المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

80- وقل : يا رب أدخلني إدخالا مرضياً كريماً في كل ما أدخل فيه من أمر أو مكان ، وأخرجني منه إخراجاً مرضياً كريماً ، واجعل من فضلك قوة تنصرني بها على أعدائي .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

وقوله : { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } أي : اجعل مداخلي ومخارجي كلها في طاعتك وعلى مرضاتك ، وذلك لتضمنها الإخلاص وموافقتها الأمر .

{ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا } أي : حجة ظاهرة ، وبرهانًا قاطعًا على جميع ما آتيه وما أذره .

وهذا أعلى حالة ينزلها الله العبد ، أن تكون أحواله كلها خيرًا ومقربة له إلى ربه ، وأن يكون له -على كل حالة من أحواله- دليلاً ظاهرًا ، وذلك متضمن للعلم النافع ، والعمل الصالح ، للعلم بالمسائل والدلائل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يكثر من اللجوء إليه عن طريق الدعاء ، بعد أن أمره بذلك عن طريق المداومة على الصلاة ، فقال - تعالى - : { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } .

والمدخل والمخرج - يضم الميم فيهما - مصدران بمعنى الإِدخال والإِخراج ، فهما كالمجرى والمرسى وإضافتهما إلى الصدق من إضافة الموصوف لصفته .

قال الآلوسى : واختلف فى تعيين المراد من ذلك ، فأخرج الزبير بن بكار عن زيد بن أسلم ، أن المراد : بالإِدخال : دخول المدينة ، وبالإِخراج : الخروج من مكة ، ويدل عليه ما أخرجه أحمد ، والطبرانى ، والترمذى وحسنه ، والحاكم وصححه ، وجماعة ، عن ابن عباس قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم بمكة ، ثم أمر بالهجرة ، فأنزل الله - تعالى - عليه هذه الآية . وبدأ بالإِدخال لأنه الأهم . . .

ثم قال : والأظهر أن المراد إدخاله - عليه الصلاة والسلام - إدخالاً مرضيًا فى كل ما يدخل فيه ويلابسه من مكان أو أمر ، وإخراجه - من كل ما يخرج منه خروجًا مرضيًا - كذلك - ، فتكون الآية عامة فى جميع الموارد والمصادر . . . .

ويبدو لنا أن المعنى الذى أشار إليه الآلوسى - رحمه الله - بأنه الأظهر ، هو الذى تسكن إليه النفس ، ويدخل فيه غيره دخولاً أوليا ، ويكون المعنى :

وقل - أيها الرسول الكريم - متضرعًا إلى ربك : يا رب أدخلنى إدخالاً مرضيًا صادقًا فى كل ما أدخل فيه من أمر أو مكان ، وأخرجنى كذلك إخراجًا طيبًا صادقًا من كل أمر أو مكان .

والمراد بالسلطان فى قوله - تعالى - : { واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } الحجة البينة الواضحة التى تقنع العقول ، والقوة الغالبة التى ترهب المبطلين .

أى : واجعل لى - يا إلهى - من عندك حجة تنصرنى بها على من خالفنى ، وقوة تعيننى بها على إقامة دينك ، وإزالة الشرك والكفر .

وقد وضح صاحب الكشاف هذا المعنى فقال : قوله : { واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } أى : حجة تنصرنى على من خالفنى ، أو ملكًا وعزًا قويًا ناصرًا للإِسلام على الكفر ، مظهرًا له عليه ، فأجيبت دعوته بقوله :

{ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس } { فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون } { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ } { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض } ووعده لينزعن ملك فارس والروم فيجعله له .

" وعنه صلى الله عليه وسلم أنه استعمل " عتاب بن أسيد " على أهل مكة وقال : انطلق فقد استعملتك على أهل الله ، فكان شديدًا على المريب . لينًا على المؤمن ، وقال : لا والله لا أعلم متخلفا يتخلف عن الصلاة فى جماعة إلا ضربت عنقه ، فإنه لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق . فقال أهل مكة : يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله " عتاب بن أسيد " أعرابيًا جافيًا .

فقال صلى الله عليه وسلم : " إنى رأيت فيما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة ، فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالاً شديدًا ، حتى فتح له فدخلها ، فأعز الله به الإِسلام لنصرته المسلمين على من يريد ظلمهم ، فذلك السلطان النصير " " .

وقال ابن كثير - بعد أن ساق بعض الأقوال فى معنى الآية الكريمة - قوله : { واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } قال الحسن البصرى فى تفسيرها : وعده ربه لينزعن ملك فارس والروم وليجعلنه له .

وقال قتادة فيها : إن نبى الله علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان . فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب الله . ولحدود الله ، ولفرائض الله ، ولإِقامة دين الله ، فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده ، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض فأكل شديدهم ضعيفهم . . .

ثم قال ابن كثير : واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة ، وهو الأرجح ، لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه ، ولهذا يقول - تعالى - : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ . . . } وفى الحديث : " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " أى : ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ، ما لا يمتنع كثير من الناس عن ارتكابه بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد ، والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع .

وفى قوله - تعالى - : { واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ } تصوير بديع لشدة القرب والاتصال بالله - تعالى - واستمداد العون منه - سبحانه - مباشرة ، واللجوء إلى حماه بدون وساطة من أحد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

73

( وقل : رب أدخلني مدخل صدق . وأخرجني مخرج صدق ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) .

وهو دعاء يعلمه الله لنبيه ليدعوه به . ولتتعلم أمته كيف تدعو الله وفيم تتجه إليه . دعاء بصدق المدخل وصدق المخرج ، كناية عن صدق الرحلة كلها . بدئها وختامها . أولها وآخرها وما بين الأول والآخر . وللصدق هنا قيمته بمناسبة ما حاوله المشركون من فتنته عما أنزل الله عليه ليفتري على الله غيره . وللصدق كذلك ظلاله : ظلال الثبات والاطمئنان والنظافة والإخلاص . ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) قوة وهيبة استعلي بهما على سلطان الأرض وقوة المشركين وكلمة ( من لدنك ) تصور القرب والاتصال بالله والاستمداد من عونه مباشرة واللجوء إلى حماه .

وصاحب الدعوة لا يمكن أن يستمد السلطان إلا من الله . ولا يمكن أن يهاب إلا بسلطان الله . لا يمكن أن يستظل بحاكم أو ذي جاه فينصره ويمنعه ما لم يكن اتجاهه قبل ذلك إلي الله . والدعوة قد تغزو قلوب ذوي السلطان والجاه ، فيصبحون لها جندا وخدما فيفلحون ، ولكنها هي لا تفلح إن كانت من جند السلطان وخدمه ، فهي من أمر الله ، وهي أعلى من ذوي السلطان والجاه .