الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

{ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } الآية .

يقال : جاءت وافدة النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله أليس الله ربّ الرجال والنساء وأنت رسول الله إليهم جميعاً ، فما بالنا يذكر الله الرجال ولا يذكر النساء ؟ نخشى أن لا يكون فينا خير ولا لله فينا حاجة ؟ فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية ، وقوله :

{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] الآية ، وقوله :

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ النحل : 97 ] .

وقيل : لمّا جعل الله للذكر مثل حظ الأُنثيين في الميراث ، قالت النساء : نحن أحوج إلى أن يكون لنا سهمان وللرجال سهم ، لأنا ضعفاء وهم أقوى وأقدر على طلب المعاش منّا ، فنزّل الله هذه الآية .

وقال مجاهد : قالت أم سلمة : يا رسول الله يغزوا الرجال ولا نغزوا ، وإنما لنا نصف الميراث ، فليتنا رجال فنغزوا ونبلغ ما يبلغ الرجال ، فنزلت هذه الآية .

وقال قتادة والسدي : لما نزل قوله : { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ } ، قال الرجال : إنا لنرجوا أن يفضل علينا النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث ، فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء . وقالت النساء : إنا لنرجوا أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا ، فأنزل الله { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ } من الثواب والعقاب { وَلِلنِّسَآءِ } كذلك ، قاله قتادة ، وقال أيضاً : هو أن الرجل يجزي بالحسنة عشرة والمرأة تجزي بها عشراً .

وقال ابن عباس : للرجال نصيب ممّا اكتسبوا من الميراث ، وللنساء نصيب منه { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ } ، والإكتساب على هذا القول بمعنى الإصابة والأحراز ، فنهى الله تعالى عن التمني على هذا الوجه لما فيه من دواعي الحسد .

قال الضحاك : لا يحل لمسلم أن يتمنى مال أحد ، ألم يسمع الذين قالوا :

{ يلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ } [ القصص : 79 ] إلى أن قال

{ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِالأَمْسِ } [ القصص : 82 ] حين خسف بداره وأمواله يقولون :

{ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا } [ القصص : 82 ] . وقال الكلبي : لا يتمنى الرجل مال أخيه ولا امرأته ولا خادمه ولا دابته ، ولكن ليقل : اللهم ارزقني مثله ، وهو كذلك في التوراة ، وذلك قوله في القرآن : { وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ } [ النساء : 32 ] .

قرأ ابن كثير وخلف والكسائي : ( وَسلوا الله ) وسل وفسل بغير همزة فنقل حركة الهمزة إلى السين .

الباقون : بالهمزة .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله من فضله فإنه يحبّ أن يُسأل وأن من أفضل العبادة إنتظار الفرج " .

أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لم يسأل الله عزّ وجلّ من فضله غضب عليه " .

هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت : سلوا ربّكم حتى الشبع من لم يُيسّره الله لم يتيسّر .

وقال سفيان بن عيينة : لم يأمر بالمسألة إلاّ ليعطي .