الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (33)

قوله تعالى : { رَبِّ السِّجْنُ } : العامَّة على كسر الباء لأنه مضافٌ لياء المتكلم ، اجتُزِىءَ عنها بالكسرةِ وهي الفصحى . و " السجن " بكسر السين ورفعِ النون على أنه مبتدأ ، والخبر " أحبُّ " . والسِّجْن الحبس ، والمعنى : دخول السجن .

وقرأ بعضهم : " رَبُّ " بضمِّ الباء وجَرِّ النون على أنَّ " ربُّ " مبتدأ و " السجنِ " خفض بالإِضافة ، و " أحبُّ " خبرُه ، والمعنى : ملاقاةُ صاحبِ السجن ومقاساتُه أحبُّ إليّ .

وقرأ عثمان ومولاه طارق وزيد بن علي والزهري وابن أبي إسحاق وابن هرمز ويعقوب بفتح السين ، وفي الباقي كالعامَّة . والسَّجْن مصدر ، أي : الحَبْس أحبُّ إلي ، و " إليَّ " متعلقٌ ب " أحبُّ " وقد تقدَّم أن الفاعل هنا يُجَرُّ ب " إلى " والمفعول باللام ، / وفي الحقيقة ليست هنا أَفْعَل على بابها من التفضيل لأنه لم يُحبَّ ما يدعونه إليه قط ، وإنما هذان شَرَّان فآثر أحدَ الشَّرين على الآخر .

قوله : { أَصْبُ } قرأ العامة بتخفيف الباء مِنْ صَبا يَصْبو أي : رَقَّ شَوْقُه . والصَّبْوة : المَيْلُ إلى الهوى ، ومنه " الصَّبا " لأنَّ النفوس تَصْبو إليها أي : تميل ، لطيب نسميِها ورَوْحِها يقال : صَبَا يَصْبُو صَباءً وصُبُوَّاً ، وصَبِيَ يُصْبَى صَبَاً ، والصِّبا بالكسر اللَّهْوُ واللعب .

وقرأت فرقة " أَصَبُّ " بتشديدها مِنْ صَبْبتُ صَبابة فأنا صَبٌّ ، والصَّبابَةُ : رِقَّةُ الشوق وإفراطه كأنه لفرط حبه ينصبُّ فيما يَهْواه كما ينصبُّ الماء .