وقوله تعالى : ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) فيه دلالة أنه قد كان منهن من المراودة والدعاء إلى نفسها حين[ في الأصل وم : حيث ] ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) .
ألا ترى إنه قال في موضع آخر ( قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ) ؟ [ الآية : 51 ] وكذلك قالت امرأة العزيز : ( فذلكن الذي لمتنني فيه )[ الآية : 32 ] أي كنتن لمتنني فيه أني راودته عن نفسه ، وأنتن قد راودتنه عن نفسه ، وقول يوسف : ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) أي ذلك الذل والصغار أحب إلي أي آثر عندي وأخير مما يدعونني إليه ؟ وإن كان ما يدعونه إليه تهواه نفسه ، وتميل إليه ، وتحبه . فأخبر أن السجن أحب إليه أي آثر وأخير في الدين ؛ إذ النفس تكره السجن ، وتنفر عنه .
ألا ترى أنه قال : ( وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ ) ؟ فهذا يدل على أن ما( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) إنما أراد به محبة الاختيار والإيثار في الدين لا محبة النفس واختيارها . بل كانت النفس تحب ، وتهوى ما يدعونه إليه . دليله قوله : ( أصب إليهن وأكن من الجاهلين ) .
وليس الدعاء في قوله : ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) كما يقول بعض الناس : إنه إنما وقع في السجن لأنه سأل ربه السجن ، فاستجاب[ في الأصل وم : استجيب ] له في ذلك ، ولكن الدعاء في قوله : ( وإلا تصرف عني كيدهن ) وهو كقول آدم وحواء : ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا )الآية[ الأعراف : 23 ] .
ليس الدعاء في قولهما[ في الأصل وم : قوله ] : ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا )[ لأنه إخبار عما كان منهم ، إنما الدعاء في قوله : ( وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )[ الأعراف : 23 ] وكذلك قول نوح : ( ربي إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر وترحمني أكن من الخاسرين )[ هود : 47 ] .
وفي ][ من م ، ساقطة من الأصل ] قوله : ( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن ) دلالة أن عند الله لطفا[ في الأصل وم : لطف ] ، لم يكن أعطى يوسف ذلك ؛ إذ لو كان أعطاه لكان كيدهن وشرهن مصروفا [ عنه حين ][ في الأصل وم : عند حيث ] قال : ( وإلا تصرفي عني كيدهن أصب إليهن ) ولو كان أعطى ذلك لم يكن لسؤاله ذلك معنى .
فهذا ينقض على المعتزلة قولهم حين[ في الأصل وم : حيث ] قالوا : إن الله قد أعطى كلا قدرة كل طاعة وقوة كل خير والدفع عن كل شر .
وقوله تعالى : ( وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ) أي لا أحد يملك صرف كيدهن عني إن[ في الأصل وم : لو ] لم تصرفه أنت . وكذلك قوله : ( وإلا تغفر لي وترحمني )[ هود : 47 ] وهو أبلغ في الدعاء من قوله : اللهم اغفر لي وارحمني .
وقوله تعالى : ( أصب إليهن ) قال بعضهم : أمل إليهن ، وقال بعضهم : لو لم تصرف عني كيدهن لتابعتهن ؛ ويقال : الصبء هو الخروج من الأمر ؛ يقال : كل من خرج من دينه فقد صبأ ، وبهذا كان المشركون يسمون النبي صلى الله عليه وسلم صابئا ، أي خرج مما نحن عليه . وقال أبو بكر الأصم : الأصب هو الأمر المعجب .
وقوله تعالى : ( وأكن من الجاهلين ) أي يكن فعلي فعل الجهال لا فعل العلماء والحكماء إن لم تصرف عني كيدهن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.