ومعنى ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) [ 221 ] .
أي هُنَّ مزدرع للولد ، بمنزلة الأرض هي مزدرع( {[7172]} ) للحب فتقديره : " نساؤكم موضع حرث لكم " ( {[7173]} ) .
وأكثر أهل التفسير على أن الآية نزلت لما كان اليهود يجتنبون( {[7174]} ) ، وذلك أنهم يقولون ، من أتى امرأته في فرجها من دبرها ، خرج ولدها( {[7175]} ) أحول ، فأنزل الله : ( فَاتُوا حَرْثَكُمُ أَنَّى شِئْتُمْ )( {[7176]} ) . أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة في الفرج . ورواه مالك عن ابن المنكدر( {[7177]} ) عن جابر( {[7178]} ) .
[ وروى ]( {[7179]} ) ابن وهب عن ابن المسيب أنه قال في قوله : ( أَنَّى شِئْتُمْ ) : هو العزل ، إن شئت عزلتم وإن شئت لم تعزل ، وإن شئت سقيته ، وإن شئت أظميته " ( {[7180]} ) .
وروي عن ابن عباس أنه قال : " كانت قريش تتلذذ بالنساء مقبلات ومدبرات في الفرج ، فلما قدموا المدينة تزوجوا من( {[7181]} ) الأنصار ، فامتنعن عليهم من ذلك ، وقلن : [ لا نعرف ]( {[7182]} ) هذا ، فبلغ ذلك النبي [ عليه السلام ]( {[7183]} ) . فأنزل الله الآية( {[7184]} ) وأصح الوجوه في العربية أن يكون ( أَنَّى شِئْتُمْ ) بمعنى من أي وجه شئتم .
قال أبو محمد مكي( {[7185]} ) : يجب لأهل المروءة والدين والفضل ألا يتعلقوا في جواز إتيان النساء في أدبارهن بشيء من الروايات ، فكلها مطعون فيه ضعيف . وإنما ذكرناها لأن غيرنا من أهل العلم ذكرها( {[7186]} ) ، وواجب( {[7187]} ) على أهل الدين أن ينزهوا أنفسهم عن فعل ذلك ، ويأخذوا( {[7188]} ) في دينهم( {[7189]} ) بالأحوط فإني أخاف من العقوبة على فعله ، ولا أخاف من العقوبة على تركه ، وقد روي في ذلك أخبار كثيرة ، وأضيف جوازه إلى مالك وروي عنه وليس ذلك بخبر صحيح ولا مختار عند أهل الدين والفضل . وقد أضربنا عما روي فيه لئلا يتعلق به متعلق ، وأسقطنا ذكر ما روي فيه من كتابنا لئلا يستن به جاهل أو يميل إليه غافل وأسأل الله التوفيق في القول والعمل بمنه .
وقد قال مسروق : " قلت لعائشة رضي الله عنها : " ما يحل للرجل( {[7190]} ) من امرأته إذا كانت حائضاً فقالت : كل شيء إلا/الجماع " ( {[7191]} ) .
ويدل على منعه قوله : ( فَاتُوا حَرْثَكُمُ/أَنَّى شِئْتُمْ ) والحرث للولد يكون لأنه كالبذر( {[7192]} ) للزرع ، والولد لا يكون/إلا من جهة الفرج والإباحة إنما هي في الفرج لا غير ، لذكره الحرث الذي به( {[7193]} ) يكون الولد . فهذا نص ظاهر .
وقد روى يونس بن عبد الأعلى( {[7194]} ) عن ابن وهب أنه قال : " سألت مالك بن( {[7195]} ) أنس فقلت : إنهم قد ذكروا عنك أنك ترى إتيان النساء في أدبارهن . فقال : معاذ الله ، أليس أنتم [ قوماً عرباً ]( {[7196]} ) . فقلت : بلى . فقال : قال الله عز وجل : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمُ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، وهل( {[7197]} ) يكون الحرث إلا في موضع الزرع أو في موضع المنبت " ( {[7198]} ) .
وكذلك روى الدارقطني( {[7199]} ) عن رجاله( {[7200]} ) عن إسرائيل بن روح( {[7201]} ) أنه قال : سالت مالكاً ، فقلت : " يا أبا عبد الله ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن ؟ فقال : أما أنتم قوم عرب ؟ هل يكون الحرث إلا في موضع الزرع ؟ .
أتسمعون الله يقول : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمُ أَنَّى شِئْتُمْ ) قائمة فقاعدة وعلى جنبها( {[7202]} ) لا تتعدى الفرج . قلت يا أبا عبد الله ، إنهم يقولون إنك تقول بذلك ، فقال : " يكذبون علي ، يكذبون علي ، يكذبون علي " ( {[7203]} ) .
قال أبو أحمد مكي : " [ وهذا ]( {[7204]} ) الأشبه بورع مالك ، وتحفظه بدينه " ( {[7205]} ) .
وروى الدارقطني أيضاً عن رجاله( {[7206]} ) عن محمد بن عثمان( {[7207]} ) أنه قال : حضرتالكاً( {[7208]} ) ، وعلي بن زياد( {[7209]} ) يسأله ، فقال : عندنا يا أبا( {[7210]} ) عبد الله قوم بمصر يتحدثون عنك أنك تجيز الوطء في الدبر . فقال مالك : " كذبوا علي ، عافاك الله " ( {[7211]} ) .
وقد روى في منعه آثار كثيرة ؛ فمنه ما روي عن عكرمة أنه قال : " أنى شئتم من قبل الفرج " . وقاله ابن( {[7212]} ) جبير ومجاهد .
وعن/ابن عباس أن النبي عليه السلام قال في حديث له طويل : " يَأْتِي الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مُقْبلَةً وَمُدْبرَةً إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ " ( {[7213]} ) .
وروى عمارة بن خزامة( {[7214]} ) بن( {[7215]} ) ثابت عن أبيه أن النبي [ عليه السلام ]( {[7216]} ) قال : " إنّ الله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ ، فَلاَ تَأْتُوا( {[7217]} ) النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " ( {[7218]} ) .
وقال أبي بن كعب : " من أتى امرأته في دبرها فليس من التوابين ولا من المتطهرين " ( {[7219]} ) .
وقال ابن( {[7220]} ) مسعود : " محاش النساء عليكم حرام " ( {[7221]} ) .
وروى عبد الله بن( {[7222]} ) أبي الدرداء عن أبيه( {[7223]} ) أنه قال : " الذي يطأ امرأته في دبرها هو أعظم الفواحش " .
قوله : ( فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) [ 220 ] .
يدل على منع الإتيان في الدبر لأن الله لا يأمر بالفحشاء وقد سمى الله الإتيان في الدبر فاحشة بقوله : ( أَتَاتُونَ الفَاحِشَةَ )( {[7224]} ) ، فكيف يبيح( {[7225]} ) الفاحشة ؟ /وإنما معناه في( {[7226]} ) الفرج الذي أبيح لطلب الولد .
وفي( {[7227]} ) قول الله تعالى لقوم لوط : ( اَتَاتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِينَ . وَتَذَرُونَ( {[7228]} ) مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنَ اَزْوَاجِكُمْ )( {[7229]} ) دلالة على أن المباح الإتيان في الفرج دون الدبر وفي الآية دليل على منع الإتيان في الدبر من الرجال والنساء لأن قوله :
( وَتَذَرُونَ( {[7230]} ) مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنَ اَزْوَاجِكُمْ ) يراد( {[7231]} ) به الفرج ، لأن " ما " بمعنى " الذي " . " والذي " لا يقع إلا على معهود مشار إليه ، وهو الفرج الذي خلقه في النساء . ولو قال : " من خلق لكم " ، لكان المراد النساء لأن " من " لمن يعقل فلما جاءت " ما " وهي تقع لما لا يعقل علم أنه شيء في( {[7232]} ) : النساء خاصة/خلق للأزواج وهو الفرج .
وقد قال ابن عباس في قوله : ( مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) " معناه : من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن " .
وقد كثرت الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك( {[7233]} ) .
وقوله : ( وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ )( {[7234]} ) [ 221 ] .
قال ابن عباس : " اذكروا الله عند الجماع " ( {[7235]} ) .
وقيل : معناه طلب الولد( {[7236]} ) .
وقيل( {[7237]} ) : معناه أنهم أمروا بتقديم الأعمال الصالحة( {[7238]} ) .
وفعل الخير هو المفعول الثاني " لقدموا " . فهو مردود على ما قبله من قوله ، ( قُلْ مَا أَنْفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ ) [ البقرة 213 ] الآية( {[7239]} ) .