قوله : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } لفظ الحرث يفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج الذي هو القبل خاصة ؛ إذ هو مزدرع الذرية ، كما أن الحرث مزدرع النبات . فقد شبه ما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بما يلقى في الأرض من البذور التي منها النبات بجامع أن كل واحد منهما مادة لما يحصل منه ، وهذه الجملة بيان للجملة الأولى ، أعني قوله : { فَأتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله } . وقوله : { أنى شِئْتُمْ } أي : من أي جهة شئتم من خلف ، وقدام ، وباركة ، ومستلقية ، ومضطجعة ، إذا كان في موضع الحرث ، وأنشد ثعلب :
إنما الأرحام أرضو *** ن لنا محترثات
فعلينا الزرع فيها *** وعلى الله النبات
وإنما عبر سبحانه بقوله : { أنّى } لكونها أعم في اللغة من كيف ، وأين ، ومتى . وأما سيبويه ، ففسرها ها هنا ب " كيف " ، وقد ذهب الخلف والسلف ، من الصحابة ، والتابعين ، والأئمة إلى ما ذكرناه من تفسير الآية ، وأن إتيان الزوجة في دبرها حرام ، وروي عن سعيد بن المسيب ، ونافع ، وابن عمر ، ومحمد بن كعب القرظي ، وعبد الملك بن الماجشون أنه يجوز ذلك ، حكاه عنهم القرطبي في تفسيره قال : وحكى ذلك عن مالك في كتاب له يسمى : «كتاب السر » وحذاق أصحاب مالك ، ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ، ومالك أجلّ من أن يكون له كتاب سرّ ، ووقع هذا القول في العُتْبِيَّة . وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز ذلك إلى زمرة كبيرة من الصحابة ، والتابعين ، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب : «جماع النسوان وأحكام القرآن » وقال الطحاوي : روى أصبغ بن الفرج ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، قال : ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني شك في أنه حلال : يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لكُمْ } ثم قال : فأي شيء أبين من هذا .
وقد روى الحاكم ، والدارقطني ، والخطيب البغدادي ، عن مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك . وفي أسانيدها ضعف . وقد روى الطحاوي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أنه سمع الشافعي يقول : ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ، ولا تحريمه شيء ، والقياس أنه حلال . وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب . قال ابن الصباغ : كان الربيع يحلف بالله الذي لا إله إلا الله هو لقد كذب ابن عبد الحكم على الشافعي في ذلك ، فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه .
قوله : { وَقَدّمُوا لاأنفُسِكُمْ } أي : خيراً كما في قوله تعالى : { وَمَا تُقَدّمُوا لأنْفُسِكُم منْ خَيْرٍ تَجِدُوا عَندَ الله } [ البقرة : 110 ] وقيل : ابتغاء الولد . وقيل : التزويج بالعفائف . وقيل : غير ذلك . وقوله : { واتقوا الله } فيه تحذير عن الوقوع في شيء من المحرّمات . وفي قوله : { واعلموا أَنَّكُم ملاقوه } مبالغة في التحذير . وفي قوله : { وَبَشّرِ المؤمنين } تأنيس لمن يفعل الخير ويجتنب الشر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.