنو عِرس وقالت امرأة : أنا امرؤ لا أخبر السرّ ، قال : وذكر لرؤبة رجل فقال : هو كان أحد بنات مساجد الله ، يعني الحَصَى . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : هذا بمنزلة قول الشاعر :

تَرَى أرْماحَهُمْ مُتَقَلدِيها *** إذَا صَدِىءَ الحَدِيدُ على الكُماةِ

فمعناه عنده : فظلت أعناقهم خاضعيها هم ، كما يقال : يدك باسطها ، بمعنى : يدك باسطها أنت ، فاكتفى بما ابتدأ به من الاسم أن يكون ، فصار الفعل كأنه للأوّل وهو للثاني ، وكذلك قوله : لمحقوقة أن تستجيبي لصوته إنما هو لمحقوقة أنت ، والمحقوقة : الناقة ، إلا أنه عطفه على المرء لما عاد بالذكر . وكان آخر منهم يقول : الأعناق : الطوائف ، كما يقال : رأيت الناس إلى فلان عنقا واحدة ، فيجعل الأعناق الطوائف والعُصَب ويقول : يحتمل أيضا أن تكون الأعناق هم السادة والرجال الكبراء ، فيكون كأنه قيل : فظلت رؤوس القوم وكبراؤهم لها خاضعين ، وقال : أحبّ إليّ من هذين الوجهين في العربية أن يقال : إن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون ، فجعلْت الفعل أوّلاً للأعناق ، ثم جَعَلْتَ خاضعين للرجال ، كما قال الشاعر :

عَلى قَبْضَة مَرْجُوّة ظَهْرُ كَفّهِ *** فَلا المَرْءُ مُسْتَحْيٍ وَلا هُوَ طاعِمُ

فأنث فعل الظهر ، لأن الكفّ تجمع الظهر ، وتكفي منه ، كما أنك تكتفي بأن تقول : خضعت لك ، من أن تقول : خَضَعَتْ لك رقبتي ، وقال : ألا ترى أن العرب تقول : كل ذي عين ناظر وناظرة إليك ، لأن قولك : نظرتْ إليك عيني ، ونظرتُ إليك بمعنى واحد بترك كل ، وله الفعل وبرده إلى العين ، فلو قلت : فظلت أعناقهم لها خاضعة ، كان صوابا .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأشبهها بما قال أهل التأويل في ذلك أن تكون الأعناق هي أعناق الرجال ، وأن يكون معنى الكلام : فظلت أعناقهم ذليلة ، للاَية التي ينزلها الله عليهم من السماء ، وأن يكون قوله «خاضعين » مذكرا ، لأنه خبر عن الهاء والميم في الأعناق ، فيكون ذلك نظير قول جرير :

أرَى مَرّ السّنِينَ أخَذْنَ مِنّي *** كمَا أخَذَ السّرَارُ مِنَ الهِلالِ

وذلك أن قوله : مرّ ، لو أسقط من الكلام ، لأدى ما بقي من الكلام عنه ولم يفسد سقوطه معنى الكلام عما كان به قبل سقوطه ، وكذلك لو أسقطت الأعناق من قوله : فظلت أعناقهم ، لأدى ما بقي من الكلام عنها ، وذلك أن الرجال إذا ذلّوا ، فقد ذلت رقابهم ، وإذا ذلت رقابهم فقد ذلوا .

فإن قيل في الكلام : فظلوا لها خاضعين ، كان الكلام غير فاسد ، لسقوط الأعناق ، ولا متغير معناه عما كان عليه قبل سقوطها ، فصرف الخبر بالخضوع إلى أصحاب الأعناق ، وإن كان قد ابتدأ بذكر الأعناق لما قد جرى به استعمال العرب في كلامهم ، إذا كان الاسم المبتدأ به ، وما أضيف إليه يؤدّي الخبر كلّ واحد منهما عن الاَخر .