المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

32- ولا يتطلع الرجال إلى ما مَيَّز الله به النساء ، ولا النساء إلى ما ميز الله به الرجال ، فإن لكل فريق حظاً ملائماً لما طبع عليه من العمل وما أضيف إليه من الحقوق ، فليتجه كل إلى رجاء الاستزادة من فضل الله بتنمية مواهبه والاستعانة على ما نيط به . إن الله كان عالماً أتم العلم بكل شيء ، وقد أعطى كل نوع ما يصلح له .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

القول في تأويل قوله { وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبوُا وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيماً }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : ولا تتشهّوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض ، وذكر أن ذلك نزل في نساء تَمَنِّين منازل الرجال ، وأن يكون لهم ما لهم ، فنهى الله عباده عن الأمانيّ الباطلة ، وأمرهم أن يسألوه من فضله إذ كانت الأمانيّ تورِث أهلها الحسد ، والغي بغير الحقّ .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قالت أمّ سلمة : يا رسول الله لا نعطى الميراث ، ولا نغزو في سبيل الله فنقتل ، فنزلت { وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْض } .

حدثناأبو كريب ، قال : ثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان الثوريّ ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قالت أمّ سلمة : يا رسول الله : تغزو الرجال ، ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث ، فنزلت { وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبوُا وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ } ، ونزلت : { إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ } .

حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } يقول : لا يتمنى الرجل يقول : ليت أن لي مال فلان وأهله ، فنهى الله سبحانه عن ذلك ، ولكن ليسأل الله من فضله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } قال : قول النساء : ليتنا رجال فنغزو ، ونبلغ ما يبلغ الرجال .

حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } قول النساء يتمنين ، ليتنا رجال فنغزو ، ثم ذكر مثل حديث محمد بن عمرو .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عُيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قالت أمّ سلمة : أيْ رسولَ الله ، أتغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث ، فنزلت وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ } .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن شيخ من أهل مكة ، قوله : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } قال : كان النساء يقلن : ليتنا رجال فنجاهد كما يجاهد الرجال ، ونغزو في سبيل الله ! فقال الله : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : تتمنى مال فلان ومال فلان ، وما يدريك لعلّ هلاكه في ذلك المال .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ومجاهد أنهما قالا : نزلت في أمّ سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة .

وبه قال : ثنى حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : هو الإنسان يقول : وددت أن لي مال فلان ! قال : واسألوا الله من فضله ، وقول النساء : ليتنا رجال فنغزو ، ونبلغ ما يبلغ الرجال .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا يتمنّ بعضكم ما خصّ الله بعضاً من منازل الفضل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } فإن الرجال قالوا : نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء ، كما لنا في السهام سهمان ، فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران ، وقال النساء : نريد أن يكون لنا أجر مثل الرجال ، فأنا لا نستطيع أن نقاتل ، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا .

فأنزل الله تعالى الآية ، وقال لهم : سلوا الله من فضله ، يرزقكم الأعمال ، وهو خير لكم .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد ، قال : نهيتم عن الأمانيّ ، ودُللتم على ما هو خير منه ، واسألوا الله من فضله .

حدثني المثنى ، قال : ثنا عارم ، قال : ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال : كان محمد إذا سمع الرجل يتمنى في الدنيا ، قال : قد نهاكم الله عن هذا ، { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } ودلكم على خير منه ، واسألوا الله من فضله .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام على هذا التأويل : ولا تتمنوا أيها الرجال والنساء الذي فضل الله به بعضكم على بعض من منازل الفضل ، ودرجات الخير وليرض أحدكم بما قسم الله له من نصيب ، ولكن سلو الله من فضله .

القول في تأويل قوله تعالى : { لّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : للرجال نصيب مما اكتسبوا من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ، وللنساء نصيب من ذلك مثل ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ } كان أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئاً ولا الصبيّ شيئاً ، وإنما يجعلون الميراث لمن يحترف وينفع ويدفع ، فلما لحق للمرأة نصيبها وللصبيّ نصيبه ، وجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين ، قال النساء : لو كان جعل أنصباءنا في الميراث كأنصباء الرجال ! وقال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة ، كما فضلنا عليهنّ في الميراث ! فأنزل الله : { لّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ } ، يقول : المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزي الرجل ، قال الله تعالى : { وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ } .

حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، قال : ثنى أبو ليلى ، قال : سمعت أبا جرير يقول : لما نزل : { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الاْنْثَيَيْنِ } قالت النساء : كذلك عليهم نصيبان من الذنوب ، كما لهم نصيبان من الميراث ! فأنزل الله : { لّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ } يعني الذنوب ، واسألوا الله يا معشر النساء من فضله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : للرجال نصيب مما اكتسبوا من ميراث موتاهم ، وللنساء نصيب منهم .

ذكر من قال ذلك : حدثنا المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { لّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ } يعني : ما ترك الوالدان والأقربون ، يقول :

{ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الأُنْثَيَيْنِ }

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن أبي إسحاق ، عن عكرمة أو غيره ، في قوله : { بَعْضٍ لّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ } قال : في الميراث كانوا لا يورّثون النساء .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية قول من قال معناه : للرجال نصيب من ثواب الله وعقابه مما اكتسبوا ، فعملوه من خير أو شرّ ، وللنساء نصيب مما اكتسبن من ذلك كما للرجال .

وإنما قلنا إن ذلك أولى بتأويل الآية من قول من قال تأويله : للرجال نصيب من الميراث ، وللنساء نصيب منه ، لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أن لكلّ فريق من الرجال والنساء نصيباً مما اكتسب ، وليس الميراث مما اكتسبه الوارث ، وإنما هو مال أورثه الله عن ميته بغير اكتساب ، وإنما الكسب العمل ، والمكتسب : المحترف ، فغير جائز أن يكون معنى الآية ، وقد قال الله : { لّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ } للرجال نصيب مما ورثوا ، وللنساء نصيب مما ورثن ؛ لأن ذلك لو كان كذلك لقيل : للرجال نصيب مما لم يكتسبوا ، وللنساء نصيب مما لم يكتسبن .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاسْئَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ } . يعني بذلك جلّ ثناؤه : واسألوا الله من عونه وتوفيقه للعمل بما يرضيه عنكم من طاعته ، ففضله في هذا الموضع : توفيقه ومعونته . كما : حدثنا محمد بن مسلم الرازي ، قال : ثنا أبو جعفر النفيلي ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن أشعث ، عن سعيد : { وَاسْئَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ } قال : العبادة ليست من أمر الدنيا .

حدثنا محمد بن مسلم ، قال : ثنى أبو جعفر ، قال : ثنا موسى ، عن ليث ، قال : فضله العبادة ليس من أمر الدنيا .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هشام ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : { وَاسْئَلُواْ مِن فَضْلِهِ } قال : ليس بعرض الدنيا . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَاسْئَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ } يرزقكم الأعمال ، وهو خير لكم . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن رجل لم يسمه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ فإنَّهُ يُحِبُّ أنْ يُسألَ ، وإنَّ مِنْ أفْضَلِ العِبادَةِ انْتِظارَالفَرَج "

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : إن الله كان بما يصلح عباده فيما قسم لهم من خير ، ورفع بعضهم فوق بعض في الدين والدنيا ، وبغير ذلك من قضائه وأحكامه فيهم { عَلِيماً } يقول : ذا علم ، ولا تتنموا غير الذي قضى لكم ، ولكن عليكم بطاعته والتسليم لأمره ، والرضا بقضائه ومسئلته من فضله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

{ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } من الأمور الدنيوية كالجاه والمال ، فلعل عدمه خير والمقتضي للمنع كونه ذريعة إلى التحاسد والتعادي ، معربة عن عدم الرضا بما قسم الله له ، وأنه تشه لحصول الشيء له من غير طلب وهو مذموم ، لأن تمني ما لم يقدر له معارضة لحكمة القدر ، وتمني ما قدر له بكسب بطالة وتضييع حظ ، وتمني ما قدر له بغير كسب ضائع ومحال . { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } بيان لذلك أي لكل من الرجال والنساء فضل ونصيب بسبب ما اكتسب ومن أجله ، فاطلبوا الفضل من الله تعالى بالعمل لا بالحسد ، والتمني كما قال عليه الصلاة والسلام " ليس الإيمان بالتمني " . وقيل المراد نصيب الميراث وتفضيل الورثة بعضهم على بعض فيه ، وجعل ما قسم لكل منهم على حسب ما عرف من حاله الموجبة للزيادة والنقص كالمكتسب له . { وأسالوا الله من فضله } أي لا تتمنوا ما للناس واسألوا الله مثله من خزائنه التي لا تنفذ . وهو يدل على أن المنهي عنه هو الحسد ، أو لا تتمنوا واسألوا الله من فضله بما يقربه ويسوقه إليكم . وقرأ ابن كثير والكسائي { واسلوا الله من فضله } وسلهم فسل الذين وشبهه إذا كان أمرا مواجها به ، وقبل السين واو أو فاء بغير همز وحمزة في الوقف على أصله والباقون بالهمز . { إن الله كان بكل شيء عليما } فهو يعلم ما يستحقه كل إنسان فيفضل عن علم وتبيان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

سبب الآية أن النساء قلن : ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث وشركناهم في الغزو ، وروي أن أم سلمة قالت ذلك أونحوه{[3988]} ، وقال الرجال : ليت لنا في الآخرة حظاً زائداً على النساء ، كما لنا عليهن في الدنيا ، فنزلت الآية .

قال القاضي أبو محمد : لأن في تمنيهم هذا تحكماً على الشريعة ، و تطرقاً إلى الدفع في صدر حكم الله ، فهذا نهي عن كل تمنٍّ لخلاف حكم شرعي ، ويدخل في النهي أن يتمنى الرجل حال الآخر من دين أو دنيا ، على أن يذهب ما عند الآخر ، إذ هذا هو الحسد بعينه ، وقد كره بعض العلماء أن يتمنى أحد حال رجل ينصبه في فكره وإن لم يتمنَّ زوال حاله ، وهذا في نعم الدنيا ، وأما في الأعمال الصالحة فذلك هو الحسن ، وأما إذا تمنى المرء على الله من غير أن يقرن أمنيته بشيء مما قدمناه فذلك جائز ، وذلك موجود في حديث النبي عليه السلام في قوله «وددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا فأقتل »{[3989]} وفي غير موضع ، ولقوله تعالى : { واسألوا الله من فضله } .

وقوله تعالى : { للرجال نصيب } الآية قال قتادة : معناه من الميراث ، لأن العرب كانت لا تورث النساء .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف ولفظة الاكتساب ترد عليه رداً بيناً ، ولكنه يتركب على قول النساء : ليتنا ساوينا الرجال في الميراث ، فكأنه قيل بسببهن : لا تتمنوا هذا فلكل نصيبه ، وقالت فرقة : معناه من الأجر والحسنات ، فكأنه قيل للناس : لا تتمنوا في أمر خلاف ما حكم الله به ، لاختيار ترونه أنتم ، فإن الله قد جعل لكلّ أحد نصيباً من الأجر والفضل ، بحسب اكتسابه فيما شرع له .

قال القاضي أبو محمد : وهذا القول الواضح البيِّن الأعم ، وقالت فرقة : معناه : لا تتمنوا خلاف ما حد الله في تفضيله ، فإنه تعالى قد جعل لكل أحد مكاسب تختص به ، فهي نصيبه ، قد جعل الجهاد والإنفاق وسعي المعيشة وحمل الكلف كالأحكام والإمارة والحسبة وغير ذلك للرجال ، وجعل الحمل ومشقته وحسن التبعل وحفظ غيب الزوج وخدمة البيوت اللنساء .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كقول الذي قبله ، إلا أنه فارقه بتقسيم الأعمال ، وفي تعليقه النصيب بالاكتساب حض على العمل ، وتنبيه على كسب الخير ، وقرأ جمهور السبعة «واسألوا » بالهمز وسكون السين ، وقرأ الكسائي وابن كثير «وسلوا » ألقيا حركة الهمزة على السين ، وهذا حيث وقعت اللفظة إلا في قوله { واسألوا ما أنفقتم }{[3990]} فإنهم أجمعوا على الهمز فيه ، قال سعيد بن جبير ، وليث بن أبي سليم : هذا في العبارات والدين وأعمال البر ليس في فضل الدنيا ، وقال الجمهور : ذلك على العموم ، وهو الذي يقتضيه اللفظ{[3991]} ، وقوله : { واسألوا } يقتضي مفعولاً ثانياً ، فهو عند بعض النحويين في قوله : { من فضله } التقدير واسألوا الله فضله ، وسيبويه لا يجيز هذا لأن فيه حذف «من » في الواجب ، والمفعول عنده مضمر ، تقديره واسألوا الله الجنة أو كثيراً أو حظاً من فضله .

قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الأصح ، ويحسن عندي أن يقدر المفعول - أمانيكم ، إذ ما تقدم يحسن هذا التقدير ، وقوله : { بكل شيء عليماً } معناه : أن علم الله قد أوجب الإصابة والإتقان والإحكام ، فلا تعارضوا بتمن ولا غيره ، وهذه الآية تقتضي أن الله يعلم الأشياء ، والعقائد توجب أنه يعلم المعدومات الجائز وقوعها وإن لم تكن أشياء ، والآية لا تناقض ذلك ، بل وقفت على بعض معلوماته وأمسكت عن بعض .


[3988]:- أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، والترمذي، والحاكم، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق مجاهد، عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله، تغزو الرجال ولا نغزوا، ولا نقاتل فنستشهد، وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله: {ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض}. وأنزل فيها: {إن المسلمين والمسلمات}. الدر المنثور.
[3989]:- هذا الحديث هو الذي صدر به البخاري كتاب التمني في صحيحه، وهو يدل على جواز تمني أفعال الخير، والرغبة فيها، وفي الصحيح: (إن الشهيد يقال له: تمنّ، فيقول: أتمنى أن أرجع إلى الدنيا حتى أقتل في سبيلك مرة أخرى). قال (ق): "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنى إيمان أبي طالب وأبي لهب وصناديد قريش، مع علمه بأنه لا يكون". والتمني نوع من الإرادة يتعلق بالمستقبل، كالتلهف نوع منها يتعلق بالماضي، فنهى الله سبحانه عن التمني، لأن فيه تعلق البال، ونسيان الأجل- ذكر هذا التعليل القرطبي في تفسيره.
[3990]:- من الآية (10) من سورة (الممتحنة)- وقد علق أبو حيان في البحر المحيط على كلام ابن عطية هذا بقوله: "وهذا الذي ذكره ابن عطية وهم، بل نصوص =المقرئين في كتبهم على أن {واسألوا ما أنفقتم} من جملة المختلف فيه بين ابن كثير والكسائي، وبين الجماعة. ونص على ذلك بلفظ ابن شيطا في كتاب "التذكار"، ولعل الوهم وقع له في ذلك من قول ابن مجاهد في كتاب السبعة: "ولم يختلفوا في قوله: {وليسألوا ما أنفقوا} أنه مهموز لأنه لغائب" راجع "البحر المحيط" 3/236.
[3991]:- يؤيد هذا الذي ذهب إليه الجمهور أحاديث كثيرة، فقد روى الترمذي عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج).