نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (223)

ولما بين سبحانه {[10311]}وتعالى المأتي{[10312]} في الآية السابقة{[10313]} نوع بيان أوضحه مشيراً إلى ثمرة النكاح الناهية لكل ذي{[10314]} لب عن السفاح{[10315]} فقال : { نساؤكم{[10316]} }{[10317]} أي اللاتي هن حل لكم بعقد أو ملك يمين ولما كان إلقاء النطفة التي يكون منها النسل كإلقاء البذر الذي يكون منه الزرع شبههن بالمحارث{[10318]} دلالة على{[10319]} أن الغرض{[10320]} الأصيل طلب النسل فقال مسمياً{[10321]} موضع الحرث باسمه موقعاً اسم الجزء على الكل موحداً لأنه جنس { حرث لكم } {[10322]}فأوضح ذلك{[10323]} . قال الحرالي : ليقع الخطاب بالإشارة أي في الآية الأولى لأولي الفهم وبالتصريح أي في هذه لأولي{[10324]} العلم لأن الحرث كما قال بعض العلماء إنما يكون في موضع الزرع - انتهى . وفي تخصيص الحرث بالذكر وتعميم جميع{[10325]} الكيفيات الموصلة إليه بقوله : { فأتوا حرثكم } {[10326]}أي الموضع الصالح للحراثة{[10327]} { أنى شئتم{[10328]} } {[10329]}أي من أين وكيف{[10330]} إشارة إلى تحريم ما سواه لما فيه من العبث بعدم المنفعة . {[10331]}قال الثعلبي : الأدبار موضع الفرث لا موضع الحرث{[10332]} .

ولما كانت هذه أموراً خفية لا يحمل على صالحها وتحجر{[10333]} عن فاسدها إلا محض الورع قال : { وقدموا{[10334]} } {[10335]}أي أوقعوا التقديم . ولما كان السياق للجمع وهو من شهوات النفس قال مشيراً إلى الزجر عن اتباعها{[10336]} كل{[10337]} ما تهوي : { لأنفسكم } أي من هذا العمل وغيره {[10338]}من كل ما يتعلق بالشهوات{[10339]} ما{[10340]} إذا عرض على من تهابونه وتعتقدون خيره{[10341]} افتخرتم به عنده وذلك بأن تصرفوا مثلاً هذا العمل عن محض الشهوة إلى قصد الإعفاف وطلب الولد الذي يدوم به صالح العمل فيتصل الثواب ، ومن التقديم التسمية عند الجماع على ما وردت به السنة و{[10342]}صرح به الحبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على ما نقل عنه .

{[10343]}ولما كانت أفعال الإنسان في{[10344]} الشهوات تقرب {[10345]}من فعل من عنده شك{[10346]} احتيج إلى مزيد وعظ فقال : { واتقوا الله{[10347]} } أي اجعلوا بينكم وبين ما يكرهه {[10348]}الملك الأعظم{[10349]} من ذلك وغيره وقاية من الحلال أو المشتبه .

وزاد سبحانه وتعالى في الوعظ والتحذير بالتنبيه بطلب العلم وتصوير العرض فقال : { واعلموا أنكم ملاقوه{[10350]} } وهو سائلكم عن جميع ما فعلتموه من دقيق وجليل وصالح وغيره {[10351]}فلا تقعوا فيما تستحيون منه إذا سألكم فهو أجل من كل جليل{[10352]} . قال الحرالي : وفيه إشعار بما يجري في أثناء ذلك من الأحكام التي لا يصل إليها{[10353]} أحكام حكام الدنيا مما لا يقع الفصل فيه إلا في الآخرة من حيث إن أمر ما بين الزوجين سر لا يفشى ، قال عليه الصلاة والسلام : " لا يسأل الرجل فيم{[10354]} ضرب امرأته " وقال : " لا أحب للمرأة أن تشكو زوجها " فأنبأ تعالى أن أمر ما بين الزوجين مؤخر حكمه{[10355]} إلى لقاء الله عز وجل حفيظة على ما بين الزوجين ليبقى سراً لا يظهر أمره إلا الله تعالى ، وفي إشعاره إبقاء للمروة في أن لا يحتكم الزوجان{[10356]} عند حاكم في الدنيا وأن يرجع كل واحد منهما إلى تقوى الله وعلمه بلقاء الله - انتهى .

ولما كان هذا لا يعقله حق عقله كل أحد أشار إلى ذلك بالالتفات إلى أكمل الخلق فقال عاطفاً على ما تقديره : فأنذر المكذبين فعلاً أو قولاً ، قوله تعالى : { وبشر المؤمنين{[10357]} * } أي الذين صار لهم الإيمان وصفاً راسخاً تهيؤوا به للمراقبة ، وهو إشارة إلى أن مثل هذا من باب الأمانات لا يحجز عنه إلا الإخلاص في الإيمان والتمكن فيه .


[10311]:العبارة من هنا إلى "ذي لب عن" ليست في م.
[10312]:من مد وظ، وفي الأصل: الآتي.
[10313]:في ظ ومد: السالفة.
[10314]:ليس في ظ.
[10315]:من م ومد وظ، وفي الأصل: السفاع.
[10316]:في البخاري ومسلم أن اليهود كانت تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها: إن الولد يكون أحول، فنزلت؛ وقيل: سبب النزول كراهة نساء الأنصار ذلك لما يزوجهم المهاجرون وكانوا يفعلون ذلك بمكة يتلذذون بالنساء مقبلات ومدبرات – روى معناه الحاكم في صحيحه....ومناسبتها لما قبلها ظاهرة لأنه لما تقدم "فآتوهن من حيث أمركم الله" وكان الإطلاق يقتضي تسويغ إتيانهن على سا ئر أحوال الإتيان أكد ذلك بأن نص بما يدل على سائر الكيفيات وبين أيضا المحل بجعله حرثا وهو القبل، والحرث كما تقدم في قصة البقرة شق الأرض للزرع ثم سمى الزرع حرثا "أصابت حرث قوم" وسمى الكسب حرثا، قال الشاعر: إذا أكل الجراد حروث قوم فحرثي همه أكل الجراد قالوا: يريد فامرأتي وأنشد أحمد بن يحيى: إنما الأرحام ارضو ن لنا محترثات. فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات وهذه الجملة جاء بيانا وتوضيحا لقوله "فتوهن من حيث أمركم الله" البحر المحيط 2 / 170.
[10317]:العبارة من هنا إلى "لأنه جنس" ليست في ظ.
[10318]:في م: الحارث.
[10319]:من مد، وقد سقط من م، وفي الأصل: عن.
[10320]:من م، وفي الأصل ومد: الفرض.
[10321]:من م ومد، وفي الأصل: متسميا.
[10322]:سقطت من ظ.
[10323]:سقطت من ظ.
[10324]:من م ومد وظ، وفي الأصل: الأولى.
[10325]:من مد وظ، وفي الأصل: جمع.
[10326]:ليست في ظ.
[10327]:ليست في ظ.
[10328]:أخره في م عن "وكيف".
[10329]:ليست في ظ.
[10330]:ليست في ظ.
[10331]:ليست في ظ.
[10332]:ليست في ظ.
[10333]:في ظ: يحجز.
[10334]:مفعول قدموا محذوف فقيل التقدير ذكر الله عند القربان أو طلب الولد والأفراط شفعاء – قاله ابن عباس. أو الخير – قاله السدى، أو قدم صدق – قاله ابن كيسان – البحر المحيط 2 / 172.
[10335]:العبارة من هنا إلى "ما تهوى" ليست في ظ.
[10336]:زيد في م: من.
[10337]:زيد من مد.
[10338]:ليست في ظ.
[10339]:ليست في ظ.
[10340]:من م ومد وظ، وفي الأصل: إما.
[10341]:من م وظ، وفي مد: غيره، وفي الأصل: خبره.
[10342]:ليس في مد وظ.
[10343]:العبارة من هنا إلى "فقال" ليست في ظ.
[10344]:في م: من.
[10345]:من مد، وموضعه بياض في الأصل وم.
[10346]:في مد: وعظ.
[10347]:أي اتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه وهو تحذير لهم من المخالفة ولن العظيم الذي تقدم يحتاج إلى ان يقدم معك ما تقدم به عليه مما لا تفتضح به عنده وهو العمل الصالح.
[10348]:ليست في ظ.
[10349]:ليست في ظ.
[10350]:الظاهر أن الضمير المجرور في "ملاقوه" عائد على الله تعالى وتكون على حذف مضاف أي ملاقو جزائه على أفعالكم...ويجوز أن يعود على الجزاء الدال عليه معمول قدموا المحذوف وفي ذلك رد على من ينكر البعث والحساب والمعاد سواء عاد على الله تعالى أو على معمول قدموا أو على الجزاء – البحر المحيط 2 / 172.
[10351]:ليست في ظ.
[10352]:ليست في ظ.
[10353]:في ظ: إليه.
[10354]:في مد: لم
[10355]:من م ومد وظ، وفي الأصل: حكمة.
[10356]:في الأصل: الزوجات، والتصحيح من م وظ ومد.
[10357]:أي بحسن العاقبة في الآخرة وفيه تنبيه على وصف الذي به يتقي الله ويقدم الخير ويستحق التبشير وهو الإيمان وفي أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتبشير تأنيس عظيم ووعد كريم بالثواب الجزيل ولم يأت بضمير الغيبة بل اتى بالظاهر الدال على الوصف ولكونه مع ذلك فصل آية – البحر المحيط 2 / 172.