إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (223)

{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } أي مواضعُ حرثٍ لكم شُبِّهن بها لما بين ما يلقى في أرحامهن وبين البذورِ من المشابهة من حيث إن كلاً منهما مادةٌ لما يحصُل منه { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ } لما عبّر عنهن بالحرث عبّر عن مجامعتهن بالإتيان وهو بيانٌ لقوله تعالى : { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله } [ البقرة ، الآية : 222 ] { أنى شِئْتُمْ } من أيِّ جهة شئتم .

روي أن اليهود كانوا يزعُمون أن مَنْ أتى امرأتَه في قبُلها من دبرها يأتي ولده أحول فذُكِر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت { وَقَدّمُواْ لأنفُسِكُمْ } أي ما يُدخَّر لكم من الثواب وقيل : هو طلبُ الولد وقيل : هو التسمية عند المباشرة { واتقوا الله } بالاجتناب عن معاصيه التي من جملتها ما عُدَّ من الأمور { واعلموا أَنَّكُم ملاقوه } فتعرَّضوا لتحصيل ما تنتفعون به حينئذ واجتنبوا اقترافَ ما تُفتَضَحون به { وَبَشّرِ المؤمنين } الذين تلقَّوا ما خوطبوا به من الأوامر والنواهي بحسب القَبول والامتثال بما يقصُر عنه البيان من الكرامة والنعيم المقيم ، أو بكل ما يُبشَّر به من الأمور التي تُسرُّ بها القلوب وتَقَرُّ بها العيونُ ، وفيه مع ما في تلوين الخطاب وجعلِ المبشِّرِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من المبالغة في تشريف المؤمنين ما لا يخفى .