الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (223)

{ حَرْثٌ لَّكُمْ } مواضع الحرث لكم . وهذا مجاز ، شبهن بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذور . وقوله : { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } تمثيل ، أي فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم . لا تحظر عليكم جهة دون جهة ، والمعنى : جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتى واحداً وهو موضع الحرث . وقوله : { هُوَ أَذًى فاعتزلوا النساء } ، { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله } ، { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة . وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة على المؤمنين أن يتعلموها ويتأدّبوا بها ويتكلفوا مثلها في محاورتهم ومكاتبتهم . وروي : أن اليهود كانوا يقولون : من جامع امرأته وهي مجبية من دبرها في قبلها كان ولدها أحول ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال كذبت اليهود ونزلت . { وَقَدّمُواْ لأَنفُسِكُمْ } ما يجب تقديمه من الأعمال الصالحة وما هو خلاف ما نهيتكم عنه . وقيل : هو طلب الولد ، وقيل : التسمية على الوطء { واتقوا الله } فلا تجترئوا على المناهي { واعلموا أَنَّكُم ملاقوه } فتزوّدوا ما لا تفتضحون به { وَبَشّرِ المؤمنين } المستوجبين للمدح والتعظيم بترك القبائح وفعل الحسنات

فإن قلت : ما موقع قوله : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } مما قبله ؟ قلت : موقعه موقع البيان والتوضيح لقوله : { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله } يعني أنّ المأتى الذي أمركم الله به هو مكان الحرث ، ترجمة له وتفسيراً ، أو إزالة للشبهة ، ودلالة على أنّ الغرض الأصيل في الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة ، فلا تأتوهنّ إلا من المأتي الذي يتعلق به هذا الغرض .

فإن قلت : ما بال { يَسْألُونَكَ } جاء بغير واو ثلاث مرات ، ثم مع الواو ثلاثاً ؟ قلت : كان سؤالهم عن تلك الحوادث الأول وقع في أحوال متفرّقة ، فلم يؤت بحرف العطف لأنّ كل واحد من السؤالات سؤال مبتدأ . وسألوا عن الحوادث الأخر في وقت واحد ، فجيء بحرف الجمع لذلك ، كأنه قيل : يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر ، والسؤال عن الإنفاق ، والسؤال عن كذا وكذا .