ولما كان هذا الإبراقُ والإرعادُ منها مظِنةً لسؤال سائل يقول : فما صنع يوسفُ حينئذ ؟ قيل : { قَالَ } مناجياً لربه عزَّ سلطانُه { رَبّ السجن } الذي أوعَدَتْني بالإلقاء فيه وقرأ يعقوبُ بالفتح على المصدر { أَحَبُّ إِلَىَّ } أي آثَرُ عندي لأنه مشقةٌ قليلةٌ نافذةٌ إثرَها راحاتٌ جليلةٌ أبديةٌ { مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ } من مؤاتاتها التي تؤدي إلى الشقاء والعذابِ الأليم ، وهذا الكلامُ منه عليه السلام مبنيٌّ على ما مر من انكشاف الحقائقِ لديه وبروزِ كلَ منها بصورتها اللائقةِ بها ، فصيغةُ التفضيلِ ليست على بابها إذ ليس له شائبةُ محبةٍ لما دعتْه إليه ، وإنما هو والسجنُ شران أهونُهما وأقربُهما إلى الإيثار السجنُ . والتعبيرُ عن الإيثار بالمحبة لحسم مادةِ طمعِها عن المساعدة خوفاً من الحبس والاقتصار على ذكر السجنِ من حيث إن الصَّغارَ من فروعه ومستتبعاتِه ، وإسنادُ الدعوةِ إليهن جميعاً لأن النسوة رغّبْنه في مطاوعتها وخوَّفْنه من مخالفتها ، وقيل : دعَوْنه إلى أنفسهن ، وقيل : إنما ابتُلي عليه السلام بالسجن لقوله هذا ، وكان الأولى به أن يسألَ الله تعالى العافية ، ولذلك ردّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على من كان يسأل الصبرَ { وَإِلاَّ تَصْرِفْ } أي إن لم تصرف { عَنّى كَيْدَهُنَّ } في تحبيب ذلك إليّ وتحسينه لديّ بأن تُثبِّتَني على ما أنا عليه من العِصمة والعِفة { أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } أي أمِلْ إلى إجابتهن أو إلى أنفسهن على قضية الطبيعةِ وحكم القوةِ الشهوية ، وهذا فزعٌ منه عليه السلام إلى ألطاف الله تعالى جرياً على سُنن الأنبياءِ والصالحين في قصر نيلِ الخيراتِ والنجاة عن الشرور على جناب الله عز وجل وسلبِ القوى والقدر عن أنفسهم ، ومبالغةٌ في استدعاء لطفِه في صرف كيدِهن بإظهار أن لا طاقةَ له بالمدافعة كقول المستغيثِ : أدركْنى وإلا هلكتُ لا أنه يطلب الإجبارَ والإلجاءَ إلى العصمة والعفةِ وفي نفسه داعيةٌ تدعوه إلى هواهن ، والصبْوةُ الميلُ إلى الهوى ومنه الصَّبا لأن النفوسَ تصبو إليها لطيب نسيمِها ورَوْحِها . وقرىء أصبّ إليهن من الصبابة وهي رقةُ الشوق { وَأَكُن منَ الجاهلين } الذين لا يعملون بما يعلمون لأن من لا جدوى لعلمه فهو والجاهل سواءٌ أو من السفهاء بارتكابِ ما يدعونني إليه من القبائح لأن الحكيمَ لا يفعل القبيح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.