تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (33)

المفردات :

كيدهن : احتيالهن . الكيد : ضرب من الاحتيال . قد يكون محمودا ومذموما ، وهو في المذموم أكثر .

أصب إليهن : أي : أمل إليهن ، وأستجب إلي هواهن ، يقال : صبا إليه ، يصبوا صبوا ، أي : مال إليه ، والصبوة هي : الميل مع الهوى .

التفسير :

33 { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ } .

هنا لجأ يوسف إلى ربه ؛ عندما شاهد عودة زليخا إلى المراودة والتهديد والوعيد ، وشاهد دعوة النسوة له إلى إجابة طلبها ، وربما عرضن أنفسهن عليه مبهورات بجماله ؛ فخشي من هذا الإغراء المتتابع ، ومد يديه إلى الله داعيا ، مستجيرا ، طالبا منه : الثبات والمعونة ، مفضلا السجن وما فيه من خشونة العيش وشظف الحياة ، على الوقوع في المعصية ، واقتراف الزنا .

واستمر في دعاء مولاه : بأن يصرف عنه كيد النسوة ، وتدبيرهن المحكم لإغوائه ؛ حتى لا يتأثر بهذا الإغواء ؛ فيستجيب لهن بمقتضى الطبيعة البشرية ، أو بميل إلى الاستجابة لهن ، وبذلك يكون ممن جهل حق العلم ، وحق الله في الطاعة والانصراف عن الغواية .

وقد ذكر الإمام القرطبي في معاني الآية :

" قال يوسف : رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من الزنا ، أو أحب إلي من أن آتي ما تكره " .

{ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ } .

يقول : وإن لم تدفع عني يا رب فعلهن الذي يفعلن بي في مراودتهن إياي على أنفسهن ؛ { أصب إليهن } . يقول : أميل إليهن ، وأتابعهن ما يردن مني ويهوين . من قول القائل : صبا فلان إلى كذا ، ومنه قول الشاعر :

إلى هند صبا قلبي *** وهند مثلها يصبى17