{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } مقبلة ومدبرة غير أنه لا يكون إلا في القبل ، لكونه موضع الحرث ، وهو الموضع الذي يكون منه الولد .
وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر ، لأن الله لم يبح إتيان المرأة إلا في الموضع الذي منه الحرث ، وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم ذلك ، ولعن فاعله .
{ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ } أي : من التقرب إلى الله بفعل الخيرات ، ومن ذلك أن يباشر الرجل امرأته ، ويجامعها على وجه القربة والاحتساب ، وعلى رجاء تحصيل الذرية الذين ينفع الله بهم .
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } أي : في جميع أحوالكم ، كونوا ملازمين لتقوى الله ، مستعينين بذلك لعلمكم ، { أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ } ومجازيكم على أعمالكم الصالحة وغيرها .
ثم قال : { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } لم يذكر المبشر به ليدل على العموم ، وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وكل خير واندفاع كل ضير ، رتب على الإيمان فهو داخل في هذه البشارة .
وفيها محبة الله للمؤمنين ، ومحبة ما يسرهم ، واستحباب تنشيطهم وتشويقهم بما أعد الله لهم من الجزاء الدنيوي والأخروي .
ثم قال - تعالى - : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } .
روى الشيخان عن جابر قال : كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها ثم حملت كان ولدها أحول . فأنزل الله - تعالى - قوله : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } الآية .
والحرث في الأصل : تهيئة الأرض بالحراثة لإِلقايء البذر فيها . وقد تطلق كلمة الحرث على الأرض المزروعة كما في قوله - تعالى - { أَنِ اغدوا على حَرْثِكُمْ } أي على حديقتكم لجمع ما فيها من ثمار .
وشبهت المرأة بالأرض لأن كليهما يمد الوجود الإِنساني بقائه ، فالزوجة تمده بعناصر تكوينه ، والأرض تمده بأسباب حياته .
و { أنى شِئْتُمْ } بمعنى كيف شئتم ، أو متى شئتم في غير وقت الحيض .
والمعنى : نساؤكم هن مزرع لكم ومنبت للولد ، أعدهن الله لذلك كما أعد الأرض للزراعة والإِنبات ، فأتوهن إذا تطهرن من الحيض في موضع الحرث كيف شئتم مستلقيات على ظهورهن أو غير ذلك ما دمتم تؤدون شهوتكم في صمام واحد وهو الفرج .
وفي هذه الجملة الكريمة إشعار بأن المقصد الأول من الزواج إنما هو النسل ، ويشير إلى ذلك قوله { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } إذ من شأن الحرث الصالح الانتاج وإشعار كذلك بما شرعه الله للزوجين من مؤانسة ومباسطة ويشير إلى ذلك قوله - تعالى - { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } .
ويرى صاحب الكشاف ن التشيبه بين ما يلقى في الأرحام من النطفة وبين البذر الذي يلقى في الأرض من حيث إن كلا منهما ينمو في مستودعه ويكون به البقاء والتوالد ، فقد قال - رحمه الله - :
{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } مواضع الحرث لكم . وهذا مجاز شبهن بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذور ، وقوله : { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } تمثيل ، أي فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تحرثونها من أي جهة شئتم ، لا تحظر عليكم جهة دون جهة . والمعنى : جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتى واحدا وهو موضع الحرث .
ثم قال : وقوله - تعالى - : { هُوَ أَذًى فاعتزلوا النسآء } وقوله { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله } وقوله { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } من الكنايات اللطيفة والتعريضات الحسنة . وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة على المؤمنين أن يتعلموها ويتأدبوا بها ويتكلفوا مثلها في محاروتهم ومكاتبتهم .
فإن قلت : ما موقع قوله { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } مما قبله ؟ قلت : موقعه موقع البيان والتوضيح لقوله : { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله } يعني أن المأتي الذي أمركم الله به هو مكان الحرث ترجمة له وتفسيرا ، أو إزالة للشبهة ودلالة على أن الغرض الأصيل في الإِتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة فلا تأتوهن إلا من المأتى الذي يتعلق به هذا الغرض " .
ثم ختم الله - تعالى - الآية بقوله : { وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ واتقوا الله واعلموا أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ المؤمنين } .
أي : عليكم أيها المؤمنون أن تقدموا في حاضركم لمستقبلكم من الأعمال الصالحة ما ينفعكم في دنياكم وآخرتكم ، بأن تختاروا في زواجكم ذات الدين ، وأن تسيروا في حياتكم الزوجية على الطريقة التي رسمها لكم خالقكم وعليكم كذلك أن تتقوه بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما نهاكم عنه ، وأن تعلموا علم اليقين أنكم ستلقونه فيحاسبكم على أعمالكم ويجازيكهم عليها بما تستحقون .
وقوله : { وَبَشِّرِ المؤمنين } بشارة طيبة لمن آمن وعمل صالحا ، وتلقى ما كلفه الله - تعالى - بالطاعة والامتثال .
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد أرشدتا المسلم إلى أفضل الوسائل ، وأقوى الدعائم التي يقوم عليها صرح الحياة الزوجية والسعيدة ، والتي عن طريقها تأتي الذرية الصالحة الرشيدة ، وأن الإِسلام في تعاليمه لا يحاول أن ينكر أو يحطم غرائز الإِنسان وضرورياته ، وإنما الإِسلام يعترف بغرائز الإنسان وضرورياته ثم يعمل على تهذيبها وتقويمها بالطرق التي من شأنه إذا ما اتبعها أن يظفر بالسعادة والطمأنينة في دنياه وأخراه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.