المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (33)

33- قال يوسف - وقد سمع منها التهديد والوعيد ، وسمع منهن النصح بمطاوعتها - يا رب : السجن أحب إلى نفسي مما يطلبنه منى لأن في هذا معصيتك ، وإن لم تحوّل عنى شر مكرهن وكيدهن أمِل إليهن ، وأكن من السفهاء الطائشين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (33)

و { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } وهذا يدل على أن النسوة ، جعلن يشرن على يوسف في مطاوعة سيدته ، وجعلن يكدنه في ذلك .

فاستحب السجن والعذاب الدنيوي على لذة حاضرة توجب العذاب الشديد ، { وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } أي : أمل إليهن ، فإني ضعيف عاجز ، إن لم تدفع عني السوء ، { وَأَكُنْ } إن صبوت إليهن { مِنَ الْجَاهِلِينَ } فإن هذا جهل ، لأنه آثر لذة قليلة منغصة ، على لذات متتابعات وشهوات متنوعات في جنات النعيم ، ومن آثر هذا على هذا ، فمن أجهل منه ؟ " فإن العلم والعقل يدعو إلى تقديم أعظم المصلحتين وأعظم اللذتين ، ويؤثر ما كان محمود العاقبة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (33)

ويترامى على مسامع يوسف - عليه السلام - هذا التهديد السافر . . فيلجأ إلى ربه مستجيرا به ، ومحتميا بحماه ويقول : { قَالَ رَبِّ السجن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ . . . }

أى : قال يوسف - عليه السلام - متضرعا إلى ربه - تعالى - يا رب السجن الذي هددتنى به تلك المرأة ومن معها ، أحب إلى ، وآثر عندي مما يدعوننى إليه من ارتكاب الفواحش .

وقال أحب إلى مما يدعوننى إليه ، ولم يقل مما تدعونى إليه امرأة العزيز ، لأنهن جميعا كن مشتركات في دعوته إلى الفاحشة سواء بطريق مباشر أو غير مباشر ، بعد أن شاهدن هيئته وحسنه ، وبعد أن سمعن ما قالته في شأنه ربة الدار . .

قال الآلوسى : " وإسناد الدعوة إليهن ، لأنهن خوفنه من مخالفتها ، وزين له مطاوعتها .

فقد روى أنهن قلن له أطع مولاتك ، واقض حاجتها ، لتأمن عقوبتها . . وروى أن كل واحدة منهن طلبت الخلوة به لنصيحته ، فلما خلت به دعته إلى نفسها . .

وقوله : { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الجاهلين } واعتراف منه - عليه السلام - بضعفه البشرى الذي لا قدرة له على الصمود أمام الإِغراء ، إذا لم يكن معه عون الله - تعالى - وعنايته ورعايته .

و { أصب } من الصبوة وهى الميل إلى الهوى ، يقال : صبا فلان يصبو صبوا وصبوة ، إذا مال إلى شهوات نفسه واتبع طريق الشر ، ومنه ريح الصبا ، وهى التي تميل إليها النفوس لطيب نسيمها واعتدال هوائها .

والمعنى : وإلا تدفع عنى يا إلهى كيد هؤلاء النسوة ، ومحاولاتهن إيقاعى في حبائلهن ، أمل إليهن . وأطاوعهن على ما يردنه منى ، وأكن بذلك من الجاهلين السفهاء الذين يخضعون لأهوائهم وشهواتهم ، فيقعون في القبائح والمنكرات .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (33)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ رَبّ السّجْنُ أَحَبّ إِلَيّ مِمّا يَدْعُونَنِيَ إِلَيْهِ وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُنّ أَصْبُ إِلَيْهِنّ وَأَكُن مّنَ الْجَاهِلِينَ } .

قال أبو جعفر : وهذا الخبر من الله يدلّ على أن امرأة العزيز قد عاودت يوسف في المراودة عن نفسه ، وتوعدته بالسجن والحبس إن لم يفعل ما دعته إليه ، فاختار السجن على ما دعته إليه من ذلك ؛ لأنها لو لم تكن عاودته وتوعدته بذلك ، كان محالاً أن يقول : { رَبّ السّجْنُ أحَبّ إليّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ } ، وهو لا يدعى إلى شيء ولا يخوّف بحبس . والسجن هو : الحبس نفسه ، وهو بيت الحبس . وبكسر السين قرأه قرأة الأمصار كلها ، والعرب تضع الأماكن المشتقة من الأفعال مواضع الأفعال ، فتقول : طلعت الشمس مَطْلِعا ، وغربت مَغْرِبا ، فيجعلونها ، وهي أسماء ، خلَفا من المصادر ، فكذلك السجن ، فإذا فتحت السين من السجن كان مصدرا صحيحا . وقد ذُكر عن بعض المتقدمين أنه يقرؤه : { السَّجْنُ أحَبّ إليّ } ، بفتح السين . ولا أستجيز القراءة بذلك ، لإجماع الحجة من القرأة على خلافها .

قال أبو جعفر : وتأويل الكلام : قال يوسف : يا ربّ الحبس في السجن { أحبّ إليّ مما يدعونني إليه } ، من معصيتك ، ويراودنني عليه من الفاحشة . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { قالَ رَبّ السّجْنُ أحَبّ إليّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ } : من الزنا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال يوسف ، وأضاف إلى ربه واستعانه على ما نزل به : { رَبّ السّجْنُ أحَبّ إليّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ } ، أي : السجن أحبّ إليّ من أن آتيَ ما تكره .

وقوله : { وَإلاّ تَصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُنّ أصْبُ إلَيْهِنّ } ، يقول : وإن لم تدفع عني يا ربّ فعلهنّ الذي يفعلن بي في مراودتهنّ إياي على أنفسهن { أَصْبُ إليهنّ } ، يقول : أميل إليهنّ ، وأتابعهنّ على ما يردن مني ، ويهوَين ، من قول القائل : صبا فلان إلى كذا ، ومنه قول الشاعر :

إلى هِنْدٍ صَبا قَلْبِي *** وهِنْدٌ مثْلُها يُصْبِي

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { أصْبُ إلَيْهِنّ } ، يقول : أتابعهنّ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَإلاّ تَصْرِفْ عَنِي كَيْدَهُنّ } ، أي : ما أتخوّف منهنّ { أصْبُ إلَيْهِنّ } .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَإلاّ تَصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُنّ أصْبُ إلَيْهِنّ وأكُنْ مِنَ الجاهِلِينَ } ، قال : إلا يكن منك أنت العون والمنعة ، لا يكن مني ولا عندي .

وقوله : { وأكُنْ مِنَ الجاهِلِينَ } ، يقول : وأكن بصبوتي إليهنّ من الذين جهلوا حقك وخالفوا أمرك ونهيك . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وأكُنْ مِنَ الجاهِلِينَ } ، أي : جاهلاً إذا ركبت معصيتك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (33)

استئناف بياني ، لأن ما حُكي قبله مقام شدة من شأنه أن يَسأل سامعه عن حال تلقي يوسف عليه السّلام فيه لكلام امرأة العزيز .

وهذا الكلام مناجاة لربه الذي هو شاهدهم ، فالظاهر أنه قال هذا القول في نفسه . ويحتمل أنّه جهر به في ملئهن تأييساً لهن من أن يفعل ما تأمره به .

وقرأ الجمهور « السّجن » بكسر السين . وقرأه يعقوب وحده بفتح السين على معنى المصدر ، أي أن السجن أحب إليّ . وفضّل السجن مع ما فيه من الألم والشدة وضيق النفس على ما يدعونه إليه من الاستمتاع بالمرأة الحسنة النفيسة على ما فيه منا للذة ولكن كرهه لفعل الحرام فضل عنده مقاساة السجن . فلما علم أنه لا مَحيص من أحد الأمرين صار السجن محبوباً إليه باعتبار أنّه يخلصه من الوقوع في الحرام فهي محبة ناشئة عن ملاءمة الفكر ، كمحبة الشجاع الحرب .

فالإخبار بأن السجن أحبُّ إليه مِن الاستمتاع بالمرأة مستعمل في إنشاء الرضى بالسجن في مرضاة الله تعالى والتباعد عن محارمه ، إذ لا فائدة في إخبار من يعلم ما في نفسه فاسم التفضيل على حقيقته ولا داعي إلى تأويله بمسلوب المفاضلة .

وعبّر عما عرضته المرأة بالموصولية لما في الصلة من الإيماء إلى كون المطلوب حالة هي مظنة الطواعية ، لأن تمالىء الناس على طلب الشيء من شأنه أن يوطن نفس المطلوب للفعل ، فأظهر أن تمالئهن على طلبهن منه امتثالَ أمْر المرأة لم يَفُلّ من صارم عزمه على الممانعة ، وجعل ذلك تمهيداً لسؤال العصمة من الوقوع في شَرك كيدهن ، فانتقل من ذكر الرضى بوعيدها إلى سؤال العصمة من كيدها .

وأسند فعل { يدعونني } إلى نون النسوة ، فالواو الذي فيه هو حرف أصلي وليست واو الجماعة ، والنون ليست نون رفع لأنه مبني لاتصاله بنون النسوة ، ووزنه يفعُلْنَ . وأسند الفعل إلى ضمير جمع النساء مع أنّ التي دعته امرأة واحدة ، إما لأن تلك الدعوة من رغبات صنف النساء فيكون على وزان جمع الضمير في { كيدهن } ، وإما لأنّ النسوة اللاّتي جمعتهن امرأة العزيز لما سمعن كلامها تمَالأن على لوم يوسف عليه السّلام وتحريضه على إجابة الداعية ، وتحذيره من وعيدها بالسجن . وعلى وزان هذا يكون القول في جمع الضمير في { كيدهن } [ سورة يوسف : 28 ] أي كيد صنف النساء ، مثل قول العزيز { إنّ كيدكنّ عظيم } ، أي كيد هؤلاء النسوة .

وجملة { وإلاّ تصرف عني كيدهن } خبر مستعمل في التخوّف والتوقع التجاء إلى الله وملازمة للأدب نحو ربه بالتبرؤ من الحَول والقوة والخشية من تقلب القلب ومن الفتنة بالميل إلى اللذة الحرام . فالخبر مستعمل في الدعاء ، ولذلك فرع عنه جملة { فاستجاب له ربّه } .

ومعنى { أصبُ } أمِلْ . والصبو : الميل إلى المحبوب .

والجاهلون : سفهاء الأحلام ، فالجهل هنا مقابِل الحلم . والقول في أن مبالغة { أكن من الجاهلين } أكثرُ من أكن جاهلاً كالقول في { وليكوناً من الصاغرين } [ سورة يوسف : 32 ] .