282- يا أيها الذين آمنوا إذا داين بعضكم بعضا بَدْينٍ مؤجل إلى أجل ، ينبغي أن يكون الأجل معلوماً ، فاكتبوه حفظاً للحقوق تفادياً للنزاع ، وعلى الكاتب أن يكون عادلا في كتابته ، ولا يمتنع عن الكتابة ، شكراً لله الذي علمه ما لم يكن يعلم ، فليكتب ذلك الدين حسب اعتراف المدين وعلى المدين أن يخشى ربه فلا ينقص من الدين شيئاً ، فإن كان المدين لا يحسن التصرف ولا يقدر الأمور تقديراً حسناً ، أو كان ضعيفاً لصغر أو مرض أو شيخوخة ، أو كان لا يستطيع الإملاء لخرس أو عقدة لسان أو جهل بلغة الوثيقة ، فَلْيُنِبْ عنه وليه الذي عينه الشرع أو الحاكم ، أو اختاره هو في إملاء الدين على الكاتب بالعدل التام . وأشهدوا على ذلك الدين شاهدين من رجالكم ، فإن لم يوجدا فليشهد رجل وامرأتان تشهدان معاً لتؤديا الشهادة معاً عند الإنكار ، حتى إذا نسيت إحداهما ذكرتها الأخرى ، ولا يجوز الامتناع عن أداء الشهادة إذا ما طُلب الشهود ، ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً كان أو كبيراً ما دام مؤجلا لأن ذلك أعدل في شريعة الله وأقوى في الدلالة على صحة الشهادة ، وأقرب إلى درء الشكوك بينكم ، إلا إذا كان التعامل على سبيل التجارة الحاضرة ، تتعاملون بها بينكم ، فلا مانع من ترك الكتابة إذ لا ضرورة إليها . ويطلب منكم أن تشهدوا على المبايعة حسماً للنزاع ، وتفادوا أن يلحق أي ضرر بكاتب أو شاهد ، فذلك خروج على طاعة الله ، وخافوا الله واستحضروا هيبته في أوامره ونواهيه ، فإن ذلك يلزم قلوبكم الإنصاف والعدالة ، والله يبين ما لكم وما عليكم ، وهو بكل شيء - من أعمالكم وغيرها - عليم{[29]} .
{ 282 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
هذه آية الدين ، وهي أطول آيات القرآن ، وقد اشتملت على أحكام عظيمة جليلة المنفعة والمقدار ، أحدها : أنه تجوز جميع أنواع المداينات من سلم وغيره ، لأن الله أخبر عن المداينة التي عليها المؤمنون إخبار مقرر لها ذاكرا أحكامها ، وذلك يدل على الجواز ، الثاني والثالث أنه لا بد للسلم من أجل وأنه لا بد أن يكون معينا معلوما فلا يصح حالا ولا إلى أجل مجهول ، الرابع : الأمر بكتابة جميع عقود المداينات إما وجوبا وإما استحبابا لشدة الحاجة إلى كتابتها ، لأنها بدون الكتابة يدخلها من الغلط والنسيان والمنازعة والمشاجرة شر عظيم ، الخامس : أمر الكاتب أن يكتب ، السادس : أن يكون عدلا في نفسه لأجل اعتبار كتابته ، لأن الفاسق لا يعتبر قوله ولا كتابته ، السابع أنه يجب عليه العدل بينهما ، فلا يميل لأحدهما لقرابة أو صداقة أو غير ذلك ، الثامن : أن يكون الكاتب عارفا بكتابة الوثائق وما يلزم فيها كل واحد منهما ، وما يحصل به التوثق ، لأنه لا سبيل إلى العدل إلا بذلك ، وهذا مأخوذ من قوله : { وليكتب بينكم كاتب بالعدل } التاسع : أنه إذا وجدت وثيقة بخط المعروف بالعدالة المذكورة يعمل بها ، ولو كان هو والشهود قد ماتوا ، العاشر : قوله : { ولا يأب كاتب أن يكتب } أي : لا يمتنع من منَّ الله عليه بتعليمه الكتابة أن يكتب بين المتداينين ، فكما أحسن الله إليه بتعليمه ، فليحسن إلى عباد الله المحتاجين إلى كتابته ، ولا يمتنع من الكتابة لهم ، الحادي عشر : أمر الكاتب أن لا يكتب إلا ما أملاه من عليه الحق ، الثاني عشر : أن الذي يملي من المتعاقدين من عليه الدين ، الثالث عشر : أمره أن يبين جميع الحق الذي عليه ولا يبخس منه شيئا ، الرابع عشر : أن إقرار الإنسان على نفسه مقبول ، لأن الله أمر من عليه الحق أن يمل على الكاتب ، فإذا كتب إقراره بذلك ثبت موجبه ومضمونه ، وهو ما أقر به على نفسه ، ولو ادعى بعد ذلك غلطا أو سهوا ، الخامس عشر : أن من عليه حقا من الحقوق التي البينة{[151]} على مقدارها وصفتها من كثرة وقلة وتعجيل وتأجيل ، أن قوله هو المقبول دون قول من له الحق ، لأنه تعالى لم ينهه عن بخس الحق الذي عليه ، إلا أن قوله مقبول على ما يقوله من مقدار الحق وصفته ، السادس عشر : أنه يحرم على من عليه حق من الحقوق أن يبخس وينقص شيئا من مقداره ، أو طيبه وحسنه ، أو أجله أو غير ذلك من توابعه ولواحقه ، السابع عشر : أن من لا يقدر على إملاء الحق لصغره أو سفهه أو خرسه ، أو نحو ذلك ، فإنه ينوب وليه منابه في الإملاء والإقرار ، الثامن عشر : أنه يلزم الولي من العدل ما يلزم من عليه الحق من العدل ، وعدم البخس لقوله { بالعدل } التاسع عشر : أنه يشترط عدالة الولي ، لأن الإملاء بالعدل المذكور لا يكون من فاسق ، العشرون : ثبوت الولاية في الأموال ، الحادي والعشرون : أن الحق يكون على الصغير والسفيه والمجنون والضعيف ، لا على وليهم ، الثاني والعشرون : أن إقرار الصغير والسفيه والمجنون والمعتوه ونحوهم وتصرفهم غير صحيح ، لأن الله جعل الإملاء لوليهم ، ولم يجعل لهم منه شيئا لطفا بهم ورحمة ، خوفا من تلاف أموالهم ، الثالث والعشرون : صحة تصرف الولي في مال من ذكر ، الرابع والعشرون : فيه مشروعية كون الإنسان يتعلم الأمور التي يتوثق بها المتداينون كل واحد من صاحبه ، لأن المقصود من ذلك التوثق والعدل ، وما لا يتم المشروع إلا به فهو مشروع ، الخامس والعشرون : أن تعلم الكتابة مشروع ، بل هو فرض كفاية ، لأن الله أمر بكتابة الديون وغيرها ، ولا يحصل ذلك إلا بالتعلم ، السادس والعشرون : أنه مأمور بالإشهاد على العقود ، وذلك على وجه الندب ، لأن المقصود من ذلك الإرشاد إلى ما يحفظ الحقوق ، فهو عائد لمصلحة المكلفين ، نعم إن كان المتصرف ولي يتيم أو وقف ونحو ذلك مما يجب حفظه تعين أن يكون الإشهاد الذي به يحفظ الحق واجبا ، السابع والعشرون : أن نصاب الشهادة في الأموال ونحوها رجلان أو رجل وامرأتان ، ودلت السنة أيضا أنه يقبل الشاهد مع يمين المدعي ، الثامن والعشرون : أن شهادة الصبيان غير مقبولة لمفهوم لفظ الرجل ، التاسع والعشرون : أن شهادة النساء منفردات في الأموال ونحوها لا تقبل ، لأن الله لم يقبلهن إلا مع الرجل ، وقد يقال إن الله أقام المرأتين مقام رجل للحكمة التي ذكرها وهي موجودة سواء كن مع رجل أو منفردات والله أعلم . الثلاثون : أن شهادة العبد البالغ مقبولة كشهادة الحر لعموم قوله : { فاستشهدوا شهيدين من رجالكم } والعبد البالغ من رجالنا ، الحادي والثلاثون : أن شهادة الكفار ذكورا كانوا أو نساء غير مقبولة ، لأنهم ليسوا منا ، ولأن مبنى الشهادة على العدالة وهو غير عدل ، الثاني والثلاثون : فيه فضيلة الرجل على المرأة ، وأن الواحد في مقابلة المرأتين لقوة حفظه ونقص حفظها ، الثالث والثلاثون : أن من نسي شهادته ثم ذكرها فذكر فشهادته مقبولة لقوله : { فتذكر إحداهما الأخرى } الرابع والثلاثون : يؤخذ من المعنى أن الشاهد إذا خاف نسيان شهادته في الحقوق الواجبة وجب عليه كتابتها ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، والخامس والثلاثون : أنه يجب على الشاهد إذا دعي للشهادة وهو غير معذور ، لا يجوز له أن يأبى لقوله : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } السادس والثلاثون : أن من لم يتصف بصفة الشهداء المقبولة شهادتهم ، لم يجب عليه الإجابة لعدم الفائدة بها ولأنه ليس من الشهداء ، السابع والثلاثون : النهي عن السآمة والضجر من كتابة الديون كلها من صغير وكبير وصفة الأجل وجميع ما احتوى عليه العقد من الشروط والقيود ، الثامن والثلاثون : بيان الحكمة في مشروعية الكتابة والإشهاد في العقود ، وأنه { أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا } فإنها متضمنة للعدل الذي به قوام العباد والبلاد ، والشهادة المقترنة بالكتابة تكون أقوم وأكمل وأبعد من الشك والريب والتنازع والتشاجر ، التاسع والثلاثون : يؤخذ من ذلك أن من اشتبه وشك في شهادته لم يجز له الإقدام عليها بل لا بد من اليقين ، الأربعون : قوله : { إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها } فيه الرخصة في ترك الكتابة إذا كانت التجارة حاضرا بحاضر ، لعدم شدة الحاجة إلى الكتابة ، الحادي والأربعون : أنه وإن رخص في ترك الكتابة في التجارة الحاضرة ، فإنه يشرع الإشهاد لقوله : { وأشهدوا إذا تبايعتم } الثاني والأربعون : النهي عن مضارة الكاتب بأن يدعى وقت اشتغال وحصول مشقة عليه ، الثالث والأربعون : النهي عن مضارة الشهيد أيضا بأن يدعى إلى تحمل الشهادة أو أدائها في مرض أو شغل يشق عليه ، أو غير ذلك هذا على جعل قوله : { ولا يضار كاتب ولا شهيد } مبنيا للمجهول ، وأما على جعلها مبنيا للفاعل ففيه نهي الشاهد والكاتب أن يضارا صاحب الحق بالامتناع أو طلب أجرة شاقة ونحو ذلك ، وهذان هما الرابع والأربعون والخامس والأربعون والسادس والأربعون أن ارتكاب هذه المحرمات من خصال الفسق لقوله : { وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم } السابع والأربعون أن الأوصاف كالفسق والإيمان والنفاق والعداوة والولاية ونحو ذلك تتجزأ في الإنسان ، فتكون فيه مادة فسق وغيرها ، وكذلك مادة إيمان وكفر لقوله : { فإنه فسوق بكم } ولم يقل فأنتم فاسقون أو فُسّاق . الثامن والأربعون : - وحقه أن يتقدم على ما هنا لتقدم موضعه- اشتراط العدالة في الشاهد لقوله : { ممن ترضون من الشهداء } التاسع والأربعون : أن العدالة يشترط فيها العرف في كل مكان وزمان ، فكل من كان مرضيا معتبرا عند الناس قبلت شهادته ، الخمسون : يؤخذ منها عدم قبول شهادة المجهول حتى يزكى ، فهذه الأحكام مما يستنبط من هذه الآية الكريمة على حسب الحال الحاضرة والفهم القاصر ، ولله في كلامه حكم وأسرار يخص بها من يشاء من عباده .
وبعد أن أمر - سبحانه - المؤمنين أن يسارعوا في التصدق على المحتاجين ، وأن يجتنبوا الربا والمرابين ، وبين لهم أن أموالهم تزكو وتنمو بالإِنفاق في وجوه الخير ، وتمحق وتذهب بتعاطي الربا ، بعد أن وضح كل ذلك ساق لهم آية جامعة ، متى اتبعوا توجيهاتها استطاعوا أن يحفظوا أموالهم بأفضل طريق ، وأشرف وسيلة ، وأن يصونوها عن الهلاك والضياع عندما يعطي أحدهم أخاه شيئا من المال على سبيل الدين أو القرض الحسن المنزه عن الربا . استمع إلى القرآن وهو يتكلم عن أحكام الدين وعن أحكام بعض المعاملات التجارية الحاضرة فيقول :
{ ياأيها الذين آمنوا إِذَا تَدَايَنتُم . . . }
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 282 )
قال ابن كثير : قوله - تعالى - : { ياأيها الذين آمنوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فاكتبوه } هذا إرشاد منه - تعالى - لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها ، وقد نبه على ذلك في آخر الآية حيث قال : { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وأدنى أَلاَّ ترتابوا } وروى البخاري عن ابن عباس أنه قال : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله وأذن فيه ثم قرأ { ياأيها الذين آمنوا إِذَا تَدَايَنتُم } . الآية . وثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " .
ومعنى { تَدَايَنتُم } : تعاملتم بالدين وداين بعضكم بعضا . وحقيقة الدين - كما يقول القرطبي - " عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً والآخر في الذمة نسيئة ، فإن العين عند العرب ما كان حاضرا ، والدين ما كان غائبا " .
والأجل في اللغة هو الوقت المضروب لانقضاء الأمد ، وأجل الإِنسان هو الوقت المحدد لانقضاء عمره . وأجل الدين هو الوقت المعين لأدائه في المستقبل . وأصله من التأخير ، يقال : أجل الشيء يأجل إذا تأخر والآجل نقيض العاجل .
والمعنى : يأيها الذين آمنوا إذا عامل بعضكم بعضا بالدين إلى وقت معين فاكتبوا هذا الدين ، لأن في هذه الكتابة حفظاً له ، وضبطاً لمقداره ، ومنعاً للتنازع من أن يقع بينكم .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا قيل : إذا تدانيتم إلى أجل مسمى ، وأي حاجة إلى ذكر الدين ؟ قلت : ذكر - لفظ الدين - ليرجع الضمير إليه في قوله : { فاكتبوه } إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال : فاكتبوا الدين ، فلم يكن النظم بذلك الحسن ، ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحال . فإن قلت : ما فائدة قوله : { مُّسَمًّى } قلت : ليعلم أن من حق الأجل أن يكون معلوما كالتوقيت بالسنة والأشهر والأيام . ولو قال : إلى الحصاد أو الدياس أو رجوع الحاج لم يجز لعدم التسمية " .
وجمهور العلماء على أن الأمر في قوله " فاكتبوه " للندب ، ولأن الله - تعالى - قد قال بعد ذلك { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الذي اؤتمن أَمَانَتَهُ } ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم الدائنين بكتابه ديونهم ، ولا المدنيني بأن يكتبوها .
وقال الظاهرية : إن الأمر هنا للوجوب ، ومن لم يفعل ذلك كان آتماً ، لأن الأصل في الأمر أنه للوجوب . .
وقوله : { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بالعدل } بيان لكيفية الكتابة المأمور بها وتعيين من يتولاها عقب الأمر بها على سبيل الإِجمال .
أي : عليكم أيها المؤمنون إذا تعاملتم بالدين إلى أجل معين أن تكتبوا هذا الدين ، وليتول الكتابة بينكم شخص يجيدها وعنده فقهها وعلمها ، بأن يكون على معرفة بشروط العقود وتوثيقها ، وما يكون من الشروط موافقاً لشريعة الإِسلام وما يكون منها غير موافق ، وعلى هذا الكاتب أن يلتزم الحق مع الدائن والمدين في كتابته ، لأن الله - تعالى - يقول : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ على أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى } فالجملة الكريمة تحض المتعاملين بالدين أن يختاروا لكتابته شخصاً تتوفر فيه إجادة الكتابة ، والخبرة بشروط العقود وتوثيقها ، كما تتوفر فيه الاستقامة وتحري الحق . ومفعول ( يكتب ) محذوف ثقة بانفهامه أي وليكتب بينكم الكتابة كاتب بالعدل . والتقييد بالظرف بينكم للإِيذان بأنه ينبغي للكاتب ألا يسمح لنفسه بأن ينفرد به أحد المتعاقدين ، لأن في هذا الانفراد تهمة يجب أن يربأ بنفسه عنها .
والجار والمجرور وهو ( بالعدل ) متعلق بمحذوف صفة لكاتب أي : وليكن المتصدي للكتابة من شأنه أن يكتب بالسوية من غير ميل إلى أحد الجانبين . أو متعلق بالفعل يكتب . أي : وليكتب بالحق .
ثم نهى الله - تعالى - من كان قادراً على الكتابة عن الامتناع متى دعى إليها فقال :
{ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ الله فَلْيَكْتُبْ } .
أي : ولا يمتنع كاتب من أن يكتب للمتداينين ديونهما بالطريقة التي علمه الله إياها أن يتحرى بالعدل والحق في كتابته ، وأن يلتزم فيها ما تقتضيه أحكام الشريعة الإِسلامية .
فالكاف في قوله - تعالى - : { كَمَا عَلَّمَهُ الله } نعت لمصدر محذوف والتقدير : فليكتب كتابة مثل ما علمه الله - تعالى - بمعنى أن يلتزم الحق والعدل فيها .
ويجوز أن تكون الكاف للتعليل فيكون المعنى : لا يمتنع عن الكتابة لأنه كما علمه الله إياها ويسرها له ونفعه بها ، فعليه أن ينفع غيره بها ، فهو كقوله - تعالى - : { وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ } وفي الحديث الشريف " إن من الصدقة أن تعين صانعاً أو تصنع لأخرق " وفي حديث آخر : " من كتم علماً يعلمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة " .
وقوله : ( فليكتب ) تفريع على قوله " ولا يأب كاتب " أي : فليكتب الكتابة التي علمه الله إياها فهو توكيد للأمر المستفاد من قوله : { وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ } . ويجوز أن يكون توكيداً للأمر الصريح في قوله : { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بالعدل } .
قال القرطبي : واختلف الناس في وجوب الكتابة على الكاتب والشهادة على الشاهد . فقال الطبريك : واجب على الكاتب إذا أمر أن يكتب . وقال الحسن : ذلك واجب عليه في الموضع الذي لا يقدر فيه على كاتب غيره فيضر صاحب الدين إن امتنع ، فإن كان كذلك فهو فريضة ، وإن قدر على كاتب غيره فهو في سعة إذا قام بها غيره " .
وإلى هنا تكون الآية الكريمة قد قررت مبدأ الكتابة في الدين ، وبينت كيفية الكتابة ، وأشارت إلى إجادة الكاتب لها ، ونهته عن الامتناع عنها إذا دعى إليها . ثم انتقلت الآية بعد ذلك إلى بيان من يتولى الإِملاء فقال - تعالى - : { وَلْيُمْلِلِ الذي عَلَيْهِ الحق وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً } .
والإِملالل معناه الإِملاء . فهما لغتان معناهما واحد . وقد جاء القرآن باللغتين قال - تعالى - : { وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي : وعلى المدين الذي عليه الدين وقد التزم بأدائه أن يمل على الكاتب هذا الدين ، وذلك ليكون إملاؤه إقراراً به وبالحقوق التي عليه الوفاء بها . وعليه كذلك أن يراقب الله - تعالى - في إملائه فلا ينقص من الدين الذي عليه شيئاً ، لأن هذا الإِنقاص ظلم حرمه الله - تعالى - .
وقد أمر الله - تعالى - بأن يكون الذي يملي على الكاتب هو المدين لأنه هو المكلف بأداء مضمون الكتابة ، ولأنه بإملائه يكون قد أقر على نفسه بما عليه ، ولأنه لو أفلس الدائن فربما يزيد في الدين ، أو يملي شيئاً ليس محل اتفاق بينه وبين المدين ، ولأن المدين في الغالب في موقف ضعيف فأعطاه الله - تعالى - حق الإِملاء على الكاتب حتى لا يغبن من الدائن .
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد مكن المدين من الإِملاء على الكاتب حتى تكون الكتابة تحت سمعه وبصره وباختياره ، ولكنه في الوقت نفسه أوجب عليه أمرين : تقوى الله وعدم الانقاص من الدين الذي عليه ، وإن ذلك لتشريع عادل حكيم لا ظلم فيه لا للدائن ولا للمدين .
ثم بين - سبحانه - الحكم فيما إذا كان الذي عليه الدين لا يحسن الإِملاء فقال - تعالى - : { فَإن كَانَ الذي عَلَيْهِ الحق } وهو المدين { سَفِيهاً } أي جاهلا بالإِملاء أو ناقص العقل ، أو متلافاً مبذراً لا يحسن تدبير أمره " .
{ أَوْ ضَعِيفاً } بأن يكون صبياً أو شيخاً تقدمتبه الشيخوخة .
{ أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ } بأن يكون عيياً أو أخرس أو لا خبرة له بإملاء أمثال هذه المكاتبات .
{ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بالعدل } أي فعلى ولي أمره أو من يهمه شأنه ولا يرضى له أن يضيع حقه أن يتولى الإِملاء الحق والعدل فيما يكلف به .
وبعد هذا البيان الحكيم عن الكتابة وأحكامها في شأن الديون ، انتقل القرآن إلى الحديث عن الإِشهاد فقال - تعالى - : { واستشهدوا شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ } أي : اطلبوا شاهدين عدلين من الرجال ليشهدوا على ما يجري بينكم من معاملات مؤجلة ، لأن هذا الإِشهاد يعطي الديون والكتابة توثيقاً وتثبيتاً ، والسين التاء في قوله : " واستشهدوا " للطلب .
قال الآلوسي : " وفي اختيار صيغة المبالغة في { شَهِيدَيْنِ } للإِيماء إلى من تكررت منه الشهادة ، فهو علام بها مقتدر على أدائها وكأن فيه رمزاً إلى العدالة ، لأنه لا يتكرر ذلك من الشخص عند الحكام إلا وهو مقبول عندهم ولعله لم يقل رجلين لذلك . والأمر للندب أو للوجوب على الخلاف على ذلك .
وقوله : { مِّن رِّجَالِكُمْ } متعلق بقوله : { واستشهدوا } ومن لابتداء الغاية ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف صفة لشهيدين ومن للتبعيض ، أي من رجالكم المسلمين الأحرار فإن الكلام في معاملتهم .
ثم بين - سبحانه - الحكم إذا لم يتيسر شاهدان من الرجال فقال : { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء } .
وقوله : { مِمَّن تَرْضَوْنَ } متعلق بمحذوف على أنه صفة لرجل وامرأتان . أي فإن لم يتيسر رجلان للشهادة فليشهد رجل وامرأتان كائنون مرضيون عندكم بعدالتهم .
وهذا الوصف وإن كان في جميع الشهود إلا أنه ذكر هنا للتشديد في اعتباره ، لأن اتصاف النساء به قد لا يتوفر كثيراً .
وقوله : { مِنَ الشهدآء } متلعق بمحذوف حال من الضمير المفعول المقدر في { تَرْضَوْنَ } العائد إلى الموصول : أي فليشهد رجل وامرأتان ممن ترضونهم حال كونهم من بعض الشهداء لعلمكم بعدالتهم ، وثقتكم بهم .
وقوله - تعالى - : { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء } أدق في الدالالة على صدق الشهادة من العدالة ، لأن الإِنسان العدل قد يكون مرضياً في دينه وخلقه ولكنه قد يتأثر بالمشاهد المؤثرة فتخونه ذاكرته في وقت الحاجة إليها ، أو قد يكون ممن يمنعه منصبه وجاهه ومقامه في الناس من الكذب إلا أنه قد يرتكب بعض المعاصي ، فجاء - سبحانه - بهذه الجملة الحكيمة لكي يقول للناس . اختاروا الشهداء من الذين يرتضي قولهم ، ويقيمون الشهادة على وجهها الحق بدون التأثر بأي نوع من أنواع المؤثرات .
هذا ، وشهادة النساء مع الرجال تجوز عند الحنفية في الأموال والطلاق والنكاح والرجعة وكل شيء إلا الحدود والقصاص . وعند المالكية تجوز في الأموال وتوابعها خاصة ، ولا تقبل في أحكام الأبدان مثل الحدود والقصاص والنكاح والطلاق والرجعة .
ثم بين - سبحانه - العلة في أن المرأتين تقومان مقام الرجل في الشهادة فقال : { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى } .
وقال القرطبي : معنى تضل تنسي ، والضلال عن الشهادة فإنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء ، ويبقى المرء حيران بين ذلك ضلالا " .
والمعنى : جعلنا المرأتين بدل رجل واحد في الشهادة ، خشية أن تنسى إحداهما فتذكر كل واحدة منهما الأخرى : إذ المرأة لقوة عاطفتها ، وشدة انفعالها بالحوادث ، قد تتوهم ما لم تر ، فكان من الحكمة أن يكون مع المرأة أخرى في الشهادة بحيث يتذكران الحق فيما بينهما .
والعلة في الحقيقة هي التذكير ، ولكن الضلال لما كان سبباص في التذكير ، نزل منزلة العلة .
وذلك كأن تقول : أعددت السلاح خشية أن يجيء العدو فأدفعه ، فإن العلة هي الدفاع عن النفس ، ولكن لما كان مجئ العدو سبباً فيه نزل منزلته .
وكما أمر الله - سبحانه - الكتاب في أول الآية بعدم الامتناع عن الكتابة أمر الشهود أيضاً بعدم الامتناع عن الشهادة فقال - تعالى - : { وَلاَ يَأْبَ الشهدآء إِذَا مَا دُعُواْ } أي : ولا يمتنع الشهود عن أداء الشهادة وتحملها متى دعوا إليها ، لأن الامتناع عن تحمل الشهادة وأدائها قد يؤدي إلى ضياع الحقوق . والله - تعالى - قد شرع الشهادة لإِحقاق الحق ، ونشر العدل بين الناس ، فعلى من اشتهروا بالعدالة ووثق الناس بهم أن يؤدوا الشهادة كما أمرهم الله - تعالى- .
ثم أمر - سبحانه - بكتابه الدين سواء أكبر الدين أم صغر فقال : { وَلاَ تسأموا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إلى أَجَلِهِ } .
السأم : الضجر والملل . يقال : سئمت الشيء أسأمه وسآمة أي مللته وضجرته .
والمعنى : وعليكم أيها المؤمنون أن لا تملوا من كتابة الدين إلى الوقت المحدد له سواء أكان هذا الدين كبيراً أم صغيراً ، لأن الكتابة في الحالتين أدعى إلى حفظ الحقوق وصيانتها ، وإلى عدم نشوب التنازع أو التخاصم بينكم ، ولأن الدين قد يكون صغيراً في نظر الغني المليء ، إلا أنه كبير في نظر الفقير المعسر ، ولأن التهاون في شأن الدين الصغير قد يؤدي إلى التهاون في شأن الدين الكبير ، لذا وجب عليكم أن تنقادوا لشرع الله وأن تكتبوا ما بينكم من ديون .
والضمير في قوله : { أَن تَكْتُبُوهُ } يعود إلى الدين أو إلى الحق ، وقولهك { صَغِيراً أَو كَبِيراً } حالان من الضمير . أي لا تسأموا أن تكتبوه على كل حال قليلا أو كثيراً ، وقدم الصغير على الكبير اهتماما به وانتقالا من الأدنى إلى الأعلى .
ثم بين - سبحانه - ثلاث فوائد تعود عليهم إذا ما امتثلوا ما أمرهم الله - تعالى - به ، فقال : { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله } .
واسم الإِشارة { ذَلِكُمْ } يعود إلى كل ما سبق ذكره في الآية من الكتابة والإِشهاد ومن عدم الامتناع عنهما ، ومن تحرى الحق والعدل .
و { أَقْسَطُ } بمعنى أعدل : يقال : أقسط فلان في الحكم يقسط إقساطاً إذا عدل فهو مقسط .
قال - تعالى - : { إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين } ويقال : هو قاسط إذا جار وظلم . قال - تعالى - : { وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي : ذلكم الذي شرعناه لكم في أمر الديون من لكتابة والإِشهاد وغيرهما أعدل في علم الله - تعالى - ، وكل ما كان كذلك فهو الأعدل والأفضل والأحكم في ذاته ، لأنه - سبحانه - هو الأعلم بما فيه مصلحتكم فاستجيبوا له ، وتلك هي الفائدة الأولى .
أما الفائدة الثانية فهي قوله - سبحانه - : { وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ } ومعنى { وَأَقْومُ } أبلغ في الاستقامة التي هي ضد الاعوجاج .
أي : أثبت لها وأعون على إقامتها وأدائها .
وأما الفائدة الثالثة فهي قوله : { وأدنى أَلاَّ ترتابوا } أي : أقرب إلى زوال الشك والريبة أي أن الأوامر والنواهي السابقة إذا نفذت على وجهها كان تنفيذها أعدل في علم الله - تعالى - وأعون على إقامة الشهادة إذ بها يتم الاعتماد على الحفظ ، وأقرب إلى عدم الشك في جنس الدين وقدره وأجله ، وإذا توفرت هذه الفوائد الثلاث في المعاملات ساد الوفاق والتعاون بين الناس ، أما إذا فقدت فإن الثقة تزول من بينهم ، ويحل محلها النزاع والشقاق .
ثم أباح - سبحانه - في التجارة الحاضرة عدم الكتابة فقال : { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا } .
والتجارة الحاضرة التي تدور بين التجار : هي التي تجري فيها التقابض في المجلس أو التي يتأخر فيها الأداء زمنا يسيرا . وسميت حاضرة ، لأن المبيع والثمن كلاهما حاضر .
والمعنى : أن الله - تعالى - يأمركم بكتابة الديون وبالإِشهاد عليها إلا أنه - سبحانه - رحمة بكم أباح لكم عدم الكتابة في التجارة الحاضرة التي تكثرون إدارتها والتعامل فيها ، لأنه لو كلفكم بذلك لشق الأمر عليكم ، وهو - سبحانه - { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ } ولأن أمثال هذه التجارات التي يحصل فيها التقابض ويكثر تكرارها ، لا يتوقع فيها التنازع أن أو النسيان .
والاستثناء هنا منقطع لأنه ليس هناك دين حتى يكتب ، وليست التجارة الحاضرة من جنس التعامل بالديون فكأنه قيل : إذا تداينتم فتكاتبوا وأشهدوا لكن التجارة الحاضرة التي يجري فيها التقابض لا جناح عليكم في عدم كتابتها .
وقيل : الاستثناء متصل والجملة المستثناة في موضع نصب لأنه استثناء من الجنس ، لأنه أمر بالكتابة في كل معاملة واستثنى منها التجارة الحاضرة والتقدير : آمركم بالكتابة والإِشهاد فثي كل معاملة إلا في حال حضور التجارة فلا بأس من ترك الكتابة . { تِجَارَةً } قرأها الجمهور بالرفع على أنها اسم تكون ، والخبر جملة { تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ } . أو على أنها فاعل تكون إذا اعتبرناها تامة .
وقرأها عاصم بالنصب على أنها خبر تكون واسمها ضمير مستتر فيها يعود على التجارة .
أي : إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة .
وقوله - تعالى - : { وأشهدوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ } أمر منه - سبحانه - بالإِشهاد عند البيع ، وهذا الأمر للإِرشاد والتعليم عند جمهور العلماء . ويرى الظاهرية أنه للوجوب .
قال صاحب الكشاف : هذا أمر بالإِشهاد على التتابع مطلقا ناجزاً أو كالئا - أي مؤجلا - لأنه أحوط وأبعد مما عسى يعق من الاختلاف . ويجوز أن يراد : وأشهدوا إذا تبايعتم هذا التبايع . يعني التجارة الحاضرة على أن الإِشهاد كاف فيه دون الكتابة ، وعن الضحاك : هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل .
ثم نهى - سبحانه - عن المضارة فقال : { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } .
والمضارة : إدخال الضرر . والفعل ( يضار ) يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل ، وأن أصله " لا يضارر - بكسر الراء - ويحتمل أن يكون مبنيا للمفعول . وأن أصله لا يضارر بفتح الراء الأولى .
والمعنى على الأولى : نهى الكاتب والشاهد عن أن ينزلا ضرراص بأحد المتعاقدين ، بأن يبخس الكاتب أحدهما ، أو يشهد بغير الحق .
والمعنى على الثاني : وهو الظاهر - نهى الدائن والمدين عن أن ينزل أحدهما ضرراً بالكاتب أو الشاهد لحملهما على كتابة غير الحق أو قول غير الحق ، فإنهما أمينان ، والإِضرار بهما قد يحملهما على الخيانة وفي ذلك ضياع للأمانة وذهاب للثقة . ولذا قال - تعالى - بعد ذلك { وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } .
أي : وإن تفعلوا ما نهيتم عنه أو تخالفوا ما أمرتم به ، فإنكم بذلك تكونون قد خرجتم عن طاعة الله ، وتلبستم بمعصيته ، وصرت مأهلا لعقوبته ، فعليكم أن تقفوا عند حدود الله حتى تتحقق لكم السعادة في دينكم ودنياكم .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بالأمر بخشيته . وبتذكيرهم بنعمه فقال : { واتقوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .
أي : واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فهو - سبحانه - الذي يعلمكم ما يصلح لكم أمر دنياكم وما يصلح لكم أمر دينكم متى اتقيتموه واستجبتم له ، وهو - سبحانه - بكل شيء عليم لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء .
وبعد : فهذه هي آية الدين التي هي أطول آية في القرآن ، تقرؤها فتراها قد اشتملت على أدق التشريعات ، وأحكم التوجيهات ، وأنجع الإِرشادات التي تهدي إلى حفظ الحقوق وضبطها وتوثيقها بمختلف الوسائل .
تقرؤها فترى الدقة العجيبة في الصياغة بأن وضع كل لفظ في مكانه المناسب ، وترى الطلاوة في التعبير ، والعذوبة في الألفاظ بحيث لا تطغى دقة الصياغة على جمال العرض .
وترى الوفاء الكامل ، لكل الجوانب التشريعية والاحتراس التام من كل المؤثرات التي قد تؤثر على سلامة التعاقد ، والإِرشاد الجامع إلى كل ما يضمن وصول الحق والعدل إلى جميع الأطراف بدون محاباة أو غبن .
وترى قبل ذلك وبعد ذلك كيف يسوق القرآن تشريعاته بطريقة تغرس في النفوس الخوف من الله - تعالى - والمراقبة له ، والاستجابة لأوامره ، لا كطريقة البشر في قوانينهم التي صاغوها في قوالب صماء من الألفاظ لا تشعر معها بتأثير في النفس ، ولا باهتزاز في القلب .
ولو لم يكن في شريعة الله سوى هذا التأثير الذي تشعر به النفوس النقية الصافية عند تدبرها لكفاها ذلك دليلا على سموها وفضلها وعلى أنها من صنع الله - تعالى - ولو أن المسلمين أخذوا بها وبتوجيهاتها في سائر شئونهم لظفروا بالسعادتين : الدينية والدنيوية .
( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) . .
هذا هو المبدأ العام الذي يريد تقريره . فالكتابة أمر مفروض بالنص ، غير متروك للاختيار في حالة الدين إلى أجل . لحكمة سيأتي بيانها في نهاية النص .
( وليكتب بينكم كاتب بالعدل ) . .
وهذا تعيين للشخص الذي يقوم بكتابة الدين فهو كاتب . وليس أحد المتعاقدين . وحكمة استدعاء ثالث - ليس أحد الطرفين في التعاقد - هي الاحتياط والحيدة المطلقة . وهذا الكاتب مأمور أن يكتب بالعدل ، فلا يميل مع أحد الطرفين ، ولا ينقص أو يزيد في النصوص . .
( ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله ) . .
فالتكليف هنا من الله - بالقياس إلى الكاتب - كي لا يتأخر ولا يأبى ولا يثقل العمل على نفسه . فتلك فريضة من الله بنص التشريع ، حسابه فيها على الله . وهي وفاء لفضل الله عليه إذ علمه كيف يكتب . . ( فليكتب )كما علمه الله .
وهنا يكون الشارع قد انتهى من تقرير مبدأ الكتابة في الدين إلى أجل . ومن تعيين من يتولى الكتابة . ومن تكليفه بأن يكتب . ومع التكليف ذلك التذكير اللطيف بنعمة الله عليه ، وذلك الإيحاء بأن يلتزم العدل . .
وهنا ينتقل إلى فقرة تالية يبين فيها كيف يكتب . .
( وليملل الذي عليه الحق . وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا . فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ) . .
إن المدين - الذي عليه الحق - هو الذي يملي على الكاتب اعترافه بالدين ، ومقدار الدين ، وشرطه وأجله . . ذلك خيفة أن يقع الغبن على المدين لو أملى الدائن ، فزاد في الدين ، أو قرب الأجل ، أو ذكر شروطا معينة في مصلحته . والمدين في موقف ضعيف قد لا يملك معه إعلان المعارضة رغبة في اتمام الصفقة لحاجته إليها ، فيقع عليه الغبن . فإذا كان المدين هو الذي يملي لم يمل إلا ما يريد الارتباط به عن طيب خاطر . ثم ليكون إقراره بالدين أقوى وأثبت ، وهو الذي يملي . . وفي الوقت ذاته يناشد ضمير المدين - وهو يملي - أن يتقي الله ربه ولا يبخس شيئا من الدين الذي يقر به ولا من سائر أركان الإقرار الأخرى . . فإن كان المدين سفيها لا يحسن تدبير أموره . أو ضعيفا - أي صغيرا أو ضعيف العقل - أو لا يستطيع أن يمل هو إما لعي أو جهل أو آفة في لسانه أو لأي سبب من الأسباب المختلفة الحسية أو العقلية . . فليملل ولي أمره القيم عليه . ( بالعدل ) . . والعدل يذكر هنا لزيادة الدقة . فربما تهاون الولي - ولو قليلا - لأن الدين لا يخصه شخصيا . كي تتوافر الضمانات كلها لسلامة التعاقد .
وبهذا ينتهي الكلام عن الكتابة من جميع نواحيها ، فينتقل الشارع إلى نقطة أخرى في العقد ، نقطة الشهادة :
( واستشهدوا شهيدين من رجالكم . فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان - ممن ترضون من الشهداء - أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) . .
إنه لا بد من شاهدين على العقد - ( ممن ترضون من الشهداء )- والرضى يشمل معنيين : الأول أن يكون الشاهدان عدلين مرضيين في الجماعة . والثاني أن يرضى بشهادتهما طرفا التعاقد . . ولكن ظروفا معينة قد لا تجعل وجود شاهدين أمرا ميسورا . فهنا ييسر التشريع فيستدعي النساء للشهادة ، وهو إنما دعا الرجال لأنهم هم الذين يزاولون الأعمال عادة في المجتمع المسلم السوي ، الذي لا تحتاج المرأة فيه أن تعمل لتعيش ، فتجوربذلك على أمومتها وأنوثتها وواجبها في رعاية أثمن الأرصدة الإنسانية وهي الطفولة الناشئة الممثلة لجيل المستقبل ، في مقابل لقيمات أو دريهمات تنالها من العمل ، كما تضطر إلى ذلك المرأة في المجتمع النكد المنحرف الذي نعيش فيه اليوم ! فأما حين لا يوجد رجلان فليكن رجل واحد وامرأتان . . ولكن لماذا امرأتان ؟ إن النص لا يدعنا نحدس ! ففي مجال التشريع يكون كل نص محددا واضحا معللا : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) . . والضلال هنا ينشأ من أسباب كثيرة . فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد ، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء ، فتذكرها الأخرى بالتعاون معا على تذكر ملابسات الموضوع كله . وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية . فإن وظيفة الأمومة العضوية البيولوجية تستدعي مقابلا نفسيا في المرأة حتما . تستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع فيهما إلى التفكير البطيء . . وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة . . وهذه الطبيعة لا تتجزأ ، فالمرأة شخصية موحدة هذا طابعها - حين تكون امرأة سوية - بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال ، ووقوف عند الوقائع بلا تأثر ولا إيحاء . ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكر إحداهما الأخرى - إذا انحرفت مع أي انفعال - فتتذكر وتفيء إلى الوقائع المجردة .
وكما وجه الخطاب في أول النص إلى الكتاب ألا يأبوا الكتابة ، يوجهه هنا إلى الشهداء ألا يأبوا الشهادة :
( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) .
فتلبية الدعوة للشهادة إذن فريضة وليست تطوعا . فهي وسيلة لإقامة العدل وإحقاق الحق . والله هو الذي يفرضها كي يلبيها الشهداء عن طواعيه تلبية وجدانية ، بدون تضرر أو تلكؤ . وبدون تفضل كذلك على المتعاقدين أو على أحدهما ، إذا كانت الدعوة من كليهما أو من أحدهما .
وهنا ينتهي الكلام عن الشهادة ، فينتقل الشارع إلى غرض آخر . غرض عام للتشريع . يؤكد ضرورة الكتابة - كبر الدين أم صغر - ويعالج ما قد يخطر للنفس من استثقال الكتابة وتكاليفها بحجة أن الدين صغير لا يستحق ، أو أنه لا ضرورة للكتابة بين صاحبيه لملابسة من الملابسات كالتجمل والحياء أو الكسل وقلة المبالاة ! ثم يعلل تشديده في وجوب الكتابة تعليلا وجدانيا وتعليلا عمليا :
( ولا تسأموا أن تكتبوه - صغيرا أو كبيرا - إلى أجله . ذلكم أقسط عند الله ، وأقوم للشهادة ، وأدنى ألا ترتابوا ) .
لا تسأموا . . فهو إدراك لانفعالات النفس الإنسانية حين تحس أن تكاليف العمل أضخم من قيمته . . ( ذلكم أقسط عند الله ) . . أعدل وأفضل . وهو إيحاء وجداني بأن الله يحب هذا ويؤثره . ( وأقوم للشهادة ) . فالشهادة على شيء مكتوب أقوم من الشهادة الشفوية التي تعتمد على الذاكرة وحدها . وشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أقوم كذلك للشهادة وأصح من شهادة الواحد ، أو الواحد والواحدة . ( وأدنى ألا ترتابوا ) :
أقرب لعدم الريبة . الريبة في صحة البيانات التي تضمنها العقد ، أو الريبة في أنفسكم وفي سواكم إذا ترك الأمر بلا قيد .
وهكذا تتكشف حكمة هذه الإجراءات كلها ؛ ويقتنع المتعاملون بضرورة هذا التشريع ، ودقة أهدافه ، وصحة إجراءاته . إنها الصحة والدقة والثقة والطمأنينة .
ذلك شأن الدين المسمى إلى أجل . أما التجارة الحاضرة فإن بيوعها مستثناة من قيد الكتابة . وتكفي فيهاشهادة الشهود تيسيرا للعمليات التجارية التي يعرقلها التعقيد ، والتي تتم في سرعة ، وتتكرر في أوقات قصيرة . ذلك أن الإسلام وهو يشرع للحياة كلها قد راعى كل ملابساتها ؛ وكان شريعة عملية واقعية لا تعقيد فيها ، ولا تعويق لجريان الحياة في مجراها :
تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم ، فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ) .
وظاهر النص أن الإعفاء من الكتابة رخصة لا جناح فيها . أما الإشهاد فموجب . وقد وردت بعض الروايات بأن الإشهاد كذلك للندب لا للوجوب . ولكن الأرجح هو ذاك .
والأن - وقد انتهى تشريع الدين المسمى ، والتجارة الحاضرة ، والتقى كلاهما عند شرطي الكتابة والشهادة - على الوجوب وعلى الرخصة - فإنه يقرر حقوق الكتاب والشهداء كما قرر واجباتهم من قبل . . لقد أوجب عليهم ألا يأبوا الكتابة أو الشهادة . فالأن يوجب لهم الحماية والرعاية ليتوازن الحق والواجب في أداء التكاليف العامة .
( ولا يضار كاتب ولا شهيد . وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم . واتقوا الله ويعلمكم الله . والله بكل شيء عليم ) .
لا يقع ضرر على كاتب أو شهيد ، بسبب أدائه لواجبه الذي فرضه الله عليه . وإذا وقع فإنه يكون خروجا منكم عن شريعة الله ومخالفة عن طريقه . وهو احتياط لا بد منه . لأن الكتاب والشهداء معرضون لسخط أحد الفريقين المتعاقدين في أحيان كثيرة . فلا بد من تمتعهم بالضمانات التي تطمئنهم على أنفسهم ، وتشجعهم على أداء واجبهم بالذمة والأمانة والنشاط في أداء الواجبات ، والحيدة في جميع الأحوال . ثم - وعلى عادة القرآن في إيقاظ الضمير ، واستجاشة الشعور كلما هم بالتكليف ، ليستمد التكليف دفعته من داخل النفس ، لا من مجرد ضغط النص - يدعو المؤمنين إلى تقوى الله في النهاية ؛ ويذكرهم بأن الله هو المتفضل عليهم ، وهو الذي يعلمهم ويرشدهم ، وأن تقواه تفتح قلوبهم للمعرفة وتهيىء أرواحهم للتعليم ، ليقوموا بحق هذا الإنعام بالطاعة والرضى والإذعان :