السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (33)

{ قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه } وإن كان هذا مما تشتهيه النفس ، وذلك مما تكرهه نظراً إلى العاقبة ، فإنّ الأوّل فيه الذم في الدنيا والعقاب في الآخرة ، والثاني فيه المدح في الدنيا والثواب الدائم في الآخرة . فإن قيل : إنّ الدعاء كان منها فلم أضافه إليهنّ جميعاً ؟ أجيب : بأنهنّ خوّفنه من مخالفتها وزين له مطاوعتها ، وقيل : إنهنّ دعونه إلى أنفسهنّ . قال بعض العلماء لو لم يقل السجن ، أحب إليّ لم يبتل بالسجن والأولى بالعبد أن يسأل الله تعالى العافية ، ولذلك ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على من كان يسأل الله الصبر بقوله له : «سألت الله البلاء فاسأله العافية » رواه الترمذي { وإلا } ، أي : وإن لم { تصرف عني كيدهنّ } ، أي : فيما أردن مني بالتثبيت على العصمة { أصب } ، أي : أمل { إليهنّ } يقال : صبا فلان إلى كذا إذا مال إليه واشتاقه { وأكن } ، أي : أصر { من الجاهلين } ، أي : من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه ، فإن الحكيم لا يفعل القبيح وفي ذلك دليل على أن من ارتكب ذنباً إنما يرتكبه عن جهالة ، والقصد بذلك الدعاء ولذلك قال تعالى : { فاستجاب له ربه } .