الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (223)

ومعنى ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) [ 221 ] .

أي هُنَّ مزدرع للولد ، بمنزلة الأرض هي مزدرع( {[7172]} ) للحب فتقديره : " نساؤكم موضع حرث لكم " ( {[7173]} ) .

وأكثر أهل التفسير على أن الآية نزلت لما كان اليهود يجتنبون( {[7174]} ) ، وذلك أنهم يقولون ، من أتى امرأته في فرجها من دبرها ، خرج ولدها( {[7175]} ) أحول ، فأنزل الله : ( فَاتُوا حَرْثَكُمُ أَنَّى شِئْتُمْ )( {[7176]} ) . أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة في الفرج . ورواه مالك عن ابن المنكدر( {[7177]} ) عن جابر( {[7178]} ) .

[ وروى ]( {[7179]} ) ابن وهب عن ابن المسيب أنه قال في قوله : ( أَنَّى شِئْتُمْ ) : هو العزل ، إن شئت عزلتم وإن شئت لم تعزل ، وإن شئت سقيته ، وإن شئت أظميته " ( {[7180]} ) .

وروي عن ابن عباس أنه قال : " كانت قريش تتلذذ بالنساء مقبلات ومدبرات في الفرج ، فلما قدموا المدينة تزوجوا من( {[7181]} ) الأنصار ، فامتنعن عليهم من ذلك ، وقلن : [ لا نعرف ]( {[7182]} ) هذا ، فبلغ ذلك النبي [ عليه السلام ]( {[7183]} ) . فأنزل الله الآية( {[7184]} ) وأصح الوجوه في العربية أن يكون ( أَنَّى شِئْتُمْ ) بمعنى من أي وجه شئتم .

قال أبو محمد مكي( {[7185]} ) : يجب لأهل المروءة والدين والفضل ألا يتعلقوا في جواز إتيان النساء في أدبارهن بشيء من الروايات ، فكلها مطعون فيه ضعيف . وإنما ذكرناها لأن غيرنا من أهل العلم ذكرها( {[7186]} ) ، وواجب( {[7187]} ) على أهل الدين أن ينزهوا أنفسهم عن فعل ذلك ، ويأخذوا( {[7188]} ) في دينهم( {[7189]} ) بالأحوط فإني أخاف من العقوبة على فعله ، ولا أخاف من العقوبة على تركه ، وقد روي في ذلك أخبار كثيرة ، وأضيف جوازه إلى مالك وروي عنه وليس ذلك بخبر صحيح ولا مختار عند أهل الدين والفضل . وقد أضربنا عما روي فيه لئلا يتعلق به متعلق ، وأسقطنا ذكر ما روي فيه من كتابنا لئلا يستن به جاهل أو يميل إليه غافل وأسأل الله التوفيق في القول والعمل بمنه .

وقد قال مسروق : " قلت لعائشة رضي الله عنها : " ما يحل للرجل( {[7190]} ) من امرأته إذا كانت حائضاً فقالت : كل شيء إلا/الجماع " ( {[7191]} ) .

ويدل على منعه قوله : ( فَاتُوا حَرْثَكُمُ/أَنَّى شِئْتُمْ ) والحرث للولد يكون لأنه كالبذر( {[7192]} ) للزرع ، والولد لا يكون/إلا من جهة الفرج والإباحة إنما هي في الفرج لا غير ، لذكره الحرث الذي به( {[7193]} ) يكون الولد . فهذا نص ظاهر .

وقد روى يونس بن عبد الأعلى( {[7194]} ) عن ابن وهب أنه قال : " سألت مالك بن( {[7195]} ) أنس فقلت : إنهم قد ذكروا عنك أنك ترى إتيان النساء في أدبارهن . فقال : معاذ الله ، أليس أنتم [ قوماً عرباً ]( {[7196]} ) . فقلت : بلى . فقال : قال الله عز وجل : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمُ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، وهل( {[7197]} ) يكون الحرث إلا في موضع الزرع أو في موضع المنبت " ( {[7198]} ) .

وكذلك روى الدارقطني( {[7199]} ) عن رجاله( {[7200]} ) عن إسرائيل بن روح( {[7201]} ) أنه قال : سالت مالكاً ، فقلت : " يا أبا عبد الله ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن ؟ فقال : أما أنتم قوم عرب ؟ هل يكون الحرث إلا في موضع الزرع ؟ .

أتسمعون الله يقول : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمُ أَنَّى شِئْتُمْ ) قائمة فقاعدة وعلى جنبها( {[7202]} ) لا تتعدى الفرج . قلت يا أبا عبد الله ، إنهم يقولون إنك تقول بذلك ، فقال : " يكذبون علي ، يكذبون علي ، يكذبون علي " ( {[7203]} ) .

قال أبو أحمد مكي : " [ وهذا ]( {[7204]} ) الأشبه بورع مالك ، وتحفظه بدينه " ( {[7205]} ) .

وروى الدارقطني أيضاً عن رجاله( {[7206]} ) عن محمد بن عثمان( {[7207]} ) أنه قال : حضرتالكاً( {[7208]} ) ، وعلي بن زياد( {[7209]} ) يسأله ، فقال : عندنا يا أبا( {[7210]} ) عبد الله قوم بمصر يتحدثون عنك أنك تجيز الوطء في الدبر . فقال مالك : " كذبوا علي ، عافاك الله " ( {[7211]} ) .

وقد روى في منعه آثار كثيرة ؛ فمنه ما روي عن عكرمة أنه قال : " أنى شئتم من قبل الفرج " . وقاله ابن( {[7212]} ) جبير ومجاهد .

وعن/ابن عباس أن النبي عليه السلام قال في حديث له طويل : " يَأْتِي الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مُقْبلَةً وَمُدْبرَةً إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ " ( {[7213]} ) .

وروى عمارة بن خزامة( {[7214]} ) بن( {[7215]} ) ثابت عن أبيه أن النبي [ عليه السلام ]( {[7216]} ) قال : " إنّ الله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ ، فَلاَ تَأْتُوا( {[7217]} ) النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " ( {[7218]} ) .

وقال أبي بن كعب : " من أتى امرأته في دبرها فليس من التوابين ولا من المتطهرين " ( {[7219]} ) .

وقال ابن( {[7220]} ) مسعود : " محاش النساء عليكم حرام " ( {[7221]} ) .

وروى عبد الله بن( {[7222]} ) أبي الدرداء عن أبيه( {[7223]} ) أنه قال : " الذي يطأ امرأته في دبرها هو أعظم الفواحش " .

قوله : ( فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) [ 220 ] .

يدل على منع الإتيان في الدبر لأن الله لا يأمر بالفحشاء وقد سمى الله الإتيان في الدبر فاحشة بقوله : ( أَتَاتُونَ الفَاحِشَةَ )( {[7224]} ) ، فكيف يبيح( {[7225]} ) الفاحشة ؟ /وإنما معناه في( {[7226]} ) الفرج الذي أبيح لطلب الولد .

وفي( {[7227]} ) قول الله تعالى لقوم لوط : ( اَتَاتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِينَ . وَتَذَرُونَ( {[7228]} ) مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنَ اَزْوَاجِكُمْ )( {[7229]} ) دلالة على أن المباح الإتيان في الفرج دون الدبر وفي الآية دليل على منع الإتيان في الدبر من الرجال والنساء لأن قوله :

( وَتَذَرُونَ( {[7230]} ) مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنَ اَزْوَاجِكُمْ ) يراد( {[7231]} ) به الفرج ، لأن " ما " بمعنى " الذي " . " والذي " لا يقع إلا على معهود مشار إليه ، وهو الفرج الذي خلقه في النساء . ولو قال : " من خلق لكم " ، لكان المراد النساء لأن " من " لمن يعقل فلما جاءت " ما " وهي تقع لما لا يعقل علم أنه شيء في( {[7232]} ) : النساء خاصة/خلق للأزواج وهو الفرج .

وقد قال ابن عباس في قوله : ( مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) " معناه : من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن " .

وقد كثرت الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك( {[7233]} ) .

وقوله : ( وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ )( {[7234]} ) [ 221 ] .

قال ابن عباس : " اذكروا الله عند الجماع " ( {[7235]} ) .

وقيل : معناه طلب الولد( {[7236]} ) .

وقيل( {[7237]} ) : معناه أنهم أمروا بتقديم الأعمال الصالحة( {[7238]} ) .

وفعل الخير هو المفعول الثاني " لقدموا " . فهو مردود على ما قبله من قوله ، ( قُلْ مَا أَنْفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ ) [ البقرة 213 ] الآية( {[7239]} ) .


[7172]:- والمزدرع لغة هو المكان الذي يزرع فيه الزرع. انظر: اللسان 2/60.
[7173]:- انظر هذا التوجيه في: تفسير الغريب 84، وتفسير القرطبي 3/93.
[7174]:- سقط حرف الواو من ع3.
[7175]:- في ع3: الولد.
[7176]:- انظر: أسباب النزول 76، ولباب النقول 43، وتفسير القرطبي 3/91.
[7177]:- هو محمد بن المنكدر بن عبد الله القرشي التيمي، أبو عبد الله، المدني، إمام حافظ. روى عن عائشة وأبي هريرة. وروى عنه زيد بن أسلم والزهري وطائفة. (ت130هـ)، وقيل (136هـ). انظر: طبقات ابن خياط 268، وتذكرة الحفاظ 127-128، والخلاصة 2/461.
[7178]:- ورواه الشيخان وأبو داود، والترمذي عن جابر، انظر صحيح البخاري 5/160، وصحيح مسلم 2/1058، وسنن أبي داود 2/249، وسنن الترمذي 5/215.
[7179]:- في ع1: فروى، وتوجيهه من ع2، ح، ق، ع3.
[7180]:- انظر: جامع البيان 4/408.
[7181]:- سقط من ق.
[7182]:- في ق: تعرف، وهو تصحيف.
[7183]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[7184]:- انظر: سنن أبي داود 2/249، وأسباب النزول 67، ولباب النقول 44.
[7185]:- في ع2، ق، ع3: مكي رضي الله عنه.
[7186]:- في ق: ذاكرها.
[7187]:- في ع3: ووجب.
[7188]:- في ع2، ع3: يأخذون، وهو خطأ.
[7189]:- في ع2: أنفسهم.
[7190]:- في ق: للرجال.
[7191]:- انظر: جامع البيان 4/378، وتفسير القرطبي 3/87، والدر المنثور 1/621.
[7192]:- في ع1، ع2، ق: كالبدر، وهو تصحيف.
[7193]:- في ع3: فيه.
[7194]:- هو يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة، أبو موسى المصري، فقيه كبير ومقرئ ومحدث، حدث عن ابن عيينة والشافعي وابن وهب، وتفقه عليه مسلم والنسائي (ت264هـ). انظر: تذكرة الحفاظ 527-528، وطبقات القراء 2/406-407، والخلاصة 3/193.
[7195]:- في ق: ابن، وهو خطأ.
[7196]:- في ع1، ع2، ق، ع3: قوم عرب.
[7197]:- في ع3: فهل.
[7198]:- انظر: تفسير القرطبي 3/95.
[7199]:- واسمه علي بن عمر بن أحمد بن المهدي أبو الحسن، البغدادي الشافعي، محدث حافظ، فقيه مقرئ، من تصانيفه كتاب السنن. روى عنه أبو ذر الهروي وأبو عبد الله الحاكم وطائفة (ت305هـ). انظر: تذكرة الحفاظ 990، وطبقات القراء 1/558-559.
[7200]:- في ع2: رحاله.
[7201]:- هو إسرائيل بن روح الساحلي، روى عنه مالك، قل عنه ابن حجر: لا يدري من ذا. روى عنه إسماعيل بن حصن. انظر: لسان الميزان 1/386.
[7202]:- في ق: جنبيها. وفي ع3: جنوبها.
[7203]:- قولهك "يكذبون علي" ساقط من ق.
[7204]:- في ع2، ع3: هذا هو.
[7205]:- في ع3: يزرع مالك ونحفظه في دينه، وهو تحريف.
[7206]:- في ق: رحاله.
[7207]:- هو محمد بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي المدني. وروى عن قاسم. وروى عنه حاتم بن إسماعيل. وثقه أحمد. انظر الخلاصة 2/437.
[7208]:- في ع3: مالك.
[7209]:- هو علي بن زياد اليمامي، روى عن عكرمة. وروى عنه سعد بن عبد الحميد بن جعفر، انظر الخلاصة 2/248.
[7210]:- سقط لفظ "أبا" من ع2.
[7211]:- انظر: تفسير القرطبي 3/95.
[7212]:- في ق: بن، وهو خطأ.
[7213]:- انظر: صحيح البخاري 3/141، وسنن الترمذي 5/215.
[7214]:- في ق: حزامة. وهو خزامة بن ثابت أبو عبد الله، وقيل أبو محمد المدني، ثقة، (ت105هـ). انظر: تقريب التهذيب 2/49.
[7215]:- في ع3: ابن. وهو خطأ.
[7216]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[7217]:- في ع2: تؤتوا.
[7218]:- انظر: سنن الدارمي 2/145.
[7219]:- والقول لمجاهد في تفسير القرطبي 3/91.
[7220]:- في ق: بن. وهو خطأ.
[7221]:- انظر: تفسيره 2/115.
[7222]:- في ع3: ابن.
[7223]:- هو عويمر بن عامر، وقيل ابن زيد، أبو الدرداء الخزرجي، صحابي مشهور، بالعبادة والحكمة. جمع القرآن، وولي القضاء في دمشق. روى عنه ابن المسيب وعلقمة. (ت32هـ). انظر: طبقات ابن خياط 95، وتذكرة الحفاظ 24-25، وطبقات القراء1/606، وتقريب التهذيب 2/91، والخلاصة 2/310.
[7224]:- الأعراف آية 79.
[7225]:- في ق: تبيح، وهو تحريف.
[7226]:- سقط من ع2.
[7227]:- سقط حرف الواو من ع1، ق.
[7228]:- في ع2، ع3: تدرون، وهو تصحيف.
[7229]:- الشعراء الآيات 165-166.
[7230]:- في ع2، ع3: تدرون، وهو تصحيف.
[7231]:- في ع1: تراد. وهو خطأ.
[7232]:- سقط من ق.
[7233]:- انظر: صحيح مسلم 2/1059، وسنن أبي داود 2/249، وسنن الترمذي 3/216، وعون المعبود 1/312، ومسند الحميدي 1/207.
[7234]:- في ق: أنفسكم، وهو تحريف.
[7235]:- انظر: تفسير القرطبي 3/96، وتفسير ابن كثير 1/256، والدر المنثور 1/640.
[7236]:- انظر: تفسير الغريب 85، وتفسير القرطبي 3/96.
[7237]:- انظر: تفسير القرطبي 3/96، وهو قول السدي واختيار الطبري. انظر: جامع البيان 4/417.
[7238]:- في ع3: الصالحات.
[7239]:- انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 4/418.