غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (223)

222

الحكم الثامن { نساؤكم حرث لكم } وإنه جار مجرى البيان والتوضيح لقوله { فأتوهن من حيث أمركم الله } دلالة على أن الغرض الأصلي في الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة فينبغي أن يؤتى المأتي الذي هو مكان الحرث ، وعن جابر رضي الله عنه قال : كانت اليهود تقول : إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت هذه الآية . وعن ابن عباس : " جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هلكت . قال : وما أهلكك ؟ قال : حوّلت رحلي الليلة . قال : فلم يرد عليَّ شيئاً . فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " . وتحويل الرحل قيل : ظاهره الكناية عن الإتيان في غير المحل المعتاد . وقيل : إنه الإتيان في المحل المعتاد لكن من جهة ظهرها . وعنه كانت الأنصار تنكر أن يأتي الرجل المرأة مجبية أي في قبلها من دبرها وكانوا أخذوا ذلك من اليهود وكانت قريش تفعل ذلك ولما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } أي مقبلات ومدبرات ومستكفيات بعد أن يتقى الدبر والحيضة ، وذلك أن قوله { حرث لكم } أي مزرع ومنبت للولد وهذا على سبيل التشبيه . ففرج المرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد كالنبات ، وإنما وحد الحرث لأنه مصدر أقيم مقام المضاف أي هن مواضع حرث فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم ، لا تحظر عليكم جهة دون جهة ، بعد أن يكون المأتي واحداً وهو موضع الحرث أعني القبل دون الدبر ، هذا ما عليه أكثر العلماء ويؤيده قوله عز من قائل { قل هو أذى فاعتزلوا } جعل ثبوت الأذى علة للاعتزال ولا معنى للأذى ، إلا ما يتأذى الإنسان منه بنتن وتلوث وتنفر طبع ، والأذى في الدبر حاصل أبداً فالاعتزال عنه أولى بالوجوب . فمعنى { أنى شئتم } كيف شئتم من قبلها قائمة أو باركة أو مضطجعة . وقيل : { أنى } بمعنى " متى " أي فأتوا حرثكم أي وقت شئتم من أوقات الحل يعني إذا لم تكن أجنبية أو محرمة أو صائمة أو حائضاً . وعن ابن عباس : المعنى إن شاء عزل وإن شاء لم يعزل . وقيل : متى شئتم من ليل أو نهار والأصح الأول وعن مالك والشيعة تجويز إتيان النساء في أدبارهن ويحكى أن نافعاً نقل عن ابن عمر مثل ذلك واحتجوا بأن الحرث اسم المرأة لا الموضع المعين وبأن قوله { أنى شئتم } معناه من أين شئتم كقوله { أنى لك هذا } [ مريم : 37 ] أي من أين . وكلمة " أين " تدل على تعدد الأمكنة فيلزم أن يكون المأتي بها متعدداً . وبقوله { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } [ المؤمنون : 6 ] ترك العمل بعمومه في حق الذكور لدلالة الإجماع فوجب أن يبقى معمولاً به في حق الإناث . ولا يخفى ضعف هذه الحجج ولو سلم مساواتها دلائل الحرمة في القوة فالاجتناب أحوط ، وكيف لا وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ملعون من أتى امرأة في دبرها " ولو لم يكن فيه إلا فوات غرض التوالد والتناسل الذي به بقاء النوع الإنساني الذي هو أشرف أنواع الكائنات لكفى به منقصة وذماً ، وإذا كان لزنا لكونه مزيلاً للنسب محرماً ، وكذا الخمر لكونها رافعة للعقل ، والقتل لكونه مفنياً للشخص ، فلأن يحرم هذا الفعل لكونه متضمناً لفناء النوع أولى كاللواط وإتيان البهيمة والاستمناء ولهذا عقبه بقوله { وقدّموا لأنفسكم } أي افعلوا ما تستوجبون به الجنة والكرامة كقول الرجل لغيره " قدم لنفسك عملاً صالحاً " وذلك أن الآية اشتملت على الإذن في أحد الموضعين والمنع عن الموضع الآخر فكأنه قيل : لا تكونوا في قيد قضاء الشهوة وإنما يجب أن تكونوا في ربقة الإخلاص وتقديم الطاعة ، ثم إنه أكد ذلك بقوله { واتقوا الله } ثم زاد التأكيد بقوله { واعلموا أنكم ملاقوه } وهذه التهديدات الثلاثة المتوالية لا تحسن إلا إذا كانت مسبوقة بالنهي عن مشتهي . فقوله { وقدّموا لأنفسكم } تحريض على فعل الطاعات ويندرج فيه ابتغاء لولد والتسمية عند الوقاع وغير ذلك من بآداب الخلوة ، وقوله { واتقوا الله } زجر عن المحظورات والمنكرات ، وقوله { واعلموا أنكم ملاقوه } تذكير ليوم البعث والحساب الذي لولاه لضاع فعل الطاعات وترك المنهيات وما أحسن هذا الترتيب ! ثم قال { وبشر المؤمنين } كيلا يخلو الوعيد من الوعد . ولم يذكر المبشر به وهو الثواب والكرامة ونحوهما إما لأنه كالمعلوم من نحو قوله { وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً } [ الأحزاب : 47 ] ، { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات } [ البقرة : 25 ] وإما لأن الغرض نفس البشارة مثل " فلان يعطى " .

/خ227